ترتُّبُ العقوبةِ على فِعْل المُباح؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صل على محمد وآل محمد

المسألة:

هناك عقوبات ذُكرتْ في بعض الروايات على أمورٍ ليستْ واجبةً وليست مُحرَّمة، كيف يمكن قبولُ ذلك؟! فكيف يُعاقبُ الله تعالى على أمرٍ ليس بواجبٍ وليس بحرام؟

ومثال ذلك:

1- روي عن أبي عبد الله (ع) قال: "أيُّما مؤمنٍ سألَ أخاه المؤمن حاجةً وهو يقدرُ على قضائِها فردَّه عنها سلَّط اللهُ عليه شُجاعاً في قبرِه ينهشُ من أصابعَه"(1). وقضاءُ حاجةِ المؤمن ليستْ بواجبة إلا في بعضِ الفروض.

2- عن عليِّ بن أبي طالب (ع) قال: "عذابُ القبرِ يكونُ مِن النميمة، والبول، وعزبِ الرجل عن أهلِه"(2). فقد فُسِّر المراد من البول بالاستخفافِ به وعدمِ الاحتراز عنه.

3- إخبار الرسول (ص) بأنَّ سعد بن معاذ أصابتْه ضغطةُ القبر لسوءِ خُلقِه مع أهلِه "نعم إنَّه كان في خلقه مع أهله سوء" (3) فالظاهر أنَّ سوء الخلق ليس هو من المُحرَّم، وكيف يكون من المحرم ولسعد المكانة الكبيرة عند الرسول (ص) حتى فعل في جنازتِه ما فعل، فهل يُناسب ذلك أنَّه مُصرٌّ على الحرام؟

وغير ذلك من النصوص الكثيرة.

الجواب:

إنَّ ممَّا لا ريبَ فيه أنَّ الله تعالى لا يُعاقبُ على فعلٍ لم يُحرِّمه أو ترك فعلٍ لم يُوجبْه، وعليه فكلُّ روايةٍ أخبرت عن عقوبةٍ على ارتكاب فعلٍ أو تركه فهي بنفسها تكون دليلاً على حرمةِ ذلك الشيءِ أو وجوبه، ولو علمنا من خارج الروايةِ أنَّ ذلك الفعل مباحٌ فعلُه وتركُه فحينئذٍ لابدَّ من التصرُّف في ظهور الرواية، وذلك للقرينة القطعيَّة القاضية باستحالة صدورِ الظلم عن الله جلَّ وعلا، إذ من الواضح أنَّ الفعلَ المُباح -الذي أجاز اللهُ تعالى لعبدِه ارتكابَه أو أجاز لعبدِه تركَه وإهمالَه- تكون العقوبةُ على فعلِه أو تركِه غيرَ مُستَحقةٍ، والعقوبةُ على غير المُستَحَق من أجلى صورِ الظلم، تعالى الله عز وجلَّ عن ذلك علوَّاً كبيرا.

أمَّا الرواية الأولى: فالتصرُّف يكون في ظهورها البدوي في الإطلاق، وليس ذلك بعزيزٍ في الخطابات الشرعية، وعليه فلأنَّ من الثابت هو عدم وجوب قضاء حوائج المؤمنين بنحو مطلق وأنَّه يجوزُ لمَن سأله أحدٌ من المؤمنين حاجةً وكان قادراً على قضائِها أنْ لا يقضيَها له، لأنَّ الأمرَ كان كذلك يتعيَّن حملُ الرواية على إرادةِ ما يَجبُ قضاؤه من حوائجِ المؤمنين، فهذا هو الموردُ الذي لو تركَه المكلَّفُ كان مُستحقَّاً للعقوبةِ المذكورة في الرواية.

ومثاله ما لو كان المؤمنُ في معرَض الهلاكِ وكان بيدِك استنقاذُه من ذلك بإطعامِه أو سقيه أو انتشالِه أو ما أشبه ذلك فإنَّ قضاءَ حاجتِه في هذا الفرض وكذلك فروض أخرى واجب يترتَّب على تركِه استحقاقُ العقوبة.

وأمَّا الرواية الثانية: فعدمُ الرعايةِ للطهارةِ مِن البول معصيةٌ من جهتين، فهو معصيةٌ لكونِه مساوقاً للاستخفافِ بالسنَّة الشريفة التي أمرت بلزوم الرعاية للطهارة من البول، ومع عدم الالتفات للملازمة، فهو معصيةٌ من جهة أنَّه يترتَّب على عدم الرعايةِ للطهارة من البول فسادُ الصلاة، إذ أنَّ الصلاة مشروطةٌ بالطهارة، فيجب على المكلَّف التحفُّظ على شرائط صحَّتِها وإلا كان شأنُه كشأنِ تاركِ الصلاة.

وأما الرواية الثالثة: فسوءُ الخُلق مع الأهل معصيةٌ قد يتَّفق صدورُها من الأخيار الأبرار. 

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج16 / ص360.

2- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج1 / ص340.

3- الأمالي -الصدوق- ص469.