الحديث الضعيف قد لا يكون موضوعًا

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1- هل كلُّ حديثٍ ضعيف لا يُعملُ به فهو موضوع؟ وإذا كان الأمر كذلك ألا يتسبَّب ذلك في ضياع الكثير من السُنَّة الشريفة؟

 

2- كيف يقع التعارض بين حديثين في مسألة واحدة ويكونُ كلٌّ منهما حديثًا معتبرًا، والحال أنَّ حكم اللهِ تعالى واحد؟

 

3- الفقهاءُ يعلِّقون على بعض الروايات بقولِهم: إنَّ هذه الرواية لا ترتقي لمستوى الدلالة على الوجوب ولكن يُمكن حملها على الاستحباب، أرجو توضيح هذه المسألة؟

 

الجواب:

ج1: ليس كلُّ حديثٍ ضعيفٍ من حيثُ السند يكون موضوعًا ومكذوبًا، لأنَّ ضعفَ السند قد ينشأُ عن الإرسال وعدم اتِّصال السند أو نسيان الراوي لاسم مَن يروي عنه، وقد ينشأُ عن جهالةِ الراوي وعدم العلم بحالِه، ومثلُ هذا الحديث قد يكون صادقًا واقعًا ولكنَّه ونظرًا لفقدانِه لشرائط الحجيَّة لا يجوزُ العملُ بمضمونِه إلا إذا احتفَّ بقرائن تُوجب الوثوق بصدوره.

 

وأمَّا أنَّ عدم العمل بالحديث الضعيف يُوجب ضياع الكثير من السنَّة، فذلك لا يُصحِّحُ العملَ بالخبر الضعيف لعدم الإحراز بأنَّه من السنَّة، فأحكامُ الله تعالى إنَّما تُؤخذ عن السنَّة الشريفة، وهذا يقتضي الإحراز -ولو بالتعبُّد- أنَّ هذا الحديث أو ذاك من السنَّة، وضعفُ الحديث سندًا يمنع من الإحراز إلا في فرض احتفافِه بقرائن علميَّة تُوجب الاطمئنان بصدوره أي تُوجب الاطمئنان بأنَّه من السنَّة.

 

على أنَّ ضياعَ بعضِ السنَّة لعدم العمل بالخبر الضعيف ليس بأخطر من إدخال ما ليس من السنَّة في السنًّة الشريفة، فحمايةُ السنَّة من تسرُّب الأحاديث المكذوبة إليها -وهي كثيرة- أولى بالرعاية، وإنْ ترتَّب عن ذلك ضياعُ بعض السنَّة.

 

ج2: إذا كان الخبران معتبرين من حيثُ السند وكان بينهما تعارض، فإنْ أمكن الجمعَ العرفيَّ بينهما تعيَّن ذلك، وإلا فيرجًّح الموافقُ منهما لعموم الكتاب والسنَّة القطعيَّة، ومع فقدان هذا المرجِّح والمرجِّحات المنصوصة يسقطُ كلا الخبرين عن الحجِّية فلا يمكن العمل بكلا الخبرين لأنَّ حكم الله تعالى واحد في كلِّ واقعة، ولا يمكن العمل بأحدهما دون الآخر لأنَّه ترجيحٌ بلا مرجِّح كما هو الفرض، فالمرجعُ في مثل هذا الفرض هو الأصول العمليَّة كأصالة البراءة أو الاستصحاب حسب اختلاف الموارد كما نصَّت على ذلك الأدلَّة.

 

ج3: معنى ذلك أنَّ الرواية ليست ظاهرةً في الوجوب وإنْ اشتملت على الأمر، وذلك لوجود قرائن على عدم إرادةِ الوجوب من الأمر، أو أنَّ الروايةَ المشتملة على الأمر ضعيفةُ السند فلا تصلحُ لإثبات الوجوب فيُحمل الأمر فيها على الاستحباب لقاعدة التسامح في أدلَّة السنن أو يكون الإتيان بالمأمور به راجحًا رجاءً للمطلوبية بناءً على عدم حجيَّة قاعدة التسامح.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور