تقبيل المُحرِم زوجته دون شهوة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

أفتى بعض الفقهاء (قُدس سره) بحرمة تقبيل الزوجة ولو بغير شهوة حال الإحرام، واحتاط بعضهم وجوباً بذلك ولكن الروايات المستدل بها كصحيحة مسمع لا تدل إلا على وجوب الكفارة ووجوب الكفارة لا يلازم الحرمة ففي باب التظليل مثلاً من كان مضطراً إليه فقد استفيد من الروايات -وعليه فتاواهم- أنه يجوز له ولكن عليه الكفارة، فما هو وجه الإفتاء بالحرمة؟

الجواب:

المناسب في وجه القول بحرمة تقبيل المحرم لزوجته دون شهوة هو ما ورد في معتبرة مسمع أبي سيَّار قال: قال لي أبو عبد الله (ع): "يا أبا سيَّار إنَّ حال المحرم ضيقة إنْ قبَّل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دمُ شاة، وإن قبَّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر الله، ومن مسَّ امرأته وهو مُحرِم على شهوة فعليه دم شاة، ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، وإنْ مسَّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شيء عليه"(1).

وتقريب ذلك انَّ الإمام (ع) وصف حال المحرم بالضيِّقة ثم فرَّع على ذلك بيان حكم المحرِم الذي قبَّل زوجته دون شهوة، ومعنى ذلك أنَّ حاله من جهة التقبيل دون شهوة ضيِّقة، والمكروه فضلاً عن المباح ليس فيه ضيق بل المكلَّف منهما في سعة، فيتعيَّن من ذلك أنَّ حكم التقبيل دون شهوة هو الحرمة لأنَّ هذا الحكم هو وحده الذي يكون المكلَّف منه في ضيق.

إلا أنَّ ما يرد على هذا الوجه هو أنَّ منشأ الضيق في المقام لا يتعيَّن في الحكم بالحرمة فلعلَّ منشأه ترتَّب وجوب الكفارة، ولا ريب أنَّ اختيار الفعل الذي يكون موضوعاً لحكمٍ الزامي يُعدُّ بنظر العرف ضيِّقاً، فالمكلَّف وإنْ كان في سعةٍ من جهة الفعل المباح إلا أنَّه ونظراً لكونه موضوعاً لحكمٍ الزامي لذلك فهو يُعدُّ ضيقاً. فلو قيل لرجلٍ إنَّ لك أن تأكل هذا الطعام وهو مباح لك ولكنك إذا أكلته لزمك ان تتصدق بضعفي قيمته، فإن العرف يرى أنَّ هذا الفعل وإن كان مباحاً ولكنَّه ضيق.

فالتعبير بأنَّ حال المحرم من جهة التقبيل دون شهوة ضيقة ليس له ظهور في حرمة الفعل لاحتمال أنْ يكون منشأ الضيق هو ما يترتَّب على التقبيل من كفارة.

وثمة وجهٌ آخر ذكره بعض الأعلام، وهو قوله (ع): "ويستغفر الله" فإنَّ الظاهر هو رجوع الأمر بالاستغفار إلى كلٍّ من المقبِّل دون شهوة والمقبِّل بشهوة مع الإمناء، والأمر بالاستغفار ظاهرٌ في حرمة الفعل المأمور بالاستغفار منه.

إلا أنَّ ما يرد على دعوى رجوع الأمر بالاستغفار إلى المقبِّل دون شهوة هو وإنْ كانت محتملة ولكنَّه يصعب استظهارها من مساق الرواية، فإنَّ الفقرة الأولى من الرواية قد تمَّت موضوعاً وحكماً واستأنف الإمام (ع) بعدها فقرةً جديدة اشتملت على فرض موضوعٍ آخر وحكمٍ آخر، فاستظهار أنَّ الحكم الثاني لموضوع الفقرة الثانية مشتركٌ بين موضوعي الفقرتين غير ظاهر، فأقلُّ ما في البين هو الإجمال المانع من استظهار رجوع الأمر بالاستغفار لمفروض الفقرة الأولى.

هذا وقد استجود بعض الأعلام التمسُّك لإثبات حرمة التقبيل للزوجة دون شهوة بالتعليل الوارد في معتبرة مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ فِي مُحْرِمٍ نَظَرَ إلى غَيْرِ أَهْلِه فَأَنْزَلَ قَالَ: "عَلَيْه دَمٌ لأَنَّه نَظَرَ إلى غَيْرِ مَا يَحِلُّ لَه"(2) فإنَّ ظاهر المعتبرة هو أنَّ مناط وجوب الكفارة هو حرمة الفعل، وعليه تكون المعتبرة مقتضية للملازمة بين ثبوت الكفارة في شيء وبين حرمة ذلك الشيء، فكلُّ فعلٍ ثبت أنَّ في ارتكابه كفارة فإنَّ لازمه انَّ ذلك الفعل محرم.

ويرد على ذلك أنَّ اقصى ما يقتضيه التعليل في المعتبرة هو أنَّ ارتكاب المحرِم للفعل المحرَّم يستوجب الكفارة، وأما أن ما كلَّ ما ثبت أنَّ فيه كفارة فهو محرَّم فذلك ما لا يقتضيه التعليل الوارد في الرواية، فمساق الرواية هو مساق قولنا إنَّ كل مَن خالف القانون فعليه ضريبة فإنَّ هذا لا يعني أن الضريبة لا تثبت إلا بمخالفة القانون فقد تثبت بموجبٍ آخر. فالملازمة في المعتبرة من طرفٍ واحد أي بين الفعل المحرم والكفارة.

هذا مضافاً إلى أنَّ التعليل في المعتبرة لا يُمكن التمسُّك بإطلاقه لأنَّه منتقضٌ بذيل المعتبرة، وهو ما يمنع من استظهار إرادة الإطلاق من التعليل، فقد أفاد الإمام (ع) في ذيل المعتبرة انَّه: "وإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْزَلَ فَلْيَتَّقِ اللَّه ولَا يَعُدْ ولَيْسَ عَلَيْه شَيْءٌ" فظاهر هذه الفقرة انَّ المحرم قد نظر إلى غير ما يحلُّ له غايته انَّه لم يُنزل، فهو قد فعل محرماً ورغم ذلك نفى الإمام (ع) وجوب الكفارة، فهذا الوجه غير تامٍ أيضاً

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج12 / ص435.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج13 / ص135.