التسامحُ في السُنن لا يستلزمُ التشريع

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

قاعدةُ التسامح في أدلَّة السُنن تسمح بأنْ يُؤتى بأيِّ عملٍ احتُمل إستحبابه وإن كان لم يثبت بدليلٍ معتبرٍ، ألا تقتضي هذه القاعدة دخولَ ما ليس مِن الدين في الدين؟

الجواب:

أولاً: قاعدةُ التسامح في أدلَّة السُنن لا تقتضي إدخال شيءٍ ليس من الدِّين في الدين لأنَّ التسامحَ في المسنونات إذا كان قد ثبتَ بدليلٍ معتبرٍ شرعاً فهو بنفسِه من الدين.

ثانياً: إنَّ موضوع قاعدة التسامح في السُنن -بناءً على ثبوتها- ليس هو كلّ شيءٍ توهَّم المكلَّفُ استحبابَه أو ادَّعى أحد استحبابه بل يختصُّ ذلك بالأعمال التي ورد في الروايات أنَّ الإتيان بها موجبٌ للثواب وكانت هذه الروايات ضعيفة من حيثُ السند، فإنَّ الإتيان بهذه الأعمال رجاءً لتحصيل الثواب -الوارد في الروايات الوعد به- موجبٌ للحصول على ذلك الثواب الموعود به.

فالقاعدةُ تختصُّ بالأعمال التي نصَّت الرواياتُ الضعيفة على أنَّ في الإتيان بها ثواباً، ولا تعمُّ مطلقَ ما يتوهَّمُ أو يظنُّ المكلَّف استحبابَه.

وثالثاً: إنَّ الذي استقرَّ عليه المحقِّقون من الفقهاء هو أنَّ روايات "مَن بلغ" والتي هي مستندُ القاعدة لا تُثبت استحباب الأعمال التي ورد عليها الثواب في الروايات الضعيفة، وأقصى ما تقتضيه هذه الروايات هو حسن الإتيان بالأعمال برجاء تحصيل الثواب الموعود، فليس للفقيه أنْ يُفتي باستحباب الأعمال التي ورد عليها ثوابٌ في الروايات الضعيفة كما أنَّه ليس للمكلَّف أنْ يقصد الاستحباب عند الإتيان بهذه الأعمال وإنَّما يقصدُ عند الإتيان بها الرجاءَ للمطلوبيَّة والثواب، فلا يكونُ فعلُه عندئذٍ بدعةً وإدخالاً لِما ليس من الدين في الدين، لأنَّ البدعةَ هي الإتيان بالفعل بإعتقاد أنَّه من الدين وهو ليس من الدين أو لا يُحرَز أنَّه من الدين، وأمَّا الإتيان بالفعل برجاء أنْ يكون مطلوباً استناداً إلى رواياتٍ وعدتْ عليه بالثواب فإنَّه لا يكونُ من البدعة والتشريع في شيءٍ فهو قد جاء بفعلٍ مباح في نفسِه وقصدَ منه الرجاءَ لتحصيلِ الثواب، فهو لم يعتقد ولم ينسب للشريعة الحكمَ باستحبابه حتى يكون ذلك من البدعةِ والتشريع.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور