كراهةُ الصلاةِ على الجنازة في المساجد

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل صحيحٌ ما يُقال مِن أنَّ الصلاةَ على الجنازة مكروهةٌ في المساجد؟ 

 

الجواب:

المشهورُ بين الفقهاء هو كراهةُ إيقاع صلاةِ الجنازة في المساجد عدا المسجد الحرام وادَّعى الشيخُ الطوسي في كتاب الخلاف الإجماع على الكراهة، قال (رحمه الله): "يكره أنْ يصلَّى على الجنازة في المساجد إلا بمكة ثم قال: دليلُنا: إجماع الفرقة"(1).

 

وأفاد صاحبُ الجواهر رحمه الله أنَّ القول بكراهة إيقاع صلاة الجنازة في المساجد صرَّح به جماعةٌ من الفقهاء ونسَبه بعضُهم كصاحب جامع المقاصد إلى الأصحاب وادَّعى المقدَّسُ الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان الإجماع على الكراهة إلا في مكة(2).

 

وفي مقابل القول بالكراهة مطلقًا إلا في المسجد الحرام أو مكة نُسب إلى أبي علي الإسكافي -كما في الجواهر- القول بالتفصيل بين الجوامع وبين سائر المساجد فالكراهةُ مختصَّةٌ بالمساجدِ دون الجوامع، وثمة قولٌ آخر وهو أنَّ إيقاع الصلاة في الجوامع وكذلك المساجد لا تكون مكروهة إذا كان قد اعتيد إيقاع الصلاة فيها أي أنَّ الكراهة ترتفع باعتياد إيقاع صلاة الجنازة فيها، فالصلاة على الجنازة في المساجد مكروهةٌ إلا في الجوامع أو المساجد التي اعتيد إيقاع صلاة الجنازة فيها.

 

وكيف كان فقد استُدلَّ على كراهة إيقاع صلاة الجنازة في المساجد -مضافًا إلى دعوى الإجماع- بما رواه الكليني في الكافي بسنده عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عِيسَى بْنِ أَحْمَدَ الْعَلَوِيِّ قال: إنَّ أبا الحسن الأول الإمام موسى بن جعفر (ع) وجدَه في المسجدِ يُريد الصلاة على جنازةٍ فدفعه حتى أخرجه من المسجد ثم قال (ع): يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ الْجَنَائِزَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسَاجِدِ"(3).

 

فالروايةُ من حيث الدلالة تامَّةٌ، فالنفيُ فيها إمَّا أنْ يكون بمعنى نفي المشروعيَّة أو هو بمعنى النهي، وهي بذلك وإن كانت تدلُّ على الحرمة إلا أنَّ مقتضى الجمع بينها وبين مثل معتبرة الفضل بن عبد الملك قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) هل يُصلَّى على الميِّت في المسجد؟ قال: نعم"(4).

 

مقتضى الجمعِ هو حملُ النفي على الكراهة ونفيِ الفضل، فمعتبرةُ الفضل بن عبد الملك صريحةٌ في الجواز، وغايةُ ما تقتضيه رواية أبي بكر العلوي هو الظهورُ في الحرمة أو نفيُ المشروعيَّة، وهذا الظهورُ لا يستقرُّ بعد تصريحِ معتبرة الفضل بالجواز، لذلك يتعيَّن حملُ رواية العلوي على الكراهةِ ونفيِ الفضل، هذا مع قطع النظر عن ضعفِ رواية أبي بكر العلوي سندًا نظرًا لجهالةِ أبي بكر نفسِه إلا أنْ يُدَّعى انجبار هذا الضَعف بعمل المشهور.

 

ثم إنَّه بناءً على تماميَّة الاستدلال برواية العلوي على الكراهة لا يكون ثمة وجهٌ لاستثناءِ المسجد الحرام فإنَّ مقتضى إطلاقِها هو كراهةُ إيقاع صلاة الجنازة فيه أيضًا إلا أنْ يُتمسَّكَ للاستثناء بدعوى الإجماع التي أفادها الشيخُ الطوسي في الخلاف وكذلك غيرُه، فإنْ تمَّ ذلك وإلا فالكراهةُ ثابتةٌ حتى في المسجد الحرام وسائر مساجد مكَّة الشريفة.

 

وأمَّا التفصيلُ بين الجوامع والمساجد الصغار فلا وجه له بعد إطلاق رواية العلوي، وكذلك لا وجه لاستثناء الجوامع والمساجد التي اعتيد إيقاع صلاة الجنازة فيها، فإنَّ صلاة الجنازة وإنْ قيل باستحباب إيقاعها في المواضع المُعتادة إلا أنَّ مقتضى إطلاقِ رواية العلوي هو البناءُ على عدم شمول هذا الاستحباب للمساجد.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- الخلاف -الشيخ الطوسي- ج1 / ص 721.

2- جواهر الكلام -الشيخ الجواهري- ج12 / ص 98.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص182.

4- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج1 / ص165، الاستبصار -الشيخ الطوسي- ج1 / ص473.