تمييزُ الأمر الاستحبابي عن الوجوبي

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لماذا يستعملُ الأئمةُ (ع) صِيَغَ الأمرِ كثيرًا في كلماتِهم في الأمور الاستحبابيَّة ممَّا يؤدِّي إلى صعوبة التمييز بين الأمر الاستحبابي والأمر الوجوبي؟

الجواب:

استعمال الأمر في الأعم من الطلب اللُّزومي وغير اللزومي متعارَفٌ لدى العُرف وأهلِ المحاورة من أبناء اللَّغة العربيَّة، والخطاباتُ الشرعيَّة جاريةٌ وفقَ ما عليه المألوف والمتعارَف عند أبناء اللغة.

والأمرُ عندهم يُفيد الطلبَ الأعم من الوجوب والاستحباب واللزوم وعدمه، ويتمُّ التمييز بين الطلب الوجوبي والطلبِ الاستحبابي بواسطة القرائن اللفظيَّة أو اللبِّيَّة المتَّصلة أو المُنفصلة.

وحتى بناءً على مذهبِ مشهور الأصوليين فإنَّ الأمرَ وإن كان ظاهرًا في الوجوب ابتداءً إلا أنَّ ذلك لا يُصارُ إليه عند قيام القرينةِ على إرادة الاستحباب من الأمر، ولذلك فكلُّ أمرٍ ورَد عن الرسولِ (ص) وأهلِ بيته (ع) وحملَه الفقهاءُ على الاستحباب إنَّما كان ذلك بسببِ اشتمالِه على قرينةٍ متَّصلة أو مُنفصلة اقتضت ذلك.

وقد وقعَ ذلك كثيرًا في القرآن الكريم أيضًا كما في قولِه تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾(1) فالأمرُ بإعطاء ذوي القربى والمساكين واليتامى شيئًا من الميراث محمولٌ على الاستحباب.

ثم إنَّه كثيرًا ما يكون الغرضُ من الأمر في موارد إرادة الاستحباب هو التعبير عن أهميَّة المأمور به، على أنَّه لا يلزم من إرادة الاستحباب من الأمر أيُّ إشكالٍ عند أهل التخصُّص في العلم الشرعي وهم الفقهاء، وذلك لقدرتِهم على تمييز إرادةِ الوجوب من إرادة الاستحباب وذلك من ملاحظة القرائن التي يقفون عليها بواسطة البحث والتحقُّق، ولذلك ليس لأيِّ أحدٍ تقمُّصُ هذا الدور ما لم يكن واجدًا لملكةِ الاجتهاد، فهي التي تُؤهِّلُ الإنسان لفهم المُرادات الجدِّية من الخطابات الدينيَّة.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة النساء / 8.