هل سرق ابنُ عباسٍ بيتَ مال البصرة؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل صحيح أنَّ عبد الله بن عباس (حبر الأمة) سرق خراج أهل البصرة، في أيام خلافة أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)؟

 

الجواب:

لم يصح شيءٌ ممَّا ورد في ذلك بل القرائن المتظافرة مقتضية للاطمئنان بأن هذه الدعوى مختلقة ومكذوبة على ابن عباس رضوان الله عليه، فمضافاً إلى ضعف أسانيد الروايات المشتملة على هذه الدعوى واضطراب متونِها وتهافتها في نفسها فإنَّها منافيةٌ لما ورد من أنَّ ابن عباس ظلَّ والياً على البصرة وملازماً لأمير المؤمنين (ع) إلى حين استشهاده، وانَّه كان فيمن دعا لمبايعةِ الإمام الحسن (ع) في الكوفة، وكان فيمَن حضر الصلح، وكلُّ ذلك ينافي دعوى انَّه سرق بيت مال البصرة وحمله إلى مكة وبقي هناك وترك عملَه في البصرة.

 

هذا مضافاً إلى ما تسالمت عليه الأمَّة من الصحابة والتابعين على جلالة قدرِه وعلو شأنه ومضافاً إلى ما ثبت من ملازمته وعميق علاقته بالإمامين الحسن والحسين (ع) وما استفاضت به الرواياتُ الواردة عن أهل البيت (ع) في مدحِه والثناء عليه، وما تناقله الرواةُ من الفريقين من دفاعه المستميت عن عليٍّ (ع) والانتصار له والتَعداد لمناقبه ومآثره إلى أن اختاره الله تعالى، كلُّ ذلك يُساهِم في استبعاد اجتراحه لهذه الموبقة التي لو وقعت لأدَّت إلى فتور العلاقة بينه وبين الحسنين (ع) ولما كان لائقاً بكلِّ ذلك الثناء الذي استفاض نقله عن أهل البيت (ع)، ولما حظيَ بكلِّ تلك المكانة المرموقة بين الصحابة والتابعين فإنَّ ما تنسبه إليه هذه الدعوى هي سرقة مليوني درهمٍ على أقل التقادير وثمة من ادَّعى انّها ستة ملايين، فإنَّ هذه الدعوى لو صدقت لما أمكن التجاوز عنها ولكانت سُبَّةً تحلقه وتلحق عقبه، ولو صدقت لوظَّفها معاوية وأتباعه للتشنيع والنكاية، فقد كان ابن عباس من ألدِّ خصومه -في عهد عليٍّ والحسن (ع) على الخصوص- في حين انَّنا لا نجد من ذلك عيناً ولا أثراً إلا بعد زمان معاوية بأكثر من عقد، كما أنَّ ان طبيعة ما انتصر به لعليٍّ (ع) يتنافى مع فحوى ما ادُّعي من اجاباته على رسائل عليٍّ له في هذا الشأن.

 

فهذه القرائن مجتمعة تُورث الاطمئنان بأنَّ ما تناقله بعض المؤرِّخين من دعوى أنَّ ابن عباس سرق في عهد عليٍّ (ع) أموال بيت مال البصرة كان من وضع الأمويين وأنصارهم لدوافع لا تخفى على البصير بطبيعة الصراع الذي كان على أشدِّه في تلك الحقبة بين أنصار أهل البيت (ع) وأنصار الأمويين.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور