كيف استظلَّ يونُس بشجرة اليقطين؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

قال تعالى: ﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾(1) يقول المفسِّرون حول هذه الآية بأنّ اللّه أنبت شجرةً من يقطين على نبيِّ اللّه يونس (ع) لكي يستظلَّ بها، لكنَّ شجرةَ اليقطين "القرع" هي من النوع الزاحف على الأرض، وليس لها ساقٌ قائمٌ حتى يتمكن من الاستظلال، فكيف قيل إنَّه استظلَّ بها؟

الجواب:

معنى الآية المباركة هو أنَّ الله تعالى قد أنبت على سبيل الإعجاز شجرةً من يقطين في الموضع الذي جلس عنده يونس (ع) فالتحفَ بأوراقها لتقِيه حرارةَ الشمس، ذلك لأنَّ شجرة اليقطين تمتاز أوراقها بسعةِ عرضِها واستدارته مضافاً إلى كثافتها ونداوتها، لذلك وجد يونس (ع) في الالتحاف بها مُنتجعاً يستريحُ إليه لما اِنتابه من سُقمٍ ورقَّةٍ في الجلد لتسلُّخه من تأثير مكثه زمناً في جوف الحوت، قال تعالى: ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ﴾(2). 

وقد يكون المراد من قوله تعالى: ﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ أنَّه وجد شجرةً من يقطين كانت قائمة قبل خروجه من بطن الحوت فجلس عندها أو اضجع عندها والتحفَ بأوراقها لتقيه من حرارة الشمس.

فالمراد ظاهراً من الاستظلال هو الاحتماء من حرارة الشمس، وليس المقصود من الاستظلال هو الجلوس في ظلِّ شجرة اليقطين لأنَّ من المعلوم بأنَّ شجرة اليقطين ليس لظلِّها امتدادٌ يصلح للاستظلال به نظراً لكونها من الأشجار غير القائمة على سوقِها.

نعم يمكن أنْ يكون الانتفاع من شجرة اليقطين بنحو الاستظلال لو وجدها معروشةً كشجر العنب أو أنَّ يونس كان قد وضع متكئاً تحت أغصان شجرة اليقطين ثم جلس أو اضجع في فيئها، فيكون ذلك مصحِّحاً للتعبير عن جلوسه عند شجرة اليقطين بالاستظلال، ولعلَّ الاعتبار يُؤيِّد ذلك نظراً لمقتضى طبيعة الإنسان أنَّه إذا احتاج إلى شيءٍ فإنَّه يُهيئ ذلك الشيء ليكون صالحاً للانتفاع المناسب له.

وعلى أيِّ تقدير فإنَّ المقدار المُستظهَر من الآية المباركة هو انَّه احتمى عن حرارة الشمس بأوراق شجرة اليقطين، ولم تتصدَ الآية لبيان كيفية الاحتماء، نعم المنسبِق إلى الذهن هو أنَّ كيفيَّة الاحتماء كانت بنحو التدثُّر والالتحاف والافتراش، وذلك حين الالتفات إلى طبيعة شجر اليقطين، ولهذا يتعيَّن ظاهراً حمل الاستظلال الوارد في بعض الروايات(3) على إرادة الاحتماء، ولكن يبقى احتمال إرادة جلوسه في ظلِّ شجرة اليقطين من عنوان الاستظلال -الوارد في بعض الروايات وكلمات المفسِّرين- قائماً لما ذكرناه من أنَّ الشجرة قد تكون معروشة، كما يمكن أن تكون أغصانها متراكبة كهيئة الغار-كما شاهدنا ذلك- فيصدقُ حين يجلس أو يضجع في فجوةِ هذه الأغصان أحدٌ أنَّه مستظلٌّ بأوراقِها.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الصافات / 146.

2- سورة الصافات / 145.

3- روى العياشي في تفسيره عن معمَّر قال: قلتُ لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): كم بقيَ -يونُس- في بطن الحوت؟ قال (عليه السلام): ثلاثة أيام، ثم لفظَه الحوت، وقد ذهب جلدُه وشعرُه فأنبتَ اللهُ عليه شجرةً من يقطين فأظلَّته، فلما قويَ أخذت في اليُبس، فقال: يا رب شجرةٌ أظلتني يبست فأوحى الله إليه: يا يونُس تجزع لشجرةٍ أظلَّتك ولا تجزعُ لمائة ألفٍ أو يزيدون من العذاب" تفسير العياشي ج2 / ص137، وفى رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لبِثَ يونُس في بطن الحوت ثلاثة أيام، ونادى في الظلمات ظلمةِ بطنِ الحوت وظلمةِ الليل وظلمةِ البحر أنْ لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنتُ من الظالمين، فاستجابَ اللهُ له فأخرجَه الحوت إلى الساحل ثم قذفَه، فألقاهُ بالساحل، وأنبت اللهُ عليه شجرةً من يقطين وهو القرع، فكان يمصُّه ويستظلُّ به وبورقِه، وكان تساقطَ شعرُه ورقَّ جلدُه، وكان يونس يُسبِّحُ ويذكرُ الله الليلَ والنهارَ .." تفسير القمي ج1 / ص319.