قصص القرآن حقائقُ وقعتْ في تاريخ الأُمم

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

مسألة:

هل يمكن أن تكون بعضُ القصص القرآنيَّة خياليَّة فقط للإستفادة والعبرة؟ وكيف ينظر المؤمن لبعض القُصص والروايات التي إنْ عرضتْها على العقل يرفضُها مثلاً عمر نوح أو عين الحياة التي شرب منها الخضر (ع)؟ أتمنَّى منكم جواباً يُساعدني على فهم هذه الروايات والقصص.

الجواب:

قصص القرآن وقائع حدثت في التاريخ:

ليس فيما أورده القرآن الكريم من قصص الماضين إلا وهو حقٌ وصدق، فليس فيه ما هو من نسج الخيال بل هي وقائع حدثت في تاريخ الأمم وتصدَّى القرآن للإخبار عن بعضها.

قال تعالى في سورة النساء: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾(1) فإنَّ الواضح مِن مفاد الآية المباركة أنَّ ما قصَّه القرآن على الرسول (ص) من قصص الأنبياء وأُممِهم كانت وقائع قد حدثتْ لهم ولأُممِهم في الزمن الغابر ولم تكن مجرَّد افتراضات.

وكذلك هو مفادُ قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾(2).

فإنَّ مجرَّد الإلتفات إلى مفردات الآية المباركة يُفضي إلى القطع بأنَّ القرآن كان بصدد الإخبار عن وقائع تاريخيَّة ولم يكن بصدد التأليف والنسج لقصصٍ خياليَّة، فقولُه: ﴿تِلْكَ الْقُرَى﴾ إشارة إلى بُلدانٍ وأممٍ محدَّدة كانت موجودة في التاريخ، وقوله: ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ من قصِّ الأثر أي تتبّعه كما في قوله تعالى حكايةً عن أمِّ موسى وأخته: ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾(3) أي قالت أمُّ موسى بعد أنْ ألقت موسى (ع) في اليَم لأخته قصِّيه أي تتبعي أخباره ومايقع عليه ومايكون عليه مصيرُه ثم أخبريني بذلك. فمعنى ﴿نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ هو أنَّنا نُخبرك بما كنَّا قد تقصَّيناه أو أحصيناه من الآثار والأحداث التي وقعتْ لتلك القرى.

ومعنى قوله تعالى: ﴿مِنْ أَنْبَائِهَا﴾ هو أخبارها، والخبر لا يكون إلا عن مُخبَرٍ أي حدثٍ قد وقع، والمُخبِر يتصدَّى لحكايته والإنباء عنه، فحتى الكاذب عندما يتصدَّى للإنباء والإخبار فإنَّه يدَّعي الحكاية عن الواقع الخارجي ولكنَّه كاذب، فيكون خبرُه غير مطابقٍ للواقع، وأمَّا الصادق فإنَّ خبرَّه يكونُ مطابقاً للواقع الخارجي.

هذا والآيات في ذلك عديدة كقوله تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾(4) وقوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾(5) وقوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ﴾(6) أي بالصدق، والصدق لا يكون إلا وصفاً لخبرٍ مطابقٍ للواقع الخارجي، فلا يُوصف الخيال بالصدق والكذب، وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا﴾(7) فقوله تعالى: ﴿مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ﴾ صريحٌ في أنَّ ما قصَّه القرآن على نبيِّه (ص) هي أحداث قد وقعت في الأمم السابقة.

ولأنَّ المسألة من الوضوح بحيث لا تستحقُّ المزيد من البيان لذلك أغفلنا الذكر للكثير من الآيات التي هي واضحة في أنَّ القرآن حين يتحدَّث عن شخصيَّاتٍ وأممٍ ومدنٍ كان بصدد الإخبار والبيان لأحوالِ شخصيَّاتٍ وأممٍ ومدنٍ واقعيَّة وليست وهميَّة.

غرابة القصَّة لا ينفي وقوعها:

وأمَّا انَّ القصص القرآنية تضمَّنت بعض الوقائع الغريبة فهذا صحيح إلا أنَّ غرابتها لا ينفي وقوعها ولا يقتضي البناء على أنَّها قصصٌ خياليَّة، فإنَّ غرابة الواقعة لا يعني ولا يُساوق استحالتها، فالغرابةُ إنَّما تنشأ عن كون الواقعة غير مألوفة ولا يتكرَّر وقوعها كثيراً وإلا فالكون في الكثير من وجوداته وأنظمته وقوانينه وأحداثه وظواهره مليئ بالأسرار التي لم يقف الإنسان إلى يومنا هذا على كنهها وحقيقتها، ولكنَّها رغم عدم العلم بكنهها وحقيقتها ليست مُستغرَبة للإنسان بل هي مأنوسة ومألوفة وذلك لكثرة تردُّدِها ووقوعها.

فما هو السرُّ الذي تتحوَّل بسببه بذرةٌ ساكنة لا تُجاوز الحمصة بل هي أدنى حجماً من ذلك، فما هو السرُّ الذي يترتَّب عنه تحوُّلها إلى شجرةٍ باسقة ذاتِ جذورٍ ضاربة في الأرض وأغصانٍ خضراء فارعة قاسية أو ليِّنة، وثمرٍ من لونٍ آخر وطعمٍ لا يُشبهه طعمُ ثمرٍ آخر لشجرةٍ أُخرى كان أصلها هي أيضا بذرةً أُلقيت في التراب.

فأشجارٌ -مختلفةُ الهيئات والألوان والثمار والطعوم والقيَم الغذائية- نبتت جميعاً في تربةٍ ذات خصائصَ متشابهة، وتغذَّت من ماءٍ واحد، فكيف نمَت وترعرعت؟! ومَن الذي صبغ ألوانها وألوان ثمارها؟! ومَن الذي شكَّل هيئاتها المختلفة؟! وكيف اختلف مذاقُها وقيمُها الغذائية؟! ولو سألتَ علماء النبات والأحياء لتحدَّثوا عن قانون النمو أما كيف صار لها هذا القانون؟ وكيف تعرَّفت التربة على هويَّة البذرة التي أُلقيت فيها بحيثُ أنَّ بذرة التفاح لم تُنتج رماناً؟! وكيف تأهَّلت هذه البذرة لإنتاج شجرةٍ باسقةٍ تحمل الأغصان والأوراق والثمار؟! ومَن الذي علَّمها أن تمتصَّ الماء والغذاء من محيطها؟! وثمة الكثير من الأسئلة التي لا يجدُ الإنسان لها جواباً، ولو وقف على شيءٍ من ذلك فهو لا يعدو الكشف لحقائقَ كانت موجودة قبل أنْ يُدركها الإنسان فهو لم يبتكرها وإنَّما اكتشفها.

وكذلك هو الشأن في تحوُّله من نطفةٍ سائلةٍ مُستحقَرَة إلى إنسانٍ سويٍّ له عقلٌ وإدراكٌ وإرادةٌ وصورةٌ متناسقة، ولكلِّ جارحةٍ منه وظيفةٌ لا تُغني عنها جارجةٌ أخرى، وهكذا هو شأن سائر الوجودات الكونيَّة من الطيور والحيوانات التي تربو أصنافها على الآلاف والشمس والقمر والنجوم والأفلاك والمجرَّات.

فكلُّ مناحي الوجود يكتنفُها الغموض لكنَّها ليست مُستغرَبة لكثرة وقوعها أمام الإنسان، فهو إنَّما يستغرب من الشيء الذي لا يُصادفه إلا في حالاتٍ نادرة، لذلك لو ولد إنسانٌ مثلاً على غير الهيئة المألوفة أو بملكاتٍ غير متعارفة فإنَّه يكون من الغرائب.

فكونُ الشيء غريباً لا يعني استحالته، ومن ذلك يتَّضح أنَّ امتداد عمر نوح (ع) إلى ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً كما أخبر القرآن وإنْ كان مُستغرَباً ولكنَّه ليس مستحيلاً، فإنَّ الله تعالى لمَّا كان قادراً على كلِّ شيء فليس عزيزاً عليه أن يُؤهَّل جسد نوح للبقاء حيَّاً هذه المدَّة وأكثر كما أهَّل الكثير من الوجودات الكونية -كالشمس والنجوم والجبال- للبقاء إلى آلاف بل ملايين السنين، فالعقلُ لو تأمَّلتم لا يُحيل ذلك.

وأمَّا أنَّ الخضر (ع) شرب من ماء الحياة فترتَّب عن ذلك امتداد عمره إلى هذا اليوم فهو وإنْ لم يكن مستحيلاً في أنْ يخلق اللهُ تعالى في ماءٍ خاصيَّةً يترتَّب عنها هذا الأثر التكويني وهو أنَّ مَن يشرب من ذلك الماء يمتدُّ عمره لآلاف السنين، كما خلق في بعض السوائل خاصيةً يترتَّب عن تناولها الشفاء من بعض الأمراض أو يترتَّب عنها الموت السريع، فوجود سائلٍ له خاصيَّة أنْ يُعمِّر مَن يشربه أمداً طويلاً وإن كان ممكناً إلا أنَّ القرآن لم يذكر ذلك.

نعم ورد في بعض الروايات عند تفسير قوله تعالى من سورة الكهف: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾(8) أنَّ الموقع الذي نسي فيه فتى موسى (ع) الحوت فاتَّخذ سبيله في البحر سرباً كان هو الموقع الذي فيه عين الحياة وأنَّه تقاطر شيءٌ من مائها على تلك الحوت التي كانت ميِّتة بل مملوحة فعادت إليها الحياة فوثبتْ إلى الماء ومضت، وهذا الموضع هو الذي جعله الله تعالى علامةً لموسى (ع) يعرفُ منها موضع وجود العبد الصالح الخضر، ولذلك لمَّا علم موسى (ع) بعد تجاوز الموضع بما شاهده الفتى وما وقع للحوت: ﴿قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا﴾(9) وحين عادا إلى ذلك الموضع وجدا الخضر الذي كان يبحث عنه موسى(ع) ليصحبه ويتعلَّم منه.

ففي هذه الآية وهي قوله تعالى: ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ كانت الإشارة إلى عين الحياة بحسب ما ورد في بعض الروايات وكتب التفاسير إلا أنَّ الآية ليست صريحةً في ذلك كما أنَّها لم تذكر أنَّ الخضر(ع) شرب من ذلك الماء وإنَّما أفادت أنَّ الحوت اتَّخذ سبيله في البحر في ذلك الموضع بل انَّ الآية لم تُصرِّح انَّ الحوت كان ميتاً فأحياه الله حين غُسل أصابه شيءٌ من ماء ذلك الموضع، ولو تمَّ إستظهار انَّ الحوت كان ميتاً فإنَّ الآية لا ظهور لها في انَّ حياته بعد موته كان بسبب تقاطر شيءٍ من ذلك الماء عليه أو انَّ الحياة قد عادت إليه إبتداءً ليكون ذلك علامةً لموسى من عند الله يتعرَّفُ بها على موضع وجود العبد الصالح الخضر.

فصيرورة الحوت حيَّاً بعد أنْ كان ميتاً وأنَّ حياته عادت إليه بعد تقاطر شيءٍ من ماء عين الحياة عليه لا يمكن إثباته بالآية وإنَّما هو واردٌ في الروايات، ولو تمَّت هذه الروايات فلا محذور عقلاً يمنع من عودة الحياة للحوت بعد الموت ولا محذور في أنْ يكون سببُ ذلك هو تقاطر شيءٍ من ذلك الماء عليه.

وقد تحدَّث القرآن الكريم عن عودة الحياة إلى بعض الأموات في الدنيا كقتيل بني إسرائيل الذي جاؤوا به إلى موسى (ع) يسألونه عن قاتله فأمرهم الله تعالى أنْ يذبحوا بقرةً ويضربوه ببعضها، فحين فعلوا ذلك أحياه اللهُ تعالى فأخبر عمَّن قتله: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(10).

وكذلك فإنَّ عيسى (ع) كان يُحي الموتى بإذن الله تعالى، وقد أحيا الله تعالى عزيراً بعد أنْ أماته مائة عام، فإحياء الحوت بعد أنْ كان ميتة ليس مستحيلاً عقلاً، وقد كان له نظائر في تاريخ الرسالات.

نعم الروايات الواردة في تفاصيل القصة متعدَّدة ومضطربة وهو ما يمنع من الوثوق بصدورها عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) خصوصاً وأن أكثرها ضعيفة الأسناد لكنَّ ذلك لا يمنع من الوثوق بصدور بعضها في الجملة، فإنَّ أكثرها اتَّفقت على أنَّ الحوت قد عادت إليها الحياة بعد أنْ كانت ميتة وأنَّ الخضر شرب من ماء الحياة، ولهذا فهو حييٌّ كما ورد ذلك في معتبرة الحسن بن علي بن فضال قال: سمعتُ؟ أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) يقول: إنَّ الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حيٌّ لا يموت حتى يُنفخ في الصور .."(11).

فبقاء الخضر إلى أنْ يُنفخ في الصور ليس مستحيلاً عقلاً ونظيره في القرآن ما أفادته آياتٌ عديدة من أنَّ الله تعالى قد مدَّ في عمر إبليس، فهو موجود قبل أنْ يخلق اللهُ آدم (ع) وقد وعده الله تعالى في أنْ يُنظره إلى يوم الوقت المعلوم ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾(12)، فلا يصحُّ التنكُّر للروايات الواردة في عمر الخضر لمجرَّد الاستيحاش من بقاء إنسانٍ كلَّ هذا العمر المديد.

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنِّ كلَّ ما أفاده القرآن من قصص الأنبياء وأخبار الماضين كانت وقائع تاريخيَّة ولم تكن مجرَّد افتراضات سِيقت لغرض الوعظ والإرشاد، نعم هذه الغاية هي الغرض من سَوْق هذه الحقائق التاريخيَّة، فكلُّ ما أخبر عنه القرآن من تاريخ الأنبياء وأحوال الأمم الغابرة حقٌّ وصدق لا يشوبه ريب، وليس فيما أخبر عنه شيءٌ يُحيله عقلٌ أو يأباه.

وأمَّا الروايات المتصدِّية لبيان قصص الأنبياء وأحوال الماضين والواردة في المجاميع الحديثيَّة وكتب التفاسير فالمقبول منها هو ما يثبت صدورُه عن الرسول الكريم (ص) وأهل بيته (ع)، والتثبُّت من الصدور منوطٌ بعددٍ من الضواط السندية والدلاليَّة والعقلائية، فلا يصحُّ التعويل على كلِّ ما يرد من أخبار الماضين وقصص الأنبياء، فإنَّ الكثير منها -خصوصاً الوارد في طرق العامة وإنْ ذُكر في كتبنا- مبتلٍ بضعف الأسناد والاضطراب والتهافت بل المحرَز أنَّ الكثير من هذه الأخبار كانت من الإسرائيليَّات التي تسرَّبت إلى تراثنا من الوضَّاعين الكذَّابين من أهل الكتاب الذين دخلوا الإسلام مكايدةً وكذلك مَن أخذ عنهم وتأثَّر بأساطيرهم، وقد كان للقصَّاصين والوعَّاظ دورٌ بيِّنٌ في هذا الشأن في القرون الأولى من عصر الإسلام خصوصاً في عهد الدولة الأموية بل وكذلك العباسيَّة حيث كان لمثل هذه الأساطير سُوقٌ رائجة بين عوام الناس.

ولهذا لا يصحُّ التعويل على شيءٍ مما هو مسطور في المجاميع الروائيَّة وغيرها إلا بعد عرضه على الضوابط التي بها يتميَّز بها الحديث الواجد لشرائط الاعتبار والحجيَّة من الحديث الساقط عن الاعتبار، وهذه الضوابط يعرفُها المتمرِّس في علم الأصول وعلم الرجال والدراية.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة النساء / 164.

2- سورة الأعراف / 101.

3- سورة القصص / 11.

4- سورة يوسف / 120.

5- سورة يوسف / 3.

6- سورة الكهف / 13.

7- سورة طه / 99.

8- سورة الكهف / 61-63.

9- سورة الكهف / 64.

10- سورة البقرة / 72-73.

11- كمال الدين وتمام النعمة -الشيخ الصدوق- ص390.

12- سورة الحجر / 36-38.