الأسماءُ الحُسنى
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
ما معنى قولِه تعالى: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾(1) وهل أنَّ اسماءَ اللهِ الحُسنى توقِيفيَّة؟ وإذا كانت توقِيفيَّة فهل هي منحصرة في الأسماء التسعة والتسعين المذكورة في بعض الروايات؟
الجواب:
معنى الأسماء الحُسنى:
الاسم لغةً هو ما دلَّ من لفظٍ على شيء، وهو تارةً يُعبِّر عن وصفِ ذات المسمى كاسم الرحمن فهو يُعبِّر عن ذات الله جلَّ وعلا بلحاظ اتِّصافها بالرحمة، وهكذا القادر فإنَّه يُعبِّر عن ذاتٍ لها القدرة، وتارةً يكون للاسم دورُ الإشارة إلى الذات دون أنْ يُلاحظ عند الإطلاق اتِّصاف الذات بالمدلول اللُّغوي للاسم لو كان للاسم مدلولٌ لغويٌّ، ويُعبَّر عن هذا القسم من الأسماء بالأسماء المرتجَلة، وغالبًا ما يكونُ ذلك في الأعلام الشخصيَّة وفي أسماء الأجناس.
وأمَّا لفظ الحُسنى فهو تأنيث الأحسن، يُقال الاسم الأحسن والأسماء الحُسنى، وهي مشتقة من الحُسْن والذي هو الجمال أو هو كما أفاد الراغب الأصفهاني(2) كلُّ مُبهِج مرغوبٍ فيه إمَّا من جهةِ العقل أو من جهةِ الهوى أو من جهة الحسِّ. وبهذا يتَّضح أنَّ المراد اللُّغويَّ من الأسماء الحُسنى هي الألفاظ المعبِّرة عن الذات بلحاظ اتِّصافها بمداليل تلك الألفاظ، وليس هي الألفاظ المُشيرة إلى الذات بقطع النظر عن مداليل تلك الألفاظ من حيثُ اتِّصاف الذات بها أو عدم اتِّصافها بها.
والمقتضي لتعيُّن هذا القسم من الأسماء هو وصفُ هذه الأسماء بالحُسنى، إذ أنَّ الألفاظ عادةً لا تُوصف بالحُسن وإنَّما توصفُ بذلك بلحاظ مدلولِها. على أنَّ الضرورة قاضيةٌ بأنَّ اسماءه تعالى لم تُوضع لغرض الإشارة الى ذاتِه بقطع النظر عن مداليها وإنَّما وُضعت لغرض التعريف بواجديَّة الذات المقدَّسة لمداليل هذه الأسماء. ثم إنَّ توصيف الأسماء بالحسنى يعني أنَّها الأحسن إذا نُسبت إلى غيرِها.
هذا من جهة المدلول اللُّغويِّ، أمَّا إذا نسبنا الأسماء لله تعالى فقلنا أسماء اللهِ الحُسنى فهذا معناه أنَّها الأحسن على الإطلاق، فالاسمُ المعبِّر عن كمالٍ إذا نُسب لله تعالى فهو يعني تمام ذلك الكمال دون شائبة نقصٍ. قال تعالى: ﴿فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا﴾(3) وقال تعالى: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً﴾(4) فالعزَّة بأعلى مراتبِها لله تعالى وهكذا القوَّة.
وما ذكرناه من أنَّ كلَّ اسمٍ مُعبِّرٍ عن كمالٍ فإنَّ أحسنَه لله فمقصودنا من ذلك هو الأسماء المعبِّرة عن كمالاتٍ تليقُ بساحةِ قُدسه جلَّ وعلا، وأمَّا الأسماء المُعبِّرة عن كمالاتٍ لا تليقُ بشأنه فلا يصحُّ أنْ يُوصف الله تعالى بأحسنِها، فالشجاعةُ وإنْ كانت من الأسماءِ الحسنة إلا أنَّها لمَّا كانت مُستلزمةً لما لا يليق بشأنِه تعالى وهي جسمانيَّة المتَّصِف بها لذلك لا يصحُّ أنْ تُوصفَ ذاتُ الله تعالى بها.
وهنا لا بدَّ من الاشارة الى أمرٍ وهو:
أنَّ أسماء الله الحسنى ألفاظٌ حادثة بيد أنَّها مُعبِّرة عن الكمالات المُطلقة للذات المقدَّسة، ولهذا ورد في الروايات التحذير من عبادة الأسماء(5)، وذلك لأنَّها غيرُ المسمَّى وإنَّها مجرَّد حروفٍ حادثةٍ ومخلوقة، فمَن عبدها دون المسمَّى فقد كفر، ومن عبدها هي والمسمى فقد أشرك(6) وإنَّ الذي ينبغي عبادته هو الذات المستجمعة للمعاني والصفات المدلولة لهذه الأسماء، وإنَّما جُعلت هذه الأسماء لله تعالى باعتبار أنَّ ذلك أحد الوسائل التي يُتوسَّل بها للتعرُّف على الذات المقدَّسة وأنَّها واجدة لكلِّ هذه الكمالات المدلولة لهذه الأسماء. ولهذا نجد أنَّ هذه الأسماء بعضها يدلُّ على صفات الجلال والتي هي الصفات المقتضية لتـنـزيه الذات المقدَّسة عن النقص، وبعضها يدلُّ على واجداية الذات لصفات الجمال والكمال.
عدم انحصار عدد الأسماء الحُسنى:
فقد ورد في مجموعة من الروايات أنَّ لله تعالى تسعاً وتسعين اسماً، إلا أنَّ أكثر هذه الروايات وردت من طُرق العامَّة(7)، وقد وردت من طُرق أهل البيت (ﻉ) أيضاً إلا أنَّها لا تتجاوز ظاهرًا الطريقين أو الثلاثة(8). وقد فهم البعضُ منها انحصار أسماء اللهِ الحسنى في الأسماء الواردة في هذه الروايات إلا أنَّ ملاحظة هذه الروايات يُعطي خلاف هذا الاستظهار، فقد سِيقت أكثر هذه الروايات بهذا البيان، وهو (أنَّ لله تبارك وتعالى تسعاً وتسعين اسمًا مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنَّة)(9). وهذا اللسان ليس فيه دلالة على الحصر كما هو واضح، وعليه فلا يبعدُ أنْ تكون هذه الروايات قد سِيقت لغرض بيان ما يترتَّب على إحصاء هذه الأسماء بالخصوص من دخول الجنَّة أو استجابة الدعاء، وهي في ذات الوقت مُعبِّرة عن مزيَّةٍ خاصَّة لهذه الأسماء المذكورة.
والذي يُؤكِّد هذه الدعوى مجموعة من القرائن:
القرينة الأولى: أنَّ العدد المذكور أقلُّ بكثير من عدد الأسماء الحسنى المذكورة في القرآن فقد أنهاها العلامةُ الطباطبائي في الميزان إلى مائةٍ وبضعٍ وعشرين أسماً(10).
القرينة الثانية: أنَّ هناك بعض الروايات دلَّت على أنَّ عدد الأسماء الحسنى أكثر من هذا العدد المذكور، فقد ورد في الكافي عن أبي عبد الله (ع) أنَّ لله ثلاثة مائة وستين أسماً(11).
القرينة الثالثة: انَّ ملاحظة الأسماء الواردة في الروايات والأدعية أكثر من العدد المذكور. كما أفاد ذلك العلامة الطباطبائي(12). وإذا أضفنا إلى ما ذكرناه اختلاف الروايات فيما هي الأسماء التسعة والتسعون، حيثُ إنَّ بعض الروايات اشتملت على غير ما اشتملت عليه الرواياتُ الأخرى من أسماء، إذا أضفنا ذلك إلى ما ذكرناه من قرائن فإنَّ ضَعف الفهم المذكور يتأكَّد، وتُصبحُ نتيجة ما ذكرناه هي عدم انحصار الأسماء الحُسنى في التسعة والتسعين المذكورة في روايات الإحصاء. وكذلك يتأكَّد صحَّةُ الفهم الذي ذكرناه وهو أنَّ روايات الإحصاء مسوقةٌ لبيان ما يترتَّب على هذه الأسماء من استجابةِ الدعاء ودخول الجنَّة.
توقيفيَّة الأسماء الحُسنى:
وأمَّا أنَّ الأسماء الحُسنى توقيفيَّة أولا ؟ بمعنى أنَّه هل يصحُّ أنْ ننسب لله تعالى أسماءً تليقُ بشأنه رغم أنَّها لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنَّة الشريفة أو أنَّ ذلك لا يصحُّ وأنَّ الجائز نسبتُه إلى الله تعالى هو خصوص الأسماء الواردة في الكتاب المجيد والسنَّة الشريفة؟
نُسب القول بتوقيفيَّة الأسماء إلى جمهور أهل السنَّة(13)، وفي مقابل ذلك ذهب مشهورُ المعتزلة(14) إلى صحَّة إطلاق أيِّ اسم على الله تعالى إذا كان يُعبِّر عن صفةٍ تليقُ بشأنه جلَّ وعلا.
واستُدلَّ للقول بالتوقيفيَّة بقوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾(15). ووجهُ الاستدلال بهذه الآية الشريفة هو استظهار العهديَّة من اللام الداخلة على الأسماء، وحينئذٍ يكون دعاء الله بغيرها من الإلحاد في أسمائِه تعالى والذي هو منهىٌّ عنه في الآية الشريفة كما يظهرُ ذلك من قولِه تعالى: ﴿وَذَرُواْ﴾.
إلا أنَّ الظاهر خلاف ذلك، فإنَّ اللام الداخلة على الأسماء ظاهرة في الاستغراق والشمول، فهي مبتدأٌ لخبرٍ مقدَّم اعني الجار والمجرور أو قل هو المتعلَّق الكامن في الجار والمجرور والتقدير الاسماءُ الحسنى كائنةٌ أو ثابتة لله، ومن هنا كان مفاد الآية هو الحصر وأنَّ أحسن الأسماء لله وحده دون غيره، فليس غيره جديراً بها، فإنَّ اتِّصاف غيره ببعضها لا يكون إلا بمعنى اشتماله على مرتبةٍ من مدلولها، أمَّا اتِّصاف الله عزَّ وجلَّ بمدلول هذه الأسماء فهو بمعنى واجديَّتِه لأعلى مرتبةٍ من مدلولِها، فعندما نصفُ اللهَ عزَّ وجل بالقادر فهذا معناه أنَّه واجدٌ لكمال القدرة، وهكذا عندما نصفُه بالعزيز، فإنَّ معنى ذلك أنَّ العزَّة له جميعاً وأنَّه واجدٌ للعزة المُطلقة التي لا يشوبُها أدنى نقص، ومن هنا صحَّ حصرُ جميع الأسماء الحُسنى بالله جلَّ وعلا.
معنى الإلحاد في أسمائه:
وأمَّا الإلحاد في أسمائه فلا يتعيَّن معناه فيما ذكروه، ولذلك استظهر العلامة الطبرسي من معنى الإلحاد تبعاً لابن عباس- أنَّه عبارة عن العدول بأسمائه عما هي عليه(16)، فقد كان العرب في زمن الجاهلية يُسمُّون أصنامهم بأسماء الله إلا أنَّهم يغيرونها بالزيادة أو النقصان، فاشتقُّوا اسم اللَّاتِ من اسم الله تعالى، واشتقُّوا اسم العُزَّى من العزيز، واشتقُّوا اسم منات من المنَّان، ويُحتمل أن يكون المرادُ من الإلحاد كما أفاد الطبرسي(17) هو العدول عن أسمائه الحُسنى اللائقة بشأنِه إلى أسماءٍ لا تليقُ بساحة قُدسه جلَّ وعلا. وبذلك يتَّضح عدم ظهور الآية في توقيفيَّة الأسماء إلا أنَّه مع ذلك يمكن البناء على توقيفيَّة الاسماء.
معنىً آخر لتوقيفيَّة الأسماء الحسنى:
ولكن بمعنىً آخر غير الذي ذهب إليه جمهورُ أهل السنَّة، وهو أنَّه لا يصح أنْ ننسب لله تعالى أسماً ليس مدلولاً لأحد الأسماء المنصوصة، فهو وإنْ كان يصحُّ أنْ ننسبَ إلى الله تعالى أسماءً غير منصوصة إذا كانت تليقُ بشأنه ولكن بشرط أنْ تكونَ مرادفة أو مُستفادة من الأسماء المنصوصة، إذ من غيرِ الجائز أن نتبرَّع من عند أنفسنا أسماءً ثم ننسبُها إلى الله تعالى والحال أنَّنا نحتمل أنْ لا تكون هذه النسبة مرضيَّة لله جلَّ وعلا إذ أنَّ المصحِّح للنسبة ليس هو لياقة الاسم من حيثُ المدلول لشانِه تعالى وحسب، فقد تكون هناك اعتبارات أخرى دخيلة في صحَّة النسبة، فإذا كنَّا نجهل هذه الاعتبارات فمن القبيح عقلاً أنْ ننسبَ إلى الله تعالى أسماءً نحتملُ أنَّها غير مرضيَّة له تعالى أو أنها محلُّ سخطِه خصوصاً وأنَّ ذكر هذه الأسماء يكون لغرض المدح والثناء على الله تعالى أو لغرض دعائِه بها، فمِن غير الحكمة أي نتقرَّب إلى الله عزَّ وجل بوسائلَ نحتملُ أنَّها محلُّ سخطه أو ليست محلَّاً لرضاه.
والحمد لله رب العالمين
من كتاب: شؤون قرآنية
الشيخ محمد صنقور
1- سورة الأعراف / 180.
2- مفردات غريب القرآن -الراغب الأصفهانى- ص118.
3- سورة النساء / 139.
4- سورة البقرة / 165.
5- لاحظ كتاب الكافي -الشيخ الكليني- ج1 / ص87 / باب المعبود.
6- الكافي -الشيخ الكليني- ج1 / ص87، التوحيد- الشيخ الصدوق- ص220.
7- لاحظ مسند أحمد بن حنبل ج2 / ص267، صحيح البخاري -البخاري- ج8 / ص169، سنن ابن ماجة -محمد بن يزيد القزويني- ج2 / ص1269، سنن الترمذي -الترمذي- ج5 / ص191، المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج1 / ص16.
8- التوحيد -الشيخ الصدوق- ص194، بحار الأنوار -العلامة المجلسي-ج4 / ص186 / باب3 عدد اسماء الله وفضل احصائها وشرحها.
9- التوحيد -الشيخ الصدوق- ص194، الخصال -الشيخ الصدوق- ص593.
10- تفسير الميزان -العلامة السيد الطباطبائي- ج8 / ص356.
11- الكافي -الشيخ الكليني- ج1 / ص122، التوحيد -الشيخ الصدوق- ص191.
12- تفسير الميزان -العلامة السيد الطباطبائي- ج8 / ص363.
13- المجموع -محيى الدين النووي- ج18 / ص25، فتح الباري -ابن حجر- ج11 / ص189.
14- المجموع -محيى الدين النووي- ج18 / ص25، فتح الباري -ابن حجر- ج11 / ص189.
15- سورة الأعراف / 180.
16- تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج4 / ص397.
17- تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج4 / ص397.