معنى قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾

المسألة:

قال تعالى في سورة المجادلة الآية رقم (7): ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ﴾(1)، فما هو تفسير الآية المباركة؟

الجواب:

المرادُ مِن النَّجوى:

المُرادُ من النَّجوى هو المسارَّة أي المحادثة السّرّيَّة، وذلك بأنْ يجتمع اثنان أو أكثر فيكون بينهم حديثٌ خاصٌّ يتواصَون بينهم أنْ لا يطَّلع على هذا الحديث أحدٌ غيرهم، فهذه هي النَّجوى.

والقرآن الكريم أفاد في هذه الآية المباركة أنَّ الحديث وإنْ صدر بنحو التّناجي فإنّ الله تعالى مُطَّلعٌ عليه، ذلك لأنَّهُ مُحيط بكلِّ شيء ولا تخفى عليه خافيةٌ في الأرضِ ولا في السَّماء.

معنى المعيَّة ونفي الشبهة:

فالتَّعبيرُ في الآية المباركة بأنَّه رابع الثَّلاثة وخامس الأربعة وسادس الخمسة ليس بمعنى المُشاركة لهم في المكان والزّمان، فهو تعالى فوق الزَّمان والمكان، فلا يُحيطُ به مكان ولا يحدُّه زمان، وإنَّما هو بمعنى الإحاطة والإشراف والإطِّلاع، فهو تعالى لعلمِه واطِّلاعه على ما يتناجَون به وما يتسارُّون فيه كأنَّه واحدٌ منهم، فكما أنَّ الشَّريك في المناجاة يعلمُ بتفاصيل ما يكون من أحاديث شركائِه في النَّجوى بل ويعلمُ بأحوال شركائه في النَّجوى حين المحادثة فكذلك اللهُ تعالى يعلمُ بما هم عليه من حال وما يصدرُ عنهم من مقال سواءً كانت مناجاتهم في محفلٍ عامٍّ أو محفلٍ خاصّ، فهو تعالى مُطَّلع عليهم أينما كانوا، فهذا هو معنى أنَّه: ﴿مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوْا﴾(2) فالمَعِيَّة في الآية ليست بمعنى الدُّنُوّ المكانيِّ والمجاورة وإنَّما هي بمعنى الإطِّلاع والعِلم.

هذا وقد تصدَّت الرّواياتُ الواردةُ عن أهل البيت (ﻉ) لإيضاح معنى الآية المباركة، فقد روى الكُلينيُّ في الكافي بسندٍ معتبَر إلى عمر بن أذينة عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ﴾(3)، قال (ع): "هو واحدٌ وأحديُّ الذّات بائنٌ من خلقِه، وبذلك وصف نفسَه، وهو بكلِّ شيءٍ مُحيط بالإشراف والإحاطة والقدرة، لا يَعزبُ عنه مثقالُ ذرَّةٍ في السّماء ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بالإحاطة والعلم لا بالذات، لأنَّ الأماكن محدودةٌ تحويها حدودٌ أربعة، فإذا كان بالذات لزمها الحَوَاية"(4).

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة المجادلة / 7.

2- سورة المجادلة / 7.

3- سورة المجادلة / 7.

4- الكافي -الشيخ الكليني- ج1 / ص127، التوحيد -الشيخ الصدوق- ص131.