تفويض الحكم بتقدير المهر للزوجة في فرض موت الزوج

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

في مسألة 297 من منهاج الصالحين قال ما نصُّه: إذا مات الحاكم قبل الحكم وتقدير المهر وقبل الدخول فللزوجة المتعة، وإنْ مات بعد الدخول فلها مهرُ المثل إنْ كان الحكم إلى الزوج، وأما إنْ كان الحكم إلى الزوجة فلا يبعد أن يكونْ الثابت هو مهر السنَّة " فما وجه الفتوى في الفرع الأخير بمهر السنَّة؟

 

الجواب:

الظاهرُ أنَّ الوجه في ذلك هو إطلاقُ معتبرةِ الحسن بن زرارة عَنْ أَبِيه قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حُكْمِهَا، قَالَ: "لَا يُجَاوِزْ حُكْمُهَا مُهُورَ آلِ مُحَمَّدٍ (ع) اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ونَشّاً، وهُوَ وَزْنُ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنَ الْفِضَّةِ ..".

 

فإنَّ مفروضَ السؤالِ هو مَن تزوَّج امرأةً بحكمها، فكان الجواب هو أنَّ لها أنْ تحكم بما لا يتجاوزُ مهرَ السنَّة، ومقتضى عدم الاستفصال و التفصيل هو أنَّ لها الحكم بمهر السنَّة مطلقاً سواءً طلَّقها قبل الحكم أو بعده، وسواءً مات قبل الحكمِ أو بعده.

 

استحقاقها للمتعة لو مات قبل الدخول والحكم:

نعم لو مات الزوجُ قبل الدخولِ بها وقبل أنْ تحكم فإنَّها لا تستحقُّ على زوجِها سوى المتعة والميراث، وذلك ليس لقصورٍ في إطلاق معتبرة الحسن بن زرارة بل لأنَّها مقيَّدة بمعتبرة محمد بن مسلم عن أَبِي جَعْفَرٍ (ع) فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حُكْمِهَا أَوْ عَلَى حُكْمِه فَمَاتَ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا قَالَ: لَهَا الْمُتْعَةُ والْمِيرَاثُ ..)(1).

 

فالفرضُ الذي لا يكونُ للزوجة فيه الحقُّ في الحكم بمهر السنَّة هو موتُ الزوج قبل الدخول، فيبقى فرضُ موتِ الزوج بعد الدخول مشمولاً لإطلاق معتبرة الحسن بن زرارة المقتضي لاستحقاقِ الزوجة للحكم بمهر السنَّة.

 

وأما معتبرة صفوان بن يحيى عن أبي جعفر (الأحول) قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع): رجلٌ تزوَّج امرأةً بحكمِها ثم مات قبل أنْ تحكم؟ قال: "ليس لها صداقٌ وهي ترث"(2) فهي محمولة على فرض عدم الدخول، لوضوح استحقاق الزوجة للمهرِ بالدخول، فمفروضُ المسألة في معتبرة صفوان متَّحدٌ مع مفروض المسألة في معتبرة محمد بن مسلم، فكلاهما أخصُّ مطلقاً من معتبرة الحسن بن زرارة، لذلك تتقيَّد بهما في مقدار موت الزوج قبل الدخول وقبل حكم الزوجة، ويبقى ما عدا ذلك مشمولاً للإطلاق المقتضي لاستحقاق الزوجة للحكم بما لا يتجاوز مهر السنَّة.

 

هذا مضافاً إلى أنَّ مقتضى الاستصحاب هو بقاء الاِستحقاق للحكم بمهر السنَّة للزوجة الثابت لها قبل موت الزوج وبعد الدخول بها، نعم لا يصحُّ التمسك بالاستصحاب بناءً على عدم حجيَّته في موارد الشبهات الحكميَّة الكليَّة.

 

وأمَّا الاستدلال على استحاق الزوجة لمهر السنَّة بما ورد في معتبرة الحلبي عنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الْمَهْرِ فَقَالَ: "مَا تَرَاضَى عَلَيْه النَّاسُ أَوِ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً ونَشٌّ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ"(3) فالظاهر عدم تماميته لأنَّها أجنبيَّةٌ عن مورد البحث، ذلك لأنَّها بصدد بيان ما يُجزي في المهر، ولذلك لا يمكن التمسُّك بمثل هذه الرواية لإثبات تعيُّن مهر السنَّة في كلِّ موردٍ لم يتحقَّق فيه تراضٍ على مقدار المهر، على انَّ الرواية ليست ظاهرة في أنَّ المراد من تراضي الناس هو تراضي الطرفين حتى يُدَّعى ظهور الرواية في أنَّه إذا لم يكن تراضٍ تعيَّن الخيار الثاني وهو مهر السنَّة بل المراد من قوله: "ما تراضى عليه الناس" هو أنَّه يُجزي من المهر اختيار ما يتراضى عليه الناس من قليلٍ أو كثير، فيكونُ مفاد الرواية هو أنَّ المهر يكونُ بما يتراضى عليه الناس، ويكون بمهر السنَّة، فأيَّهما تمَّ اختيارُه مِمَّن له الحقُّ في ذلك فإنَّه يُجزي في المهر، وعليه فإنَّ تعيُّنَ المهرِ في أيٍّ منهما لا يكونُ إلا عن تراضي الطرفين.

 

فهذا هو ظاهرُ الرواية وإلا فهي مجملةٌ لوضوح أنَّ تعيُّن مهر الزوجة في مهر السنَّة لا يكون دون اختيار الزوجة أو وليِّها في بعض الفروض، نعم ثمة موارد لا يتعيَّن المهر باِختيار الزوجة إلا أنَّ اعتبار مورد البحث من تلك الموارد استناداً إلى هذه الرواية هو أول الكلام.

 

لماذا لا يثبت في هذا الفرض مهر المثل:

بقي الكلام في أنَّه لماذا لا يثبتُ للزوجة في مورد البحث مهر المثل استناداً إلى مثل معتبرة منصور بن حازم قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع)، في رجلٍ يتزوجُ امرأةً، ولم يفرض لها صداقاً ؟ قال: لا شيءَ لها من الصداق، فإنْ كان دخل بها فلها مهرُ نسائِها(4)".

 

فجوابُه إنَّه لولا ما تمَّ استظهاره من معتبرة الحسن بن زرارة لكان المتعيَّن هو استحقاق الزوجة في هذا الفرض لمهر المثل استناداً لإطلاقِ معتبرة منصور بن حازم إلا أنَّه وبعد أن كان المستظهَر من معتبرة الحسن بن زرارة هو أنَّ الزوجة في فرض جعل الحكم لها يتعيَّنُ مهرها فيما لا يتجاوز مهر السنَّة، وحيثُ إنَّها أخصُّ من معتبرة منصور بن حازم لذلك تتقيَّد معتبرة منصور بها.

 

وببيانٍ آخر: إنَّ موضوع معتبرة منصور هو الزوجة المدخولُ بها التي لم يُفرض لها مهر ولو في الجملة وذلك بتفويض تقدير المهر لأحد الزوجين، وأما موضوع معتبرة الحسن بن زرارة فهو الزوجة المدخول بها التي فُرض لها مهر في الجملة وفُوِّض تقديره لها، وحيثُ إنَّ مورد البحث منطبَقاً لما هو المفروض في معتبرة الحسن بن زرارة لذلك كان المتعيَّن هو استحقاق الزوجة في مورد البحث لمهر السنَّة كما هو مفاد جواب الإمام(ع) في معتبرة الحسن بن زرارة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص279.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص279.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص239.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص269.