مشروعيَّة الشهادةِ بالولايةِ في الأذان (2)

الشهادةُ بالولايةِ كلامٌ ليس من جنس الأذان:

وأمَّا الاحتمال الثالث: وهو أنَّ المانع من شرعيَّة الشهادة بالولاية في الأذان هو أنَّه كلامٌ من غير جنس فصولِ وأجزاءِ الأذان، وهذا الاحتمالُ ساقط جدًا، وذلك لأنَّه لم يختلف أحدٌ من المسلمين في جواز الكلام أثناء الأذان وإنْ ذهب بعضُهم إلى كراهته.

 

ولكي يتوثَّقَ السائلُ الكريمُ من ذلك ننقلُ له بعضَ الأقوال الصادرة عن علماء السُنَّة وإنْ كنَّا قد أشرنا إلى بعضها فيما تقدَّم:

 

1- قال ابنُ قدامة في كتابه المُغني: "ولا يستحبُّ أنْ يُتكلَّم في أثناء الأذان وكرهَه طائفةٌ مِن أهل العلم، قال الأوزاعي: لم نعلم أحدًا يُقتدى به فعل ذلك ورخَّص فيه الحسنُ وعطاءٌ وقتادة وسليمان بن صُرد، فإنْ تكلم بكلام يسير جاز وإنْ طال الكلام بطل الأذان، لأنّه يقطع الموالاة المشروطة في الأذان فلا يُعلم أنه أذان، وكذلك لو سكت سكوتًا طويلاً أو نام طويلاً أو أُغمي عليه أو أصابَه جنون يقطعُ الموالاة بطل أذانُه، وإنْ كان كلامًا مُحرَّمًا كالسبِّ ونحوه فقال بعضُ أصحابِنا فيه وجهان:

 

أحدهما: لا يقطعه لأنَّه لا يُخلُّ بالمقصود فأشبَه المباح.

والثاني: يقطعُه لأنه محرَّم فيه.

 

وأمّا الإقامة فلا ينبغي أن يُتكلَّم فيها، لأنّها يستحبُّ حدرُها..."(1).

 

أقول: يظهرُ من كلام ابن قدامة أنَّه لم يختلف أحدٌ في جواز الكلام أثناء الأذان، نعم اختلفوا في الكلام المحرَّم فرأى بعضُهم أنَّه غيرُ مبطل، ورأى البعضُ الآخر أنَّه يقطعُ الأذان ويُبطله.

 

2- قال صاحبُ كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: "يُكرَه الكلام اليسير بغير ما يُطلب شرعاً، وأمَّا ما يُطلب شرعاً كردِّ السلام وتشميت العاطس ففيه خلافٌ بين المذاهب.

 

ثمَّ أفاد أنَّ الحنفية ذهبوا إلى الكراهة وذهب الشافعيَّة إلى عدم الكراهة إذا كان الكلام مطلوبًا شرعًا كردِّ السلام وتشميت العاطس، نعم هو خلاف الأولى، وذهب الحنابلة انَّه مباحٌ وأمَّا المالكيَّة فقالوا بكراهتِه أثناء الأذان ويجب على المؤذّن أن يردَّ السلام ويشمِّت العاطس بعد الفراغ منه".

ثمَّ قال صاحبُ كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: "وإنما يُكره الكلام حال الأذان ما لم يكن لإنقاذ أعمى أو غيره وإلا وجب، فإنْ كان يسيرًا بنى على ما مضى مِن أذانٍ وإنْ كان كثيرًا استأنف"(2).

 

وبذلك يتبيَّن أنَّ الكلام بغير جنس الأذان في أثنائه ليس مانعًا مِن صحَّته إلاَّ أنْ يكون طويلاً يقتضي محو صورة الأذان بحيثُ لا يُعلم أنَّه أذان على حدِّ تعبير ابنِ قدامة في المُغني، والمُفترض أنَّ الشهادة بالولايةِ من الكلام اليسير الغيرِ الماحي لصورة الأذان بقرينة أنَّه لا يستوجب انتفاء العلم بأنَّه أذان.

 

وبمجموع ما ذكرناه ننتهي إلى هذه النتيجة وهي أنَّه لا يوجد ما يمنع من التلفُّظ بالشهادة لعليٍّ بالولاية أثناء الأذان، وذلك وحده كافٍ في الحكم بمشروعيَّة الإعلان عن الشهادة بالولاية في الأذان، ومَن قال بحرمة ذلك أو مبطليَّته للأذان فعليه أن يسوقَ لنا دليلَه. وينزِّه نفسَه عن التهريج والتشنيع بغير وجهِ حقٍّ فإنَّ ذلك شأنُ مَن لاحظَّ له مِن الفِقه.

 

رواياتُ الشيعة في رجحان الشهادةِ بالولاية:

المحور الثاني: نستعرضُ فيه مجموعة من الروايات الواردة من طرق الشيعة والدالَّة على رجحان الشهادة لعليٍّ (ع) بالولاية وهي تفوقُ حدَّ التواتر، ومعنى ذلك أنْ لا تكون ثمة حاجة للتحقيق في إسناد كلِّ واحدةٍ منها، على أنَّ مقدارًا مُعتدَّاً به منها معتبرٌ سندًا.

 

1- ما رواه الشيخ الصدوق في الآمالي بسند متصل إلى سنان بن طريف عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال: "إنَّا أوَّل أهل بيت نوَّه الله بأسمائنا، إنَّه لمَّا خلَقَ اللهُ السماوات والأرض أمر منادياً فنادى أشهدُ أنْ لا إله إلا الله ثلاثًا، أشهدُ أنَّ محمّدًا رسول الله ثلاثًا، أشهد أنَّ علياً أميرُ المؤمنين حقَّاً ثلاثًا"(3).

 

2- ما رواه الشيخ الصدوق في إكمال الدين بسندٍ متَّصل إلى ابن أبي حمزة الثمالي عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (ع) قال: قال رسولُ الله (ص) حدَّثني جبرائيل عن ربِّ العزَّةِ جلَّ جلالُه أنَّه قال: "مَن علِمَ أنْ لا إله إلاَّ أنا وحدي، وأنَّ محمَّدًا عبدي ورسولي، وأنَّ عليَّ بن أبي طالب خليفتي، وأنَّ الأئمة من ولده حُجَجي أدخلتُه الجنَّة برحتمي ونجَّيتُه من النار بعفوي، ومَن لم يشهد أنْ لا إله إلاَّ أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أنَّ محمَّدًا عبدي ورسولي أو شـهد بذلك ولم يشهد أنَّ الأئمة مِن ولده حُججي فقد جحَدَ نعمتي وصغَّر عظمتي..."(4).

 

3- ما رواه الشيخُ القمِّي في تفسيره بسندِه إلى الهيثم بن عبد الله الرمَّاني عن عليِّ بن موسى الرضا عن جدِّه عن أبيه محمد بن علي بن الحسين (ع) في قوله تعالى: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾(5) قال: "هو لا إله إلاَّ الله، محمَّدٌ رسولُ الله، عليٌّ أميرُ المؤمنين وليُّ الله، إلى ها هنا التوحيد"(6).

 

4- ما رواه الشيخُ الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن إبراهيم بن إسحاق الصولي عن عليِّ بن موسى الرضا في حديثٍ عن أبيه عن آبائه (ع) عن عليٍّ (ع) قال: قال رسولُ الله (ص): "أوَّلُ ما يُسأل العبدُ بعد موتِه: شهادةُ أنْ لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله وأنَّك وليُّ المؤمنين بما جعلَه اللهُ وجعلتُه لك، فمَن أقرَّ بذلك وكان يعتقدُه صار إلى النعيمِ الذي لا زوالَ له .."(7).

 

5- ما رواه الشيخُ الكلينيُّ في روضة الكافي عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله (ص) مَن قال: "لا إله إلاَّ الله" تفتَّحت له أبوابُ السماء، ومَن تلاها بـ "محمّدٍ رسول الله" تهلَّل وجهُ الحقِّ سبحانه واستبشر بذلك، ومن تلاها بـ "عليٍّ وليُّ الله" غفر اللهُ له ذنوبَه ولو كانت بعددِ قَطْر السماء"(8).

 

6- روى الشيخُ الصدوق في ثوابِ الأعمال بسنده إلى المفضَّل بن عمر قال: قال الصادقُ (ع): "إنَّ الله تعالى ضمِن للمؤمن ضماناً، قال: قلتُ: و ما هو؟ قال: ضمِنَ له إنْ هو أقرَّ له بالربوبيَّة ولمحمّدٍ بالنبوَّة ولعليٍّ بالإمامة وأدَّى ما افتُرض عليه أنْ يُسكنه في جوارَه ولم يحتجبْ عنه"(9).

 

7- روى الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده إلى يحيى بن عبد الله، قال: سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: "ما على أهلِ الميِّت منكم أنْ يدرؤا عن ميِّتهم لقاءَ منكرٍ ونكير قال: قلت: كيف نصنع؟ قال (ع): إذا أُفرد الميِّت فليُستخلفْ عنده أولى الناسِ به فيضع فمَه عند رأسه ثمَّ ينادي بأعلى صوتِه يا فلان بن فلان أو يا فلانة بنت فلان، هل أنت على العهد الذي فارقتنا عليه من شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له وأنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه سيِّدُ النبيِّين وأنَّ عليَّاً أميرُ المؤمنين وسيِّدُ الوصيين وأنَّ ما جاء به محمّدٌ حقٌّ ..".

ورواه الصدوق بإسناده عن يحيى بن عبد الله، ورواه الكلينيُّ، ورواه الشيخُ بإسناده عن محمَّد بن يعقوب(10).

 

8- روى الكلينيُّ في الكافي بسنده إلى أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: كنَّا عنده فقيل له هذا عكرمة في الموت... فقال (ع): "أما أنَّي لو أدركتُ عكرمة قبل أنْ تقعَ النفسُ موقعَها لعلَّمتُه كلماتٍ ينتفع بها، ولكنِّي أدركتُه وقد وقعتْ النفسُ موقعَها، فقلتُ جُعلتُ فداك وما ذاك الكلام؟ فقال (ع): هو والله ما أنتم عليه، فلقِّنوا موتاكم عند الموت شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله والولاية".

قال الكلينيُّ وفي روايةٍ أُخرى: "فلقَّنْه كلماتِ الفرج والشهادتين وتُسمِّي له الإقرار بالأئمة (ع) واحدًا بعد واحدٍ حتى ينقطعَ عنه الكلام"(11).

 

9- روى الشيخُ الطبرسي في الاحتجاج عن القاسم بن معاوية قال: قال أبو عبد الله (ع): "إنَّ الله عزَّ وجلَّ لمَّا خلقَ العرش كتب عليه: لا إله إلاَّ الله، محمَّدٌ رسولُ الله، عليٌّ أميرُ المؤمنين، ولمَّا خلق الله عزَّ وجلَّ الماءَ كتب في مجراه: لا إله إلاَّ الله، محمَّد رسولُ الله، عليٌّ أميرُ المؤمنين، وهكذا لمَّا خلَق اللهُ عزَّ وجلَّ اللوحَ ولمَّا خلقَ اللهُ عزَّ وجلَّ جبرائيل ولمَّا خلقَ اللهُ عزَّ وجلَّ الأرضين -إلى أنْ قال:- فإذا قال أحدُكم لا إله إلاَّ الله، محمَّدٌ رسولُ الله، فليقل عليٌّ أميرُ المؤمنين"(12).

 

10- روى الكلينيُّ بسنده إلى أبي حمزة قال: سألتُ أبا جعفرٍ عن قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ﴾(13) فقال: إنَّما أعظكم بولايةِ عليٍّ هي الواحدة التي قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ﴾(14).

 

11- روى الكلينيُّ بسنده إلى هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) في قوله الله عزَّ وجلَّ: ﴿لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ﴾(15) "يعني في الميثاق أو كسبت في إيمانِها خيراً الإقرار بالأنبياء والأوصياء وأمير المؤمنين"(16).

 

12- روى الكلينيُّ بسنده إلى عمَّار الأسدي عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾(17) "ولايتنا أهل البيت..."(18).

 

13- روى الكليني بسنده إلى محمّد بن الفضل عن أبي الحسن (ع) قال: "ولايةُ عليٍّ (ع) مكتوبةٌ في جميع صُحف الأنبياء..."(19).

 

14- روى الكليني بسنده إلى عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (ع) في قوله: ﴿وَهُدُوا إلى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إلى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾(20) قال: "ذاك حمزة وجعفر وعبيدة وسلمان وأبو ذر والمقداد بن الأسود وعمار هدوا إلى أمير المؤمنين"(21).

 

أقول: هذا غيْضٌ من فيضٍ وقليلٌ من كثيرٍ ممَّا ورد مِن طرقِنا في شأنِ الشهادة الثالثة، وفيها الكثيرُ ممَّا هو نقيُّ السندِ بحسب الموازين التي يَعتمدُها علماءُ الشيعة وإنْ كنَّا في غنىً عن ملاحظة الإسناد بعد تواترِها الإجماليِّ، وهذه الرواياتُ هي المُصحِّحُ لدعوى رجحان الإقرار بالولاية مُطلقًا وفي كلِّ موردٍ بما في ذلك الأذان والإقامة.

 

روايات السنَّة في رجحان الشهادة بالولاية:

المحور الثالث: ثمة رواياتٌ كثيرةٌ تبلغُ حدَّ التواترِ الإجمالي وردت مِن طُرق السُنَّة تصلحُ لتأييد ما ادَّعيناه من رُجحان الشهادةِ لعليٍّ بالولايةِ مطلقًا:

 

منها: ما رُويَ في فردوس الأخبار للديلمي عن حُذيفة عن رسول الله (ص) قال: "لو علِمَ الناسُ متى سُمِّي علىٌّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضلَه، سُمِّي أميرُ المؤمنين وآدم بين الروح والجسد، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ﴾(22) قال الملائكة بلى، فقال أنا ربُّكم، محمّدٌ نبيُّكم، عليٌّ أميرُكم"(23).

 

ومنها: ما رواه السيوطي في الدرِّ المنثور في ذيل تفسير قولِه تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾(24) قال: وأخرج ابنُ عدي وابنُ عساكر عن أنس قال: قال رسولُ الله (ص): "لمَّا عُرج بي رأيتُ على ساقِ العرش مكتوبًا لا إله إلاَّ الله محمّدًا رسول الله أيَّدتُه بعليٍّ".

 

وفي ذخائر العقبى روى عن أبي الخميس مثلَه قال: أخرجَه المُلا في سيرتِه وذكرَه الطبراني في الكبير كما ذكر ذلك المتَّقي الهندي في كنز العمال(25).

 

وفي كنز العمال للمتَّقي الهندي قال اخرج ابنُ عساكر وابنُ الجوزي من طريقين عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله (ص): "رأيتُ ليلةَ أُسرى بي مُثبتاً على ساقِ العرش " إنِّي أنا الله لا إله غيري خلقتُ جنَّةَ عدنٍ بيدي، محمدٌ صفوتي مِن خلقي أيدتُّه بعليٍّ ونصرتُه بعليٍّ"(26).

وروى قريبًا منه أبو نعيم في حُليتِه مُسندًا عن أبي الحمراء.(27)

 

وفي كنز العمال أيضًا قال: "مكتوبٌ في باب الجنَّة قبل أنْ يخلقَ السماواتِ والأرض بألفي سنة "لا إله إلا الله محمَّدٌ رسولُ الله أيدتُه بعليٍّ" قال أخرجه العقيلي عن جابر(28).

أخرج هذا الحديث الطبراني بالإسناد عن جابر بن عبد الله الأنصاري ونقلَه الخوارزمي في المناقب.

 

ومنها: ما ذكره ابنُ حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة يونس بن خبَّاب الأسيدي قال: قال إبراهيم بن زياد سبلان، حدَّثنا عبَّاد بن عبَّاد قال: أتيتُ يونس بن خبَّاب فسألتُه عن حديث عذاب القبر فحدَّثني به فقال: هنا كلمةٌ أخفاها الناصبيَّة قلتُ: ما هي؟ قال: إنَّه ليسأل في قبره " مَن وليُّك" فإنْ قال: "عليٌّ" نجا(29).

 

ومنها: ما رواه الحاكم النيسابوريُّ في كتابِه علوم الحديث عن ابن مسعودٍ عن رسولِ الله (ص): "أتاني ملَكٌ فقال: يا محمَّد، اسأل مَن أرسلنا مِن قَبلك مِن رسلنا على ما بُعثوا قلتُ: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتِك وولايةِ عليَّ بن أبي طالب".

هذا وقد وثَّق النيسابوري الرواية، وقد روى هذا الحديث الثعلبي عند تفسير هذه الآية المباركة، ورواه أبو نعيمٍ الأصفهاني في كتاب منقبة المُطهَّرين(30).

 

ومنها: ما رواه الحافظ أبو نعيم أحمد الاصبهاني الشافعي فيما نزل من القرآن في عليٍّ (ع) بسندٍ متَّصل إلى الشعبي عن ابن عباس في قوله: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾(31) قال: "عن ولايةِ عليِّ بن أبي طالب"، ورواه الديلمي في الفردوس وأبو نعيمٍ الحافظ ومحمّد بن إسحاق صاحب كتاب المغازي هم جميعًا بإسنادِهم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (ص) وروى الديلمي صاحبُ الفردوس بسنده عن أبي سعيد وعن ابن عبَّاس عن النبيِّ (ص) قال: في قولِه تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ عن الإقرار بولاية عليٍّ (ع)(32).

 

ومنها: ما رواه العلامة حسام الدين المروزي الحنفي روى في كتاب مودَّة القربى بسنده عن جابر عن النبيِّ (ص) قال: "رأيتُ على بابِ الجنَّة مكتوبٌ لا إله إلاَّ الله محمَّد رسولُ الله عليٌ وليُّ الله أخو رسولِ الله".

ورواه العلامة السيد شهاب الدين أحمد بن عبدالله الشافعي في توضيح الدلائل(33).

 

هذا بعضُ ما تيسَّر لنا نقلُه ولولا خشيةُ الإطالة لنقلنا الكثيرَ الكثير ممَّا ورد من طرق السنَّة في هذا الشأن ومَن أراد الاستزادة فليراجع كتاب إحقاق الحقِّ بأجزائه وملاحقِه التي نافت على الثلاثين وتصدَّت لرصد الروايات الواردة من طرق السنَّة في عليٍّ وأهلِ بيته (ع).

 

وبما أوردناه من طُرق السُنَّة في شأن الولاية لعليٍّ (ع) يتأكَّد ما ذكرناه من رُجحان الإقرار بها والتلفُّظ بها مطلقًا، إذ هي الميثاق الذي أخذَه اللهُ فيما أخذَ على خلقِه وآدمُ بين الروحِ والجسد كما في رواية حُذيفة، وهي التي يُسأل عنها العبدُ في قبرِه فيكونُ إقرارُه بها سبيلَ نجاتِه كما في رواية ابن حجر في تهذيب التهذيب، وهي الشهادةُ التي بُعث عليها الأنبياء كما في رواية الحاكم النيسابوري، وهي التي عناها القرآنُ في قولِه: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ فلا يجوزُ من أحدٍ يوم القيامة دون الإقرار بولايةِ عليٍّ (ع) كما في رواية ابن عباس وأبي سعيد الخُدري، وهي التي كُتبتْ على باب الجنَّة إيذانًا من اللهِ عزَّ وجلَّ بركنيَّتها.

 

فإذا كانت كذلك فأيُّ أحدٍ يسعُه التنكر للإقرار بها على أيِّ حالٍ وفي كلِّ مورد.

 

النقض بالتثويب في الأذان:

المحور الرابع: ونشيرُ فيه إلى ما أفادَه الكثيرُ من علماء السُنَّة من أنَّ التثويب وهو قولُ المؤذن: "الصلاةُ خيرٌ من النوم" لم يكن على عهدِ رسول الله (ص) وإنَّما هو أمرٌ تمَّ استحداثُه في الأذان بعد وفاةِ الرسول الكريم (ص) وهؤلاءِ الذين يرون هذا الرأي وهم كثيرٌ لا يرون بأساً في الأذان به على أن لا يُعتبر من ألفاظ الأذان وفصولِه، وهو إنَّما شُرَّع بنظرِهم لغرضِ إيقاظ النائم وتنبيهِ الغافل.

 

وإليك بعض ما أفادَه هؤلاء العلماءُ من أبناء السُنَّة:

الأوَّل: ما أفادَه مالكٌ في الموطَّأ "أنَّ المؤذِّن جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائمًا، فقال: الصلاة خيرٌ من النوم، فأمرَ عمرُ أنْ يجعلَها في نداء الصبح"(34).

فعمرُ بحسب هذا النقل لم يرَ بأسًا في إضافة هذه الفقرة في الأذان رغم أنَّها ليستْ منه، وكذلك مالك فإنَّه يُفتي باستحباب زيادةِ هذه الفقرة في صلاة الصبح رغم انَّه يرى أنَّها استُحدثت أيامَ الخليفةِ عمر.

 

الثاني: قال ابنُ جريح أخبرني عمرو بن حفص أنَّ سعدًا (المؤذِّن) أوَّلُ مَن قال: الصلاةُ خيرٌ من النوم في خلافة عمر، فقال عمر: بدعةٌ، ثمَّ تركه وأنَّ بلالاً لم يؤذِّن لعمر(35).

 

الثالث: قال ابنُ جريح أخبرني حسين بن مسلم أنَّ رجلاً سأل طاووسًا متى قيل: الصلاةُ خيرٌ من النوم؟ فقال: أما إنَّها لم تُقَل على عهد رسول الله (ص) ولكنَّ بلالاً سمعها في زمان أبي بكر بعد وفاة رسولِ الله (ص) يقولُها رجل غير مؤذِّن فأخذها منه فأذَّن بها فلم يمكث أبو بكر إلاَّ قليلاً حتى إذا كان عمر قال: لو نَهينا بلالاً عن هذا الذي أحدث، وكأنَّه نسيه وأذَّن به الناسُ حتى اليوم.

 

والخبر المذكور والذي قبله يعبِّران عن أنَّ التثويب في الأذان من المُستحدثات، وأمَّا التوجيه الذي ذكر في الخبر الثاني فهو غريبٌ إذ كيف ينسى الخليفةُ أن يردَع عنه طوال ما يزيد على عقد من الزمن وهو يسمعُ الأذان في كلِّ يومٍ، نعم منشأ عدم ردعِه هو أنَّه لا يرى بأساً في أنْ يُؤذَّن به رغم علمِه بكونِه من المُستحدَثات، ولعلَّ ما ورد في الخبر الذي سبق هذا الخبر هو الأولى بالقبول وهو إنَّ الخليفة تركَه بعد ما عبَّر عنه بالبدعة لأنَّه لا يرى في مثل هذه البدعة بأساً.

 

الرابع: قال الشوكاني كما في البحر الزخَّار أنَّ التثويب أحدَثَه عمر فقال: هذه بدعةٌ، وعن عليٍّ (ع) حين سمعَه قال: لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه ثمَّ نقل حديثَ أبي محذوره وبلال ثمَّ قال: قلنا لو كان لَما أنكره عليٌّ وابنُ عمر وطاووس، سلَّمنا فأمرنا به إشعاراً في حالٍ لا شرعاً جمعًا بين الآثار(36).

 

وهذا النصُّ يُؤكِّد أنَّ من يرى أنَّ التوثيب مِن المُستحدثات كان يُصحِّح الأذانَ به لا لكونِه مِن ألفاظ الأذان وإنمَّا للإشعار، وقد فهموا مِن نهي عليٍّ (ع) أمرَين، الأوَّل أنَّه ليس مِن الأذان، والثاني عدم جواز اعتبارِه مِن فصول الأذان.

 

الخامس: في جامع المسانيد أفاد أنَّه روى عن أبي حنيفة عن حمَّاد عن إبراهيم قال: سألتُه عن التثويب؟ فقال: "هو ممَّا أحدثَه الناس وهو حسنٌ ممَّا أحدثوه"(37).

 

السادس: استحدث علماءُ الكوفة مِن الحنفيَّة بعد عهدِ الصحابة تثويبًا آخر، وهو زيادةُ الحيعلتين أي عبارة حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح -مرَّتين مرَّتين- بين الأذان والإقامة في الفجر، واستحسنَه متقدّموا الحنفيَّة في الفجر فقط، وكُره عندهم في غيره، والمتأخّرون منهم استحسنوه في الصلوات كلّها إلاَّ المغرب لضيق الوقت، وذلك لظهور التواني في الأمور الدينيَّة، وقالوا: إنَّ التثويب بين الأذان والإقامة في الصلوات يكون بحسب ما يتعارفُه أهلُ كلِّ بلد بالتنحنح أو الصلاة الصلاة أو غير ذلك(38).

 

السابع: استحدث أبو يوسف جواز التثويب لتنبيه كلِّ من يشتغل بأمور المسلمين ومصالحِهم كالإمام والقاضي ونحوهما فيقول المؤذّن بعد الأذان: "السلام عليك أيها الأميرُ حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح الصلاةُ يرحمُك الله".

 

وشارك أبا يوسف في هذا الشافعيَّة وبعض المالكية وكذلك الحنابلة إنْ لم يكن الإمام ونحوه سمع الأذان واستبعدَه محمد بن الحسن، لأنَّ الناس سواسية في أمرِ الجماعة وشارَكَه في ذلك بعضُ المالكيَّة(39).

 

هذه النصوص -ومثلُها كثير- تصلحُ للنقض على كلِّ مَن شنَّع على الإماميَّة لمجرَّد انَّهم يُعلنون الشهادةَ لعليٍّ (ع) بالولاية في الأذان رغم عدم المانع بحسب موازينِهم من فعل ذلك في الأذان كما اتَّضح ذلك ممَّا تقدم، وأحسبُ أنَّ الباعث لذلك التشنيع هو ما انطوت عليه نفوسُ هؤلاء مِن ضغينةٍ لأتباع أهل البيت (ع) فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: تساؤلات في الفقه والعقيدة

 

الشيخ محمد صنقور

ربيع الأول 1427هـ


1- المغني لابن قدامة الحنبلي: ج1/178.

2- الفقه على المذاهب الأربعة: ج1/29.

3- أمالي الصدوق المجلسي: 88/ج3.

4- إكمال الدين للشيخ الصدوق: 378.

5- سورة الروم / 30.

6- تفسير الشيخ علي إبراهيم بن هاشم القمي: ج2/155.

7- إثبات المهداه للحر العاملي: ج2/31.

8- الكافي للشيخ الكليني في روضة الكافي.

9- ثواب الأعمال للشيخ الصدوق: ج1/30.

10- وسائل الشيعة باب 35 من أبواب الاحتضار.

11- وسائل الشيعة باب 38 من أبواب الاحتضار.

12- الاحتجاج للشيخ الطبرسي: 158.

13- سورة سبأ / 46.

14- الكافي للشيخ الكليني كتاب الحجة ج31.

15- سورة الأنعام / 158.

16- الكافي للشيخ الكليني كتاب الحجة ج81.

17- سورة فاطر / 10.

18- الكافي للشيخ الكليني كتاب الحجة ج 85.

19- الكافي للشيخ الكليني كتاب الحجة ج6.

20- سورة الحجّ / 24.

21- الكافي للشيخ الكليني كتاب الحجة ج71.

22- سورة الأعراف / 176.

23- فردوس الأخبار للديلمي: 3/399.

24- سورة الإسراء / 1.

25- الدر المنثور لجلال الدين السيوطي ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، وروه المحب الطبري بفي ذخائر العقبى:69، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال: ج6/158.

26- كنز العمال للمتقي الهندي: ج6/158، ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء ج3/26.

27- حليلة الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني: ج3/26.

28- كنز العمال للمتقي الهندي: ج6/158.

29- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: ج11/439.

30- معرفة علوم الحديث للحاكم النسيابوري: 96.

31- سورة الصافات / 24.

32- النور المشتعل للحافظ أبي نعيم الاصبهاني الشافعي: 196، ورواه الشيخ حسام الدين الحنفي في (آل محمد): 282 وقال روى في كتاب مودة القربى: 259 وقال رواه الديلمي صاحب الفردوس 6 مودة القربى: 244، توضيح الدلائل: 126.

33- الموطأ للإمام مالك: 78 رقم 8.

34- كنز العمال: 8/357 ورواه عبد الرزاق في المصنف 1/474 رقم 1827، 1828، 1829.

35- نفس المصدر.

36- جامع المسانيد 14/296.

37- جامع المسانيد 14/296.

38- الموسوعة الفقهية مادة أذان: 2/361.

39- الموسوعة الفقهية مادة أذان: 2/361.