حدود ما يصدق عليه عنوان ابن الزنا

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يُطلق على ابن الزنا من طرفٍ واحد أنَّه ابنُ زنا شرعاً أو أنَّه يُلحق بغير الزاني من الأبوين، فلا يُعتبر ابنُ زنا؟ ما وجدتُه بعد البحث في كتاب الإرث من جهة التوارث وهو واضح وليس هو مورد السؤال، وإنَّما موردُ السؤال عن اصطلاح الشارع وترتُّب الآثار في غير كتاب الإرث كإمامة الجماعة والقضاء وأمثال ذلك؟

الجواب:

المُحتملات فيمَن يصدق عليه عنوان ابن الزنا ثلاثة:

الاحتمال الأول: اختصاصه بمَن تولَّد عن وطأٍ غير شرعي من الطرفين بحيثُ كان كلٌّ من الأبوين مُدرِكاً لحرمة الوطأ الذي تخلَّق عنه الولد، وكان كلٌّ منهما مختاراً لهذا الوطأ غير مقسورٍ عليه ولا مضطر إليه، ولم يكن أحدُهما قاصراً. وبتعبيرٍ آخر: كان كلٌّ من الأبوين زانياً بهذا الوطأ الذي تخلَّق عنه الولد.

الاحتمال الثاني: هو أنَّ المدار فيمَن يصدق عليه عنوان ابن الزنا هو أنْ يكون الأب زانياً بوطئه الذي نشأ عنه الولد، فهو يكون ابنَ زنا إذا تخلَّق من وطأٍ كان فيه الواطئ زانياً حتى وإنْ كانت أُمُّه معذورةً، بأنْ كانت جاهلةً بحرمة الوطأ أو كانت مقسورةً عليه أو كانت قاصراً.

الاحتمال الثالث: أنَّ عنوان ابن الزنا يصدق على كلِّ ولدٍ تخلَّق عن وطأٍ كان أحدُ طرفيه زانياً، فحتى لو كان الأبُ معذوراً في وطئه فإنَّ المُتخلِّق عن هذا الوطأ يكون ابنَ زنا إذا كانت الأمُّ زانية بهذا الوطأ، بأنْ كانت عالمةً بحرمته مُختارةً له، ولم تكن قاصراً.

المتعيِّن من الاحتمالات هو الثاني:

وأوسعُ هذه الاحتمالات هو الثالث، وأضيقها الأول، وهو القدر المتيقَّن ممَّا يصدقُ عليه عنوان ابن الزنا، وحيثُ إنَّ هذا العنوان ليس له حقيقةٌ شرعيَّة، ولم تتصدَّ الروايات ظاهراً لتحديد ما يصدقُ عليه هذا العنوان من حيثُ السعة والضيق لذلك فالمرجعُ في تحديد ما يصدقُ عليه هذا العنوان هو ما عليه المُتفاهم العرفي.

والمُستَظهَر ممَّا عليه العرف هو صدقُ عنوان ابن الزنا على كلِّ ولدٍ تخلَّق عن وطأٍ كان فيه الواطئ زانياً سواءً كانت الأم زانية أو لم تكن كذلك بأنْ كانت معذورةً شرعاً، وعليه فالمُتعيَّن من المحتملات الثلاثة هو الاحتمال الثاني.

وأمَّا الاحتمال الثالث، وهو الذي يشمل ما لو كان الأب معذوراً في وطئه وكانت الأم زانية فالظاهر هو عدم صدق عنوان ابن الزنا على المتخلِّق من الوطأ في هذا الفرض، ولا أقل من عدم إحراز صدق هذا العنوان عليه، ولهذا لا يصحُّ ترتيب الآثار المجعولة لهذا العنوان على مثله، أعني قبول الشهادة ومشروعيَّة تصدِّيه لإمامة الجماعة والقضاء، فهذه هي الموارد التي ذكر الفقهاء أنَّها لا تُشرع لابن الزنا.

طهارة المولد ليست هي موضوع الآثار الشرعيَّة:

نعم المُستشعر من كلمات الفقهاء هو استظهارهم شمول عنوان ابن الزنا لمن تولَّد عن وطأٍ كانت فيه الأم زانية دون الواطئ وهو الاحتمال الثالث، ومنشأ الاستشعار هو اختيارهم عنوان طهارة المولد فيما يُعتبر في قبول الشهادة وإمامة الجماعة والقضاء، واستدلالهم لذلك بالروايات التي أفادت بأنَّ ابن الزنا لا تُقبل شهادته و لا تصحُّ إمامته في صلاة الجماعة، ومقتضاهُ أنَّهم يفسِّرون عنوان ابن الزنا بمَن لم يكن طاهر المولد، وحيث إنَّ المتولِّد عن أُمٍ زانية ليس طاهر المولد، فمعنى ذلك أنَّ عنوان ابن الزنا بنظرهم يصدقُ على المتولِّد عن أُمٍ زانية.

وبتعبير آخر: إنَّ الفقهاء في مقام بيان الشرائط المعتبرة في الشاهد وإمام الجماعة يذكرون أنَّ منها أن يكون الشاهد طاهر المولد، وكذلك يذكرون أنَّه يُشترط في إمام الجماعة أن يكون طاهر المولد رغم أنَّ الروايات خالية من هذا العنوان وأنَّ ما أفادته الروايات واستدلُّوا به على هذا الشرط هو ـأنْ لا يكون الشاهد وإمام الجماعة ابن زنا، وهذا يُعبِّر عن تفسيرهم لعنوان ابن الزنا بأنَّه الذي لا يكون طاهر المولد، وحيث إنَّ الولد لا يكون طاهر المولد إلا أن يتخلَّق عن وطأٍ مشروع من الطرفين لذلك يكون المتخلِّق عن أُمٍّ زانية ليس طاهر المولد فيكون ابن زنا بناءً على تساوق العنوانين وترادفهما أي بناءً على إنطباق عنوان غير طاهر المولد على عنوان ابن الزنا.

إلا انَّ ما ذكرناه لا يعدو الاستشعار، ولعلَّ مرادهم من عنوان طاهر المولد هو المتولِّد عن طأٍ مشروعٍ من طرف الواطئ بقطع النظر عن الموطوءة بذلك الوطأ وأنَّها كانت زانية أو لم تكن.

وكيف كان فالمرجع في فرض الشك من جهة صدق عنوان ابن الزنا على المتولِّد من أُمٍّ زانية هو عموم مثل: "صلِّ خلفَ مَن تثقُ بدينه "(1) وعموم ما دلَّ على قبول شهادة مُطلق العدل، وذلك لأنَّ إجمال المخصِّص وهو ما دلَّ على استثناء ابن الزنا لا يسري للعام بعد أنْ كان المخصِّص منفصلاً وقد انعقد للعام ظهورٌ في العموم.

على أنَّه يُمكن نفي عنوان ابن الزنا عن المتولِّد من أمٍّ زانية بالاستصحاب بناءً على جريانه في الأعدام الأزليَّة، فإنَّ المُعتبر في الشاهد وإمام الجماعة أنْ لا يكون ابن زنا وهو عين المستصحَب، نعم لو كان المُعتبر في إمام الجماعة والشاهد هو أن يكون طاهر المولد لكان استصحاب عدم كونه ابن زنا غير مجدٍ، لأنَّ نفي عنوان ابن الزنا عنه لا يُنتج أنَّه طاهر المولد إلا بناءً على حجيَّة الأصل المثبت، والأمر ليس كذلك، فإنَّ المأخوذ فيما يُعتبر في إمام الجماعة والشاهد في الروايات هو عدم كونه ابن زنا وهو مايمكن تنقيحه بنفس الاستصحاب وليس بلازم المستصحب.

وبتعبيرٍ آخر: إنَّ مقتضى الجمع بين مثل: "صلِّ خلف مَن تثقُ بدينه" وبين مثل قوله: "خمسه لا يؤمُّون الناس ولا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة"(2) وعدَّ منهم ولد الزنا، مقتضى الجمع بين هذين الخطابين هو صلِّ خلف غير ابن الزنا ممَّن تثق بدينه، فالمُعتبر فيمَن تصحُّ الصلاة خلفه هو غير ابن الزنا، وهو عنوانٌ عدمي يُمكن إحرازه في فرض الشك بواسطة الاستصحاب، وأمَّا الداخل في عقد المستثنى أي الخارج ممَّن تصحُّ الصلاة خلفه فهو متمحِّض في المُحرَز كونه ابن زنا، وهكذا الحال فيما يُعتبر في الشاهد.

والمتحصَّل أنَّه لو وقع الشك في المتولِّد من أُمٍّ زانية من جهة صدق عنوان ابن الزنا عليه وعدم صدقه، ولم نقبل بدعوى خروجه بنظر العرف من عنوان ابن الزنا فإنَّه ورغم ذلك لا يصحُّ ترتيب آثار عنوان ابن الزنا عليه، ولهذا لا مانع من قبول شهادته والصلاة خلفه إذا كان عدلاً.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- جواهر الكلام -الشيخ الجواهري- ج13 / ص387.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج8 / ص322.