معنى (في المقدّسين) من دعاء السمات
المسألة:
في دعاء السمات وردت هذه الفقرة: "وأسألك اللهم! بمجدك الذي كلمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران (ع) في المقدسين فوق إحساس الكروبيين"(1). فما معنى هذه الفقرة أعني قوله "في المقدسين"؟
الجواب:
الظاهر انَّ المراد مِن المقدَّسين هم الملائكة، ومنشأ التعبير عن الملائكة بالمقدَّسين هو انَّ التقديس يعني التنزيه مِن الرجس والأدناس، فلأنَّ الله جلَّ وعلا قد طهَّر الملائكة مِن الذنوب والعيوب لذلك صحَّ توصيفهم بالمقدَّسين بفتح الدال.
وقد تكون الدال مكسورة فيكون اسم المقدِّسين اسم فاعل، وهو نعت للملائكة أيضًا لأنَّه حينئذٍ يكون بمعنى المسبِّحين، لأنَّ التقديس يعني الثناء على الله تعالى بالتنزُّه عن كلِّ ما لا يليق بشأنه من الصفات والأفعال.
وقد وصف القرآن الملائكةَ بالمسبِّحين في قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ / وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ / وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾(2).
وقال تعالى على لسان ملائكته: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾(3).
ومنشأ استظهار إرادة الملائكة مِن قوله في الدعاء (في المقدسين) هو انَّ هذه الفقرة تُشير إلى ما وقع لنبيِّ الله موسى (ع) حينما بلغ طور سيناء فكلَّمه الله تعالى هناك، فليس ثمة مِن أحدٍ حينذاك سوى ملائكة الله جلَّ وعلا كما انَّ الفقرة التي تلت الفقرة المذكورة وهي قوله: (فوق أحساس الكروبِّين) تُشعر بإرادة الملائكة مِن قوله: (في المقدّسين) إذ انَّه لا ريب في انَّ الكروبيين وصف لصنفٍ مِن الملائكة وهم الملائكة المقرَّبون.
ويؤيد ما ذكرناه مِن انَّ المراد مِن المقدَّسين في هذه الفقرة هم الملائكة ما ورد عن النبي (ص) في علل الشرائع انَّه سئل عن قوله ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾(4) "لم سَمي المقدَّس؟ قال: لانَّه قدَّست فيه الأرواح، واصطفت فيه الملائكة، وكلَّم الله موسى تكليما"(5). ولعلَّ هذه الرواية ترجِّح انَّ المقدّسين مكسورة الدال.
وعلى أيِّ تقدير يكون محصَّل المراد مِن الفقرة المذكورة انَّ الامام (ع) يُقسم بمجد الله تعالى الذي كلَّم به موسى في محضر المقدَّسين -وهم الملائكة- في طور سيناء فمعنى قوله: "وبمجدك الذي كلَّمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران" أي بكرمك وفضلك الذي كلمت به موسى بن عمران (ع) في محضر ملائكة الله المقدسين.
فالامام (ع) يُقسم بكرم الله تعالى وفضله الذي رشَحت منه هذه المِنحة العظمى التي مُنح ايَّاها موسى (ع) وهي تكليم الله تعالى له في طور سيناء.
فالمجد يُستعمل لغةً ويراد منه منتهى الفضل والكرم أي انَّ المجد هو أعلى مراتب الكرم.
وقد اُستعمل لفظ المجد في بعض الأدعية المأثورة واُريد منه الكرم والفضل.
منها: ما رود في الدعاء المأثور عن أمير المؤمنين (ع) المسمى بدعاء كميل قال: "واعطف عليَّ بمجدك"(6).
ومنها: ما روي عن ابي عبدالله (ع) في دعاءٍ له بعد صلاة جعفر قال: "وأيَّ زمنٍ لم تكن ممدوحًا بفضلك موصوفًا بمجدك، عوَّادًا على المذنبين بحلمك"(7).
وقد يكون المراد من المجد في قوله: (وبمجدك الذي كلَّمت به..) هو العظمة والشرف فيكون معنى الدعاء هو القسم بعظمة اللهِ تعالى التي رشح منها فعلُ الكلام الذي خوطب به موسى (ع) من الشجرة في الوادي المقدس.
وقد اُستعمل المجد بمعنى العظمة والعلو والرفعة في بعض الآيات والكثير من الروايات والأدعية المأثورة.
منها: قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ / ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾(8) فالموصوف بالمجيد ظاهرًا هو الله جلَّ وعلا ومعناه العظيم المطلق والذي لا منتهى لعظمته وعلوِّ شأنه.
ومنها: ما ورد في دعاء يوم السبت المأثور المروي في مصباح المتهجِّد قال: (واستعبدتَ الأرباب بعزَّتك، وعلوت السادةَ بمجدك... واستكبرت بجلالك وتجلَّلت بكبريائك وتشرَّفت بمجدك)(9).
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- مصباح المتهجد -الشيخ الطوسي- ص417.
2- سورة الصافات / 164-166.
3- سورة البقرة / 30.
4- سورة طه / 12.
5- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج9 / ص306.
6- مصباح المتهجد -الشيخ الطوسي- ص850.
7- مصباح المتهجد -الشيخ الطوسي- ص312.
8- سورة البروج / 14-15.
9- مصباح المتهجد -الشيخ الطوسي- ص432.