السُّنَّةُ في وقتِ إزالة شعر العانة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

كم من الوقت يجوز فيه للمكلَّف ترك شعر العانة؟ وهل يختلف في ذلك حكم الرجل عن حكم المرأة؟

الجواب:

المسنون هو إزالةُ شعر العانة كلَّ خمسة عشر يوماً، وتأخيره عن ذلك مرجوحٌ، وتشتدُّ المرجوحيَّة والمبغوضيَّة في تأخيره فوق أربعينَ يوماً للرجل، وأما المرأة فالمرجوحيَّة تشتدُّ عند تأخيره فوق عشرينَ يومًا.

ودليل ذلك رواياتٌ عديدة، وفيها ما هو معتبرٌ سنداً:

منها: ما رواه الكلينيُّ بسندٍ معتبر عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) عن أمير المؤمنين (ع): "أُحبُّ للمؤمن أنْ يطلي في كلِّ خمسة عشر يومًا"(1).

ومنها: ما رواه الكلينيُّ بسنده عن المنقري عن أبي عبد الله (ع) قال: "السُنَّة في النورة في كلِّ خمسة عشر يومًا، فإنْ أتت عليك عشرون يومًا وليس عندك فاستقرضْ على الله"(2).

ومعنى ذلك أنَّه لا ينبغي للمؤمن أنْ يمنعه من الإطلاء عدمُ وجدان ما يشتري به النورة، فإذا كان قد مضى على طلائه الأول عشرون يوماً فليقترِض ثمن النورة وليثقْ بأنَّ الله تعالى سوف يُهيئ له من الأسباب ما يقضي به دينَه، وفي ذلك تعبيرٌ عن تأكُّد الأمر بالإطلاء حين يمضي عشرون يوماً على الطلاء الاول.

ومنها: ما رواه الصدوق بسندٍ معتبر عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال: "السُنَّة في النورة كلَّ خمسة عشر يومًا، فمَن أتت عليه عشرون يومًا فليستدنْ على الله عزَّ وجل وليتنوَّر، ومَن أتتْ عليه أربعون يومًا ولم يتنوَّر فليس بمؤمنٍ ولا مسلمٍ ولا كرامة"(3).

ومنها: ما رواه الكليني بسندٍ معتبر عن السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص): "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يترك عانتَه فوق أربعين يومًا، ولا يحلُّ لامرأة تُؤمنُ بالله واليوم الآخر أنْ تدع ذلك فوق عشرين يومًا"(4).

التحديد لبيان أقصى ما تُدرك به السُّنَّة:

ثم إنَّه ليس المقصود من الأمر بإزالة شعر العانة كلَّ خمسة عشر يوماً أنَّ إزالته قبل ذلك ليس من السُنَّة بل المراد من هذا التحديد هو بيان أقصى ما تُدركُ به السنَّة في هذا الشأن بحيثُ يكون التجاوز لهذا الحدِّ خروجاً عمَّا هي السُنَّة في أزالة شعر العانة، والقرينةُ على أنَّ ذلك هو المراد من التحديد المذكور هو ما ورد من الأمر بالتنوُّر والإطلاء حتى مع تقارب الأيام بين الطلاء الأول والثاني بل حتى لو لم يمضِ على الطلاء الاول أكثر من ثلاثة أيام، ومعنى ذلك -بمقتضى الجمع العرفي بين الروايات- أنَّ التنوُّر مستحبٌ فيما بين الخمسة عشر يوماً، وكلَّما تقاربت الأيام بين التنوُّر الأول والثاني كان أفضل، فإذا تجاوز الإطلاء الثاني خمسة عشر يوماً كان في ذلك خروجٌ عن مقتضى السنَّة.

فمن الروايات المقتضية لما ذكرناه ما رواه الكليني بسنده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: دخلتُ مع أبي عبد الله (ع) الحمام فقال لي: "يا عبد الرحمان إطلِ، فقلتُ: إنَّما أطليت منذ ايام فقال: إطلِ فانَّها طهور"(5).

ومنها: ما رواه الكليني بسنده عن عليِّ بن أبي حمزه قال: دخلتُ مع أبي بصير الحمَّام فنظرتُ إلى أبي عبد الله (ع) -إلى أنْ قال:- فقال: "لأبي بصير: إطلِ يا أبا محمد، فقال: قد أطليتُ منذ ايام فقال: إطلِ فانَّه طهور"(6).

ومنها: ما رواه الكليني أيضاً بسنده عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (ع) -في حديث- انَّه قال له ولأبي بصير: "إطليا فقالا: فعلنا ذلك منذ ثلاث فقال: أعِيدا، فانَّ الاطلاء طهور"(7).

ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن هارون بن حكيم الارقط عن أبي عبد الله (ع) قال: أتيتُه في حاجةٍ -إلى أن قال- فقال: " ألا تطلي؟ فقلتُ: إنَّما عهدي به اول من أمس، فقال: إطل فإنَّ النورة طهور"(8).

فمثل هذه الرويات ظاهرةٌ في رجحان التنوُّر والإطلاء وإنْ تقاربت الأيام بين الإطلاء الأول والثاني، غايته أنَّ تأخيره -بمقتضى الطائفة الأولى من الروايات- إلى أنْ تمضي خمسة عشر يوماً لا يكون فيه خروج عن السنَّة إلا أنَّه أقصى ماتُدركُ عنده السنة، فإذا جاز هذا الحدَّ كان تجاوزه على خلاف السُنَّة، فالإطلاء مع تقارب الأيام أفضل ودونه في الفضل عند كلِّ خمسة عشر يوماً، فإذا تجاوز هذا الحدَّ كان ترك الإزالة مرجوحاً، وكلَّما كان التأخير أكثر كانت المرجوحيَّة أشد.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص71.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص71.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص72.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص139.

5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص68.

6- الكافي -الشيخ الكليني- ج6 / ص498.

7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص69.

8- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج1 / ص375.