ولا غائبًا إلا أدَّيته أو أدنيته؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ورد في دعاء العشر الأُول من ذي الحجَّة الذي بدايته: "اللهم هذه الأيام التي فضَّلتها على الأيام .. إلى قوله: ولا غائبا إلا أدَّيته" فهل هذا التعبير صحيح؟ وما تأويله؟

 

الجواب:

الرواية في ذلك مختلفة فالشيخُ الطوسي (رحمه الله) أورد الدعاء في مصباح المتهجِّد(1) بهذه الصيغة: "ولا غائبًا إلا أدَّيته" وكذلك الشيخ محمد بن جعفر المشهدي في المزار(2) من أعلام القرن السادس الهجري.

 

وأمَّا السيِّد ابن طاووس في الإقبال -من أعلام القرن السابع- فأورد هذه الفقرة من الدعاء بهذه الصياغة "ولا غائباً إلا أدنيته" وكذلك أورده الكفعمي -من أعلام القرن العاشر- في المصباح(3) والبلد الأمين(4).

 

والشيخ عباس القمِّي (رحمه الله) نقل الدعاء عن كلٍّ من الشيخ الطوسي والسيد ابن طاووس، والصيغة التي نقلها عنهما في الفقرة المذكورة هي: "وَلا غائِباً إِلاّ أَدَّيْتَهُ" ولم يُشِر إلى الاختلاف، وذلك يُرجِّح أنَّ نسخة الإقبال التي بيده كانت موافقةً لما في مصباح الشيخ الطوسي.

 

وعلى أيِّ تقدير فالراجح هو ما ورد في نسخة الإقبال ومصباح الكفعمي والبلد الأمين للكفعمي، فإنَّ من له غائب فإنَّه يرجو دنوَّه، إذ أنَّ الغَيبة تُساوق البُعد، فإذا كان الغائب محبوباً للداعي فإنَّه يطلبُ دنوَّه.

 

وأمَّا طلبُ أدائه فليس له معنىً محصَّل إلا بضربٍ من العناية بأنْ يُقال إنَّ المراد من الغائب هو مثل المال الضائع أو الذي ماطَل الدائنُ في أدائه أو جَحده، فالسائلُ يدعو الله تعالى أنْ يؤدِّي له ما ضاع وغاب من أموالِه أو جَحدها من استدانها منه، ولعلَّ ذلك يُناسب مجيء هذه الفقرة بعد قوله (ع): "ولا ديناً إلا قضيته" فالسائلُ يدعو الله أولاً أنْ يقضيَ عنه دينَه الذي تعلَّق بذمَّته للناس ثم يدعو بأنْ يُرجِع إليه الديون التي له على الناس.

 

أو يُقال إنَّ المراد من الغائب هو مَن خرج لحاجة يبتغي تحصيلها والوصول إليها، فغاب عنَّا خبرُه فلا ندري أنَّه بلغ حاجته وغايته أو أنَّه تعسَّر عليه الوصول إليها، فنحن ندعو الله تعالى أنْ يُؤدِّي هذا الغائب إلى حاجتِه أي يُوصلُه إليها.

 

ولعلَّ الصحيح هو وقوع التصحيف في كلٍّ من كتابي مصباح المتهجِّد للشيخ الطوسي والإقبال للسيِّد ابن طاووس وأنَّ المتعيَّن هو ما ورد في بعض الأدعية المأثورة وهو: "ولا غائباً إلاّ رددته" فإنَّ ذلك هو المناسب للمقابلة بين الكلمتين وهو المستعمَل في المخاطبات العرفيَّة.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- مصباح المتهجد -الشيخ الطّوسي- ص673.

2- المزار -محمد بن جعفر المشهدي- ص444.

3- المصباح -الشيخ إبراهيم الكفعمي- ص660.

4- البلد الأمين والدّرع الحصين -الشيخ إبراهيم الكفعمي- ص245.