صومُ شهر رمضان في الأُمم السابقة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد 

المسألة:

ورد في بعض الروايات أنَّ الصوم لم يُفرض على غير المسلمين، ألا تنافي هذه الروايات قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾(1).

الجواب:

شهرُ رمضان لم يُفرض صومُه في الأُمم السابقة:

ليس في الروايات الواردة من طرقِنا ما يظهرُ منه نفي فرض الصوم على الأُمم السابقة وإنَّما الوارد هو أنَّه لم يُفرض صوم شهر رمضان على غير الأُمة الإسلاميَّة، فهي مِزيَّةٌ منحها الله تعالى نبيَّه محمد (ص) وأُمَّته، ففرضَ عليهم صيامَ شهر رمضان دون غيره من الشهور فقال تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾(2)، فلأنَّ شهرَ رمضان هو أفضل الشهور عند الله تعالى لذلك كان فرضُ الصوم فيه على أُمَّة النبيِّ الكريم (ص) فضيلةً لهذه الأُمة على سائر الأُمم.

فمِن هذه الروايات التي يظهر منها أنَّ شهر رمضان لم يُفرض صومُه على غير أُمة الإسلام ما رواه الصدوق في الفقيه بسنده عن حفص بن غياث النُخعي قال: سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: "إنَّ شهر رمضان لم يُفرض صيامُه على أحدٍ من الأُمم قبلنا، فقلتُ له: فقولُ الله عزَّ وجل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾؟ قال (ع): إنَّما فرض اللهُ صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم، ففضَّل اللهُ به هذه الأُمة وجعل صيامه فرضاً على رسول الله (ص) وعلى أُمَّتِه"(3).

ومنها: ما رواه الكلينيُّ في الكافي بسنده عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسولُ الله (ص) لمَّا حضر شهرُ رمضان: "أيُّها الناسُ هذا الشهر قد خصَّكم اللهُ به وحضركم وهو سيِّدُ الشهور .."(4).

ومنها: ما ورد في الصحيفة السجَّادية في دعاءٍ للإمام زين العابدين (ع) في وداع شهر رمضان قال: "ثم آثرتنا به على سائر الأُمم واصطفيتنا بفضلِه دون أهل المِلل فصُمنا بأمرِك نهارَه وقمنا بعونِك ليلَه"(5).

عدم منافاة ذلك للقرآن الكريم:

فهذه الروايات لا تنافي مفاد الآية المباركة، إذ أنَّ مفاد الآية المباركة هو أنَّ الصوم كان مفروضاً على أُممٍ سابقة، أما أنَّه كان مفروضاً في شهر رمضان أو غيره فذلك ما لم تتصد الآيةُ المباركة لبيانه، وتشبيه فرض الصوم على الأُمة الإسلاميَّة بفرضِه على الأُمم السابقة لا يقتضي المماثلة في تمام الخصوصيات، إذ يكفي في تصحيح التشبيه التماثل بين المشبَّه والمشبَّه به في بعض الوجوه، فإذا كان الصوم مفروضاً على بعضَ الأُمم ثم فُرض على أُمَّة النبيِّ محمد (ص) فذلك وحده كافٍ للقول أنَّه كُتب الصيام على المسلمين كما كُتب على الذين من قبلهم، فلا منافاة بين مفاد الآية الكريمة وبين ما ورد عن النبيِّ (ص) وأهل بيته (ﻉ) من أنَّ الصوم لم يكن مفروضاً على الأمم السالفة في شهر رمضان وإنَّ فرضه في شهر رمضان هو من خصائص الأُمة الإسلامية.

نعم ورد في بعض كتب تفسير العامة(6) أنَّ صوم شهر رمضان كان مفروضاً على النصارى وكُتب عليهم أنْ لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم، ولا ينكحوا النساء في شهر رمضان فاشتدَّ على النصارى صيامُ رمضان وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف، فلمَّا رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياماً في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا نزيد عشرين يوماً نكفِّر بها ما صنعنا، فجعلوا صيامهم خمسين.

وادَّعى آخرون أنَّ الصوم في شهر رمضان كان مفروضاً على عموم أهل الكتاب من اليهود والنصارى(7)، وروى بعضُهم أنَّ صوم شهر رمضان كان مفروضاً على كلِّ الأُمم(8).

فلو ثبتت هذه الدعاوى لكانت منافية لما ورد من طرقنا عن الرسول (ص) وأهل بيته (ﻉ) إلا أنَّ منافاتها لِما ورد من طرقنا لا يكونُ ضائراً بعد ثبوت أنَّ كلَّ دعوى منافية لما ورد من طرقِنا عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) تكون ساقطة عن الاعتبار.

وكيف كان فإنَّ هذه الدعاوى ساقطة عن الاعتبار حتى عند المحقِّقين من علماء العامَّة(9).

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة البقرة / 183.

2- سورة البقرة / 185.

3- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص100، وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج10 / ص240 باب1 من أبواب أحكام شهر رمضان ج3.

4- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص67، وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج10 / ص309 باب 18 من أبواب أحكام شهر رمضان ج13.

5- الصحيفة السجادية الكاملة -الإمام زين العابدين (ع)- ص277، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج95 / ص174 أحكام شهر رمضان ج13.

6- جامع البيان -إبن جرير الطبري- ج2 / ص174، تفسير السمعاني -السمعاني- ج1 / ص178، تفسير البغوي- البغوي- ج1 / ص148، الدر المنثور -جلال الدين السيوطي- ج1 / ص176.

7- جامع البيان -إبن جرير الطبري- ج2 / ص174، أحكام القرآن -الجصاص- قال: "روي عن مجاهد وقتادة" ج1 / ص212، تفسير القرطبي -القرطبي- قال: قال الشعبي: "التشبيه يرجع إلى وقت الصوم وقدر الصوم فإن الله كتب على قوم موسى وقوم عيسى صوم رمضان فغيروا .." ج2 / ص274.

8- تفسير ابن أبي حاتم -ابن أبي حاتم الرازي- ج1 / ص303، تفسير القرطبي -القرطبي- قال: قال مجاهد: "كتب الله صوم شهر رمضان على كل امة" ج2 ص274.

9- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج3 / ص139، عمدة القاري -العيني- ج18 / ص102، أحكام القرآن -ابن العربي- ج1 / ص106.