مَن المقصود بقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

من المقصود في الآية الكريمة من سورة فصلت: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾([1]) هل هما شخصان بعينهما، واحدٌ من الجنِّ وواحدٌ من الإنس، كما ذهب لذلك البعض أو أنَّ المقصود من الآية عموم المُضلِّين من الجنِّ والإنس؟

الجواب:

التثنية بلحاظ جنسي المُضلِّين:

الظاهر من الآية الشريفة انَ كلَّ كافرٍ يُخاطب ربَّه يوم القيامة بقوله: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾ يقصد مَن كان سبباً في ضلاله شخصياً، لذلك فالمعنيُّ من ﴿الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾ يختلف باختلاف الكافرين المخاطِبين لربِّهم بقولهم: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ﴾ فقد يكون الذَين أضلَّا هذه الفئة من الكافرين غير الذَين أضلَّا فئةً أخرى من الكافرين، كما أنَّ المضلِّين لهذه الفئة من الكفَّار قد يتعيَّنون في فردٍ واحدٍ من الإنس وفردٍ واحدٍ من الجنِّ، وقد يتعيَّنون في جماعةٍ من الإنس وجماعةٍ من الجنِّ، والتثنية في قوله: ﴿أَضَلَّانَا﴾ رغم تعدُّد المضلِّين في هذا الفرض إنَّما كان بلحاظ جنسي المضلِّين وليس بلحاظ عدد المضلِّين اللذين قد يكونون كثُر كما في قوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾([2]) فالمخاطَب في الآية هم عموم الناس وعموم الجن ورغم ذلك خوطب كلُّ هؤلاء بصيغة التثنية، وذلك بلحاظ كونهم من جنسين اثنين هما الجنُّ والإنس.

الروايات بصدد التطبيق وليس التفسير:

وأمَّا ما ورد في بعض الروايات من أنَّ المقصود من: ﴿الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾ فردان معيَّنان من الإنس أو أحدهما من الجن والآخر من الإنس أو أفراد معيَّنون من الإنس والجن([3]) فإنَّها ليست بصدد التفسير وإنَّما هي بصدد ما يُسمَّى بالجري والتطبيق أي بصدد بيان بعض مصاديق الآية الشريفة، ولهذا فمثل هذه الروايات لا تقتضي التضييق لمفاد الآية ولا المنع من صلاحيتها للاِنطباق على أفرادٍ آخرين كانوا سبباً في تضليل فئةٍ من الكفار.

التنظير بآية: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾:

ونظير ذلك ما قِيل في بيان المراد من قوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾([4]) انَّهم أبو سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وسائر رؤساء قريش([5])، فإنَّ ذلك ليس من التفسير وإنَّما هو من الجري والتطبيق بمعنى أنَّ هؤلاء المذكورين يصدقُ عليهم عنوان أئمة الكفر، وليس معناه أنَّ الآية منحصرةُ المفاد فيهم، وأنَّ عنوان أئمة الكفر لا يصدقُ على غيرهم، وأنَّ ما تقتضيه الآية من العموم ليس مقصوداً منها.

ويؤيد ذلك: ما ورد أنَّ أمير المؤمنين (ع) قرأ هذه الآية يوم البصرة، ثم قال: أما والله لقد عهد إلي رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال لي: يا علي لتقاتلن الفئة الناكثة، والفئة الباغية، والفئة المارقة ﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾". وورد أنه قال: "والذي فلق الحبة وبرء النسمة واصطفى محمداً صلى الله عليه وآله بالنبوة، انكم لأصحاب هذه الآية وما قوتلوا منذ نزلت"([6]).

وكذلك هو الشأن في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ﴾ فإنَّه وإنْ ورد في بعض الروايات تطبيق عنوان: ﴿الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا﴾ على شخصين أو أشخاص معيَّنين إلا أنَّ ذلك لا يعني أنَّ السعة التي يقتضيها مفادُ الآية المباركة ليس مقصوداً.

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

3 / جمادى الأولى / 1434هـ

16 / مارس / 2013م


[1]- سورة فصلت / 29.

[2]- سورة الرحمن / 13.

[3]- الكافي -الكليني- ج8 / ص334، تفسير القمي -القمي- ج2 / ص265.

[4]- سورة التوبة / 12.

[5]- تفسير مجمع البيان-الشيخ الطبرسي- ج5 / ص21.

[6]- راجع: تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج5 / ص21، تفسير القمي-علي بن إبراهيم القمي- ج1 / ص283، تفسير العياشي -العياشي- ج2 / ص78.