أثرُ المعاشرةِ ليلةَ خسوفِ القمر

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما أثر الخسوفِ للقمر على نموِّ الجنين؟ وهل يمكنُ أنْ يحدثَ تشوُّهات له كما يُقال؟ وهل كراهة المعاشرة تختصُّ بوقتِ الخسوف أو في تمامِ الليلة؟

الجواب:

لم يثبتْ ذلك بخصوصه ولكن ورد أنَّ معاشرةَ الزوجة في الليلة التي ينخسفُ فيها القمر أو في اليوم التي تنكسفُ فيه الشمس مكروه، وأنَّ رسول الله (ص) كان يكرهُ أنْ يلتذَّ أحدٌ في مثل هذه الأوقات، وأنَّه لو إتَّفق أنْ تخلَّق لأحدٍ ولدٌ نتيجةَ الجماع في هذه الأوقات وكان يعلمُ بكراهة رسول الله (ص) لذلك فإنَّه لن يجد في ولدِه ما يُحِب.

روى الكلينيُّ في الكافي بسندٍ معتبرٍ عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه عن أبي جعفرٍ (ع) قال: قلتُ: هل يُكرهُ الجماع في وقتٍ من الأوقات وإنْ كان حلالاً؟ قال: نعم مابين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن مَغيب الشمس إلى مَغيب الشفَق، وفي اليوم الذي تنكسفُ فيه الشمسُ، وفي الليلةِ التي ينخسفُ فيها القمرُ، وفي الليلة التي يكونُ فيها الريحُ السوداءِ والريحُ الحمراءُ والريحُ الصفراءُ، واليوم والليلة اللذين فيهما الزلزلة، ولقد باتَ رسولُ الله (ص) عند بعضِ أزواجِه ليلةَ إنكسفَ فيها القمرُ فلم يكن منه في تلك الليلة ما يكون منه في غيرِها، فقالت له: يا رسولَ الله ألبغضٍ كان هذا منك في هذه الليلة؟ قال: لا ولكن هذه الآية ظهرت في هذه الليلة فكرهتُ أن أتلذَّذ وألهو فيها، وقد عيَّر اللهُ في كتابِه أقوامًا فقال: ﴿وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ / فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾(1) قال أبو جعفر: وأيمُ الله لا يُجامعُ أحدٌ في هذه الأوقات التي نهى عنها رسول الله (ص) وقد انتهى إليه الخبرُ فيُرزقُ ولدًا فيرى في ولدِه ذلك ما يُحِب"(2).

وفي رواية دعائم الإسلام: "لا يُجامع أحدٌ منكم في وقتٍ من هذه الأوقات فيُرزق ذريةً فيرى فيها قرَّة عينٍ"(3).

ومعنى انَّه لا يرى فيه ما يُحب أو قرَّة عين لا يتعيَّن في أنَّه يُولد مصاباً بعاهةٍ أو مرضٍ مزمن بل لعلَّ المراد من ذلك انَّه لا يرى في مولوده المتخلِّق في تلك اللية ماينتظرُه الأب من إحسان الولدِ وبرِّه أو انَّه لا يرى في مولوده ما يًحبُّه له من السعةِ في الرزق والتوفيقِ في الإمور، فالأبُ حين يرى ولدَه فقيراً مثلاً أو خائباً في مساعيه فإنَّ ذلك يُؤذيه ويُحزنُه، وكذلك حينما يكونُ الولد عاقَّاً أو على غير سمتِ أبيه فإنَّه لا يكون قرَّةَ عينٍ لأبيه.

ثم إنَّ الظاهر من معتبرة عبد الرحمن بن سالم عن الباقر (ع) انَّ الأثر السيئ المترتِّب إقتضاءً عن المعاشرةِ ليلةَ الخسوف لا ينشأ عن علاقةٍ تكوينيَّة بين الخسوفِ وإنعقاد النُطفة في ليلتِه، وإنَّما هو عقوبةٌ مترتِّبة عن الإستخفاف بالنهي النبويِّ، وذلك بقرينة انَّ الإمام (ع) قيَّد وقوع الأثر السيئ -وهو انَّه لا يرى في ولده ما يُحب- بوصول خبر النهي النبويِّ إلى فاعل المعاشرة، ولو كان الأثرُ السيئ ينشأ عن علاقةٍ تكوينيَّة بين الخسوف وإنعقاد النطفة في ليلتِه لكان هذا الأثرُ مترتِّباً حتى مع عدمِ وصولِ خبر النهي إلى الفاعل، فالإسكار مثلاً أثرٌ تكوينيٌ للخمر، لذلك فهو يترتَّب حتى مع جهْلِ مَن شربه بخمريَّتِه.

وأما انَّ الكراهة هل تختص بوقت الخسوف أو تمتدُّ لتمام الليلة فالظاهرُ هو إستيعاب الكراهة لتمام الليلة التي يقعُ فيها الخسوفُ، وكذلك هي ثابتة لتمام اليوم الذي يقعُ فيه الكسوف للشمس، فإنَّ ذلك هو المُستظهَر من قولِه (ع): " وفي اليوم الذي تنكسفُ فيه الشمس، وفي الليلةِ التي ينخسفُ فيها القمر .." وكذلك هو المُستفاد من معتبرة عمرو بن عثمان، عن أبي جعفر قال سألتُه: أيكرهُ الجماعُ في ساعة من الساعات؟ فقال: نعم، يكرهُ في الليلة التي ينكسفُ فيها القمر، واليوم الذي تنكسفُ فيه الشمس" فلو كانت الكراهة مختصةً بوقتِ الكسوف والخسوف لكان المناسبُ أن يُقال: يُكره حين ينكسفُ القمر وحين تنكسفُ الشمس، وحيثُ إنَّ الرواية أفادت أنه يُكره في الليلة وفي اليوم فمقتضى ذلك أنَّ الكراهة مستوعِبةٌ لتمام الليلة التي ينخسف فيها القمر، ولتمام النهارِ الذي تنكسفُ فيه الشمس(3).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الطور/ 44-45.

2- الكافي -الشيخ الكليني- ج5 / ص498.

3- دعائم الإسلام -القاضي النعمان المغربي- ج2 / ص214.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص126.