سند ومعنى: النظرُ إلى وجهِ العالم عبادة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

حديث: "النظر لوجه العالم عبادة".

 

أولاً: ما هو رأيكم شيخنا الكريم في سند الحديث؟

ثانياً: إذا كان الحديث صحيحاً فكما هو معلوم أنَّ كلمة العالم هي محلاة بــ "أل" الدالة على العموم فهل هذا يعني أنَّ النظر لوجه أيِّ عالم عبادة أم العالم الديني فقط، وإذا كان العالم الديني فقط فما هو الدليل؟

 

الجواب:

ورد هذا الحديث من عدَّة طرق بألسنةٍ مختلفة ولكنَّها متقاربة:

1- ورد في كتاب الأشعثيَّات لمحمد بن محمد بن الأشعث المسمَّى أيضاً بالجعفريات بسنده إلى الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب (ع)، قال: "قال رسول الله (ص): "النظر في وجه العالم حبا له عبادة"(1).

 

والإشكال في السند من جهة الجهل بالطريق إلى الكتاب ومن جهة اشتمال السند على موسى بن اسماعيل فهو مجهول الحال. ورواه الراوندي في النوادر بسندٍ مشتملٍ على موسى بن اسماعيل والذي هو مجهول الحال.

 

2- وورد الحديث أيضاً في أمالى الطوسي بسنده عن محمد بن مسلم، عن جعفر بن محمد (ع)، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي (صلوات الله عليهم)، عن علي (ع)، قال: قال رسول الله (ص): "النظر إلى العالم عبادة، والنظر إلى الامام المقسِط عبادة، والنظر إلى الوالدين برأفةٍ ورحمة عبادة، والنظر إلى أخٍ تودُّه في الله (عزَّ وجل) عبادة"(2).

 

والإشكال في السند من جهة اشتماله على أبي المفضَّل وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله الشيباني ولم تثبت وثاقته، قال عنه النجاشي: "ورأيت جُلَّ أصحابنا يغمزونه ويضعِّفونه"(3) وقال عنه الشيخ في رجاله: "كثير الرواية، إلا أنَّه ضعَّفه قوم"(4) فسندُ الحديث بسببه يكون ضعيفاً.

 

3- وورد في الفقيه للشيخ الصدوق قال: وروي أن "النظر إلى الكعبة عبادة، والنظر إلى الوالدين عبادة، والنظر في المصحف من غير قراءة عبادة والنظر إلى وجه العالم عبادة، والنظر إلى آل محمد عليهم السلام عبادة"(5) فالرواية مرسلة.

 

4- وورد في مستدرك الوسائل والبحار نقلاً عن جامع الاخبار، قال: عن أبي ذر قال: قال النبي (ص): "يا أبا ذر الجلوس ساعةً عند مذاكرة العلم خيرٌ لك من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، والنظر إلى وجه العالم خيرٌ لك من عتق ألف رقبة"(6)، فالرواية ظاهرة في محبوبيَّة النظر لوجه العالم، وذلك لخيريَّتِه -بحسب الرواية- من عملٍ عباديٍّ محبوبٍ لله تعالى وهو العتق لألف رقبةٍ مسترقَّة لكنَّ الرواية مرسلة.

 

5- وورد في عدة الداعي لابن فهد الحلي: عن عليٍّ (ع): "جلوسُ ساعةٍ عند العلماء أحبُّ إلى الله من عبادة ألف سنة، والنظر إلى العالم أحبُّ إلى الله من اعتكاف سنة في البيت الحرام .."(7) فالرواية ظاهرة في انَّ النظر إلى العالم عبادة لأنَّ محبوبيَّة ذلك -بحسب الرواية- تضاهي محبوبيَّة الاعتكاف في البيت الحرام سنة كاملة لكن الرواية مرسلة.

 

6- وورد في تنبيه الخواطر لورَّام بن أبي فراس: سُئِلَ الإِمامُ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّد الصّادِقُ (ع) عَن قَولِهِ (ص): "النَّظَرُ في وُجوهِ العُلَماءِ عِبادَةٌ"، فَقالَ: هُوَ العالِمُ الَّذي إذا نَظَرتَ إلَيهِ ذَكَّرَكَ الآخِرَةَ، ومَن كانَ خِلافَ ذلِكَ فَالنَّظَرُ إلَيهِ فِتنَةٌ"(8) الرواية مرسلة.

 

فالحديث من حيث السند ضعيف إلا أنَّ استفاضةَ نقله بألسنةٍ مختلفة وتعدُّد مَن نقله يُوجبُ الوثوق بصدور معناه في الجملة.

 

وأما مَن هو العالم الذي يكون النظر إلى وجهه عبادة فالظاهر هو الذي يكون النظر إليه موجباً لذكر الله تعالى، لأنَّ ذلك هو المناسب لجعل النظر عبادة إذ لا خصوصية ظاهراً لوجه العالم عمَّا سواه إلا من هذه الجهة، فلأنَّ النظر إلى وجه العالم الرباني تُساهم في التذكير بالله تعالى وآلائه وأوامره وفرائضه وحدوده وتُساهم في الاتِّعاظ والإنزجار عن نواهيه لذلك ناسب ظاهراً أن يكون النظر إليه من أنحاء العبادة شأنُه في ذلك شأنُ كلِّ مقربٍ لله جلَّ وعلا، ويُؤيِّد ذلك مرسلة لورام بن أبي فراس في تنبيه الخواطر قال: سُئِلَ الإِمامُ جَعفَرُ بنُ مُحَمَّد الصّادِقُ (ع)، عَن قَولِهِ (ص): النَّظَرُ في وُجوهِ العُلَماءِ عِبادَةٌ، فَقالَ: هُوَ العالِمُ الَّذي إذا نَظَرتَ إلَيهِ ذَكَّرَكَ الآخِرَةَ، ومَن كانَ خِلافَ ذلِكَ فَالنَّظَرُ إلَيهِ فِتنَةٌ"(9).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- مستدرك الوسائل -ميرزا حسين النوري الطبرسي- ج9 / ص153.

2- الأمالي -الشيخ الطوسي- ص454.

3- فهرست اسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي) -النجاشي- ص396.

4- الأبواب (رجال الطوسي) -الشيخ الطوسي- ص447.

5- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص205.

6- مستدرك الوسائل -ميرزا حسين النوري الطبرسي- ج5 / ص396، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج1 / ص203.

7- عدة الداعي ونجاح الساعي -ابن فهد الحلي- ص66.

8- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام) -ورام بن أبي فراس المالكي الاشتري- ج1 / ص92.

9- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام) -ورام بن أبي فراس المالكي الاشتري- ج1 / ص92.