تكسيرُ عظامِ العقيقة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هل يكرهُ تكسيرُ عظام العقيقة كما يُقال؟ وما هو دليلُ ذلك؟
الجواب:
نعم تكسير عظام العقيقة مكروهٌ بنظر مشهور الفقهاء بل ادُّعي للحكم بالكراهة عدم الخلاف بين الأصحاب وأنَّ السنَّة في العقيقة هو فصلُ أعضائها كلٌ على حدةٍ دون تكسير شيءٍ من عظامِها.
واستُدلَّ لكلِّ ذلك بما رواه الكلينيُّ بسندٍ معتبرٍ عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (ع) قال: "لا يأكلُ هو ولا أحدٌ من عيالِه من العقيقة -إلى أنْ قال (ع):- وتُجعلُ أعضاءً ثم يطبخُها ويَقسمُها"(1).
وبما رواه الشيخ في التهذيب بسندٍ معتبر عن عبدالله بن سنان عن أبي عبد الله (ع): "واقطعِ العقيقةَ جداولَ واطبخْها وادعُ عليها رهطاً من المسلمين"(2). وفي الكافي للكليني "جذاوي"(3) بدلاً من "جداول" والظاهر انَّ خطأً وقع من نسَّاخ التهذيب وأنَّ الصحيح هو: "واقطع العقيقة جدولاً".
فإنَّ جدولاً جمع جدل بكسر الجيم أو فتحها، والجدل هو العضو، فمعنى أنَّها تُقطَّع جدولاً هو أنَّها تُقطَّع أعضاءً دون تكسير شيءٍ من عظامِها ويُؤيِّد ذلك ما روتْه العامَّة أنَّ العقيقة: "تُقطَّع جدولاً، ولا يُكسرُ لها عظم" وأمَّا جداول فهو جمع جدوَل وهو الشِق في الشيء، ويُطلق على النهر الصغير، لأنَّه شِقٌّ في الأرض، ولا معنى لتقطيع الذبيحة جداول لأنَّ الجداول تعني الشقوق، وليس لتقطيعها شقوقاً معنىً محصَّل بخلاف تقطيعها جدولاً، فإنَّ معناه توزيعها أعضاءً، نعم هذا الإشكال غير واردٍ على ما في نسخة الكافي من الأمر بتقطيع العقيقة جذاوي بناءً على أنَّها من جموع الجذوة التي تُطلق على القطعة الغليظة من الحطب، فيكون معنى الرواية بناءً على ذلك أنَّ العقيقة تُوزَّع إلى قطعٍ غليظةٍ وتُطبخ، وعليه يكون استعمال الجذوة في القطعة من اللحم مجازياً، وهذا لا إشكال فيه إنِّما الإشكال في جمع الجذوة على جذاوي فإنَّ ذلك غير متعارفٍ ولا هو مسموعٌ ظاهراً، ولعلَّ ذلك هو مايُؤيِّد اشتباه النسَّاخ في رسم الكلمة، ويتعزَّز ذلك بما أفاده المحقِّق لكتاب الكافي المطبوع حيث ذكر انَّ المرسوم في بعض نسخ الكافي "جدولا" بدلاً من جذاوي.
وكيف كان فتقريبُ الإستدلال بالرواية -والتي سبقتها- على كراهة التكسير لعظام العقيقة هو أنَّ الأمر بتوزيعها إلى أعضاء يعني فصل كلِّ عضوٍ من أعضائها على حدة، فإذا كانت هذه الكيفيةُ في توزيع أجزاء العقيقة هي المأمورَ بها فما سواها من الكيفيات يكون مرجوحاً بالإضافة إليها إلا أنَّ هذا التقريب ليس تامَّاً، لانَّ المراد من الكراهة هو مبغوضيَّة الفعل في نفسه، وليس معناها مرجوحيَّة الفعل بالاضافة إلى غيره، نعم لو قيل إنَّ الأمر الاستحبابي بالشيء يقتضي النهي الكراهتي عن ضدِّه لكان ذلك صالحًا لإثبات كراهة التكسير للعظام، لأنَّ ما سوى الكيفية المأمور بها يكون ضدَّاً وجوديَّاً للكيفية المأمور بها، والعدول إليه يكون مانعاً للقدرة على الإتيان بالكيفيَّة المأمور بها إلا أنَّ الشأن في تماميَّة هذه الدعوى، فإنَّ أحداً لا أظنُّه يلتزمُ بأنَّ الأمر مثلاً بالصلاة في مسجد الجامع يقتضي النهي عن الصلاة فيما سواه كالصلاة في مسجد السوق.
على أنَّ من الممكن تكسيرَ عظام العقيقة دون أنْ يمنع من إمتثال الكيفيَّة المأمور بها في توزيع العقيقة إلى أعضاء، وذلك بأن تُرضخ عظام كلِّ عضوٍ من أعضاء العقيقة ويتمُّ تهشيمها وهي في موضعها دون إخراجِها من العضو الذي هي فيه أو إخراج شيءٍ منها، فيكون كلُّ عضوٍ على حدة مع تهشُّم عظامه وتكسُّرِها داخله.
هذا وقد ورد في معتبرة عمَّار الساباطي عن أبي عبدالله (ع) أنَّه سُئل عن العقيقة اذا ذُبحت يُكسر عظمها؟ قال: نعم، يُكسرُ عظمُها ويقطع لحمُها ويُصنع بها بعد الذبح ما شئت"(4). إلا أنَّ هذه الرواية لا تنفي كراهة التكسير لعظام العقيقة لو تمَّ اِستظهار النهي من الأمر بتقطيع العقيقة أعضاءً في روايتي أبي خديجة وعبد الله بن سنان لكنَّ الشأن في إمكانية استظهار ذلك منهما.
والمتحصَّل أنَّ ما يُمكن استظهارُه من الروايتين هو رجحان تقطيعها إلى أعضاء، وأما مرجوحيَّة التكسير لعظام العقيقة فالبناء عليه يكون رعايةً لفتوى المشهور المؤيَّدة بدعوى الإجماع.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص428.
2- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج7 / ص442.
3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص422.
4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص424.