لأُدخلنَّ الجنَّة مَن أطاع عليَّاً

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

سند وصحة الحديث القدسي القائل: "لأُدخلنَّ الجنَّة مَن أطاع عليَّاً وإنْ عصاني، ولأُدخلنَّ النَّار من عصاه وإنْ أطاعني"(1)؟

 

الجواب:

أمَّا من حيثُ السند فهو مُرسل، فقد رواه الحافظُ البرسي وقال: رواه صاحبُ الكشَّاف يعني الزمحشري ظاهراً ولم يذكر سند صاحب الكشَّاف للحديث، فالحديثُ لذلك ضعيفُ السند.

 

وأمَّا من حيثُ المضمون فالظاهرُ أنَّ المراد من قوله: "لأُدخلنَّ الجنَّة مَن أطاع عليَّاً وإنْ عصاني" هو أنَّ الإيمان بإمامة عليٍّ (ع) وفرض طاعتِه على العباد مِن مُوجبات غفران الذنوب، فمَن أطاع عليَّاً (ع) امتثالاً لأمرِ الله تعالى بطاعتِه فإنَّ الله جلَّ وعلا يُكرمُه بالجنَّة حتى وإنْ كان قد ارتكبَ بعضَ المعاصي.

 

فمفاد الفقرة المذكورة هو مفاد ما جاء في الروايات أنَّ من حجَّ بيت الله الحرام أو مَن التزم بالفرائض أدخلَه الله تعالى الجنَّة وإنْ كان مبتلىً بارتكاب بعض الذنوب. فحجُّ البيتِ الحرام وأداءُ الفرائض من مكفِّرات الذنوب، وكذلك الولايةُ لعليٍّ (ع) من مكفِّرات الذنوب.

 

فليس المراد من الفقرة الأولى من الحديث المذكور أنَّ طاعة عليٍّ (ع) موجبةٌ لدخول الجنَّة مطلقاً حتى لو كان المطيعُ لعليٍّ (ع) كافراً باللهِ تعالى أو تاركاً لعموم فرائضِه ومتجاوزاً لعموم زواجرِه، فإنَّ ذلك غير مرادٍ قطعاً، فإنَّ أحداً لا يصدقُ عليه أنَّه مطيعٌ لعليٍّ (ع) وهو كافر باللهِ تعالى، إذ انَّ أول ما يأمرُ به عليٌّ (ع) هو الإيمانُ بالله وتوحيدُه، فكلُّ مَن لا يكون كذلك فهو غير مطيعٍ لعليٍّ (ع)، وإنَّ أحداً لا يصدقُ عليه أنَّه مطيعٌ لعليٍّ (ع) وهو متجاوزٌ لحرمات الله تعالى أو تاركٌ لفرائضِه، فإنَّ عليَّاً (ع) عبدُ الله والهادي إلى سبيلِه ولا يكونُ أحدٌ مطيعاً له وهو يسلكُ غير السبيل الذي يدعو إليه، فما يأمرُ به عليٌّ (ع) هو طاعةُ الله في أوامرِه وزواجرِه، فإذا لم يلتزم المكلَّف بأوامرِ الله تعالى وزواجرِه فهو غيرُ مطيعٍ لعليٍّ (ع) لذلك ورد: "انَّ طاعةَ عليٍّ طاعةٌ لله تعالى"، لأنَّ عليَّا (ع) لا يأمرُ مطلقاً إلا بما أمرَ به اللهُ تعالى ولا ينهى مطلقاً إلا عمَّا نهى عنه اللهُ جلَّ وعلا.

 

وعليه فمعنى من أطاع عليَّاً هو انَّه مَن أطاع الله تعالى، إذ انَّ طاعة عليٍّ (ع) واقعةٌ في طولِ طاعةِ الله تعالى، غايتُه أنَّ الحديث أراد بيان الطريق المعصوم إلى معرفة أوامرِ الله تعالى وذلك في مقابل طُرقٍ أخرى تفتقدُ لوصف الضمان والكمال، وهذا هو معنى الإيمان بإمامة عليٍّ (ع) وأنَّه طريقُ الله إلى معرفةِ أحكامه وشرائعِه. وحينئذٍ يكون من البديهي أنَّ اعتبارَ طاعةِ عليٍّ (ع) طاعة لله تعالى وموجبة لدخول الجنَّة، وحيث إنَّ الله تعالى قد وعد عباده أنْ يتجاوزَ عن معاصيهم إذا كانوا قد أطاعوه في أغلب ما فرضَ عليهم لذلك يصحُّ القول بأنَّ من أطاع عليَّاً (ع) أدخلَه اللهُ تعالى الجنَّة وإن كان قد عصى ربَّه في بعض ما أَمرَ ونهى.

 

وبما ذكرناه يتَّضح المراد من الفقرة الثانية وهي قوله: "ولأُدخلنَّ النار مَن عصاه وإنْ أطاعني" فإنَّ معصيةَ عليٍّ (ع) تساوقُ معصيةَ الله تعالى، لأنَّ عليَّاً (ع) لا يأمرُ ولا ينهى إلا عمَّا يأمرُ الله تعالى به وينهى عنه، لذلك يكون العاصي لعليٍّ (ع) مستحقَّاً للنَّار وإنْ صدرت منه بعضُ الطاعات لله تعالى.

 

أو يقال إنَّ طاعة الله تعالى فيما فرض مع عدم الإيمان بإمامة عليٍّ (ع) وافتراض طاعتِه على العباد يُصيِّر الطاعةَ لله في بعض الفرائض بمنزلةِ العدم، لأنَّ الله قد جعل طاعةَ عليٍّ (ع) والإيمان بولايتِه شرطاً في قبول الطاعات الأُخرى كما أنَّ الصلاة شرطٌ في قبولِ ما سواها من الفرائض.

 

فمعنى: "لأدخلنَّ النار مَن عصاه وإن أطاعني" هو أنَّ من جَحد إمامةَ عليٍّ التي افترضتُها على العباد أدخلتُه النار وإنْ كان مُلتزماً بامتثال الفرائض الأُخرى لأنَّ ذلك بمنزلة الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر وقد قال الله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾(2).

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- مشارق أنوار اليقين -الحافظ رجب البرسي- ص97، الجواهر السنية -الحر العاملي- ص304.

2- سورة البقرة / 85.