شفاعةُ السِّقط لأبويه

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

مسألة:

ما مدى صحَّة ما يُقال من أنَّ الطفل الميِّت يشفعُ لأبويه؟ وهل ذلك يختصُّ بالأمِّ أو الأب أو أنَّه يشفعُ لهما معاً؟ وهل يختصُّ ذلك بالطفل أو يشملُ الجنين الذي يموتُ قبل أنْ يُولد؟

الجواب:

نعم وردتْ رواياتٌ عديدة في ذلك، وأفادتْ أنَّ الولد الذي لم يبلغْ سنَّ التكليف إذا مات في حياةِ أبويه فإنَّه يُشفَّع فيهما يومَ القيامة وأنَّ شفاعتَه لهما تُقبل إنْ شاء اللهُ تعالى ما لم يمنعْ منها مانعٌ، وقد أفاد عددٌ من هذه الروايات أنَّ شفاعة الأطفال الذين يموتون في حياة آبائهم وأمهاتِهم لا تختصُّ بمَن وُلد مِن هؤلاء الأطفال حيَّاً ثم اختاره اللهُ تعالى بل هي شاملةٌ حتى للسِقْط الذي يموتُ في بطنِ أُمه.

فممَّا أفاد ذلك من الروايات صحيحةُ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ مَوْلَى آلِ سَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): ".. أمَا عَلِمْتُمْ أَنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى بِالسِّقْطِ يَظَلُّ مُحْبَنْطِئاً عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: لَا أَدْخُلُ حَتَّى يَدْخُلَ أَبَوَايَ قَبْلِي فَيَقُولُ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى لِمَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ائْتِنِي بِأَبَوَيْه فَيَأْمُرُ بِهِمَا إلى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: هَذَا بِفَضْلِ رَحْمَتِي لَكَ"(1).

فالروايةُ صحيحةُ السند، وقد أفادت أنَّ السقط يظلُّ واقفاً على بابِ الجنة مغتاظاً يترقَّبُ أنْ يَغفرَ اللهُ تعالى لأبويه فيدخلُ معهما إلى الجنَّة، فلا يدخلُ حتى يدخلَ معه أبواه، وحيذاك يمتنُّ الله تعالى على أبويه فيأمرُ بإدخالِهما معه إلى الجنَّة إرفاقاً منه تعالى على الصغير وتعويضاً لما نال أبويه في الدنيا من ألمِ الفقْد لصغيرهِما كما هو المُستفاد من لحنِ رواياتٍ أُخرى.

ومن الروايات التي أفادت ما ذكرناه ما رواه الصدوقُ (رحمه الله) في الفقيه قال: وقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): "اعلموا أنَّ أحدَكم يَلقَى سقطَه مُحبنطئاً على باب الجنَّة حتى إذا رآه أخذَ بيده حتى يُدخلَه الجنَّة، وإنَّ ولدَ أحدِكم إذا مات اُجِر فيه، وإنْ بقيَ بعده استغفرَ له بعدَ موتِه"(2).

ومنها: ما ورد في كتاب مسكِّن الفؤاد للشهيد الثاني (رحمه الله) عن أنس بن مالك: أنَّ رجلاً كان يجيء بصبيٍّ له معَه إلى رسولِ الله (ص)، وأنَّه مات فاحتبسَ والدُه عن رسول الله (ص)، فسألَ عنه فقالوا: ماتَ صبيُّه الذي رأيتَه معه. فقال: (ص): "هلا آذنتمُوني؟ فقوموا إلى أخينا نُعزِّيه، فلمَّا دخلَ عليه، إذا الرجل حزينٌ وبه كآبةٌ، فعزَّاه، فقال: يا رسولَ الله، كنتُ أرجوه لكبر سِنِّي وضَعفي. فقال رسولُ الله (ص): "أما يسرُّك أنْ يكونَ يوم القيامة بإزائك، يُقال له: ادخُلِ الجنَّة. فيقولُ يا ربِّ وأبواي، فلا يزالُ يشفع، حتى يُشفِّعَه اللهُ عزَّوجلَّ فيكم، فيدخلُ الجميع الجنَّة"(3).

ومنها: ما ورد في اعلام الدين للديلمي، عن النبيِّ (ص) قال: "تجيئُ يومَ القيامة أطفالُ المؤمنين، عند عرض الخلائق للحساب، فيقولُ الله تعالى لجبرئيل (ع): اذهب بهؤلاء إلى الجنَّة. فيقفون على أبوابِ الجنة، ويسألونَ عن آبائهم وأمهاتِهم، فتقول لهم الخَزَنة: آباؤكم وأمهاتُكم ليسوا كأمثالِكم، لهم ذنوبٌ وسيئات يُطالَبونَ بها" إلى أن قال: يقولونَ: لا ندخلُ الجنَّة حتى يدخلَ آباؤنا وأمهاتُنا. فيقولُ اللهُ سبحانه وتعالى: يا جبرئيل، تخلَّل الجمع، وخذ بيد آبائِهم وأمهاتِهم، فأدخلْهم معهم الجنَّة برحمتي "(4).

ومنها: ما أوردَه الشريفُ الزاهد محمَّد بن علي الحسيني في كتاب التعازي عن معاوية بن قرَّة: عن أبيه، أنَّ رجلاً كان يختلفُ إلى النبيِّ (ص) ومعه ابنُه، فقال له رسول الله (ص): "أتحبُّه؟ فقال: أُحبُّك واللهِ كما أحبُّه، قال: ففقده النبيُّ (ص)، قال: فقال: "يا فلان ما فعل بابنك؟ فقال: يا رسول الله أما شعرت أنَّه مات، قال له النبيُّ (ص): أما يسرُّك ألا تأتي يوم القيامة باباً من أبواب الجنَّة إلا جاء يسعى حتى يفتحَ لك"؟ قالوا: يا رسول الله لهذا خاصَّة أم لنا عامَّة؟ قال: لكم عامَّة"(5).

ومنها: ما أورده الشريف الحسيني ايضا في كتاب التعازي بإسناده عن عبد الله بن وهب المصري، يرفعه إلى أنس بن مالك قال: تُوفي ابنٌ لعثمان بن مظعون، واشتدَّ حزنُه عليه، حتى اتَّخذ في داره مسجداً يتعبَّدُ فيه، فبلغَ ذلك إلى رسول الله (ص)، فقال: "يا عثمان بن مظعون، إنَّ الله لم يكتبْ علينا الرهبانيَّة، إنَّما رهبانيَّةُ أمتي الجهاد في سبيل الله، يا عثمان إنَّ للجنَّة ثمانيةَ أبواب وللنار سبعةَ أبواب، فما يسرُّك ألا تأتي باباً منها، إلا وجدتَ ابنك إلى جنبك آخذاً بحجزتك، يشفعُ لك إلى ربِّك" قال: بلى، قال المسلمون: ولنا في فرَطنا ما لعثمان؟ قال: "نعم، لمَن صبر منكم واحتسب"(6).

وثمة رواياتٌ أخرى عديدةٌ وردتْ من طرق الفريقين أعرضنا عن نقلِها خشية الإطالة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج7 / ص400.

2- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج3 / ص483.

3- جامع أحاديث الشيعة -السيد البروجردي- ج3 / ص506.

4- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج79 / ص123.

5- جامع أحاديث الشيعة -السيد البروجردي- ج3 / ص506.

6- جامع أحاديث الشيعة -السيد البروجردي- ج3 / ص507.