القسم بغير لفظ الجلالة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يجوز القسم بغير لفظ الجلالة؟ وما مدركُ ذلك؟

الجواب:

لا إشكال في جواز الحلفِ بغير لفظ الجلالة إذا كان بواحدٍ من أسماء الله تعالى التي يَختصُّ بها كالرحمن أو بأوصافِه وأفعاله التي يختصُّ بها كمقلِّبِ القلوب والأبصار، وكقول الرجل "والذي فلقَ الحبَّة وبرأَ النسَمة"، وكذلك القسم بأوصاف اللهِ وأفعالِه التي يغلبُ إطلاقُها عليه تعالى كالربِّ والخالقِ والرازق. والحلفُ بكلِّ ذلك يُوجبُ انعقاد اليمين إذا توفَّرت سائرُ الشروط.

وقد ورد عن أبي سعيدٍ الخدري: كان رسولُ الله (ص) إذا اجتهد باليمين قال: "لا والذي نفسُ أبي القاسم بيدِه"(1). وعن الإمام علي (ع): "والذي أصومُ وأصلِّي له"(2).

وأمَّا جوازُ الحلف والقسم بغيرِ الله تعالى وأسمائِه وصفاتِه فقد وقع محلًا للخلاف وذلك لورود بعض الروايات الناهية عن الحلف بغير الله تعالى:

منها: ما ورد عن الإمام الصادق (ع) عن النبيِّ (ص) في حديث المناهي، قال: "نهى أنْ يحلفَ الرجلُ بغير الله"(3) وقال: "مَن حلفَ بغير الله فليس مِن الله في شيءٍ"(4).

ومنها: صحيح محمد بن مسلم قال: قلتُ لأبي جعفر (ع) قولُ الله عزَّ وجل ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾(5)، ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾(6) وما أشبه ذلك فقال (ع): "إنَّ للهِ عزَّ وجلَّ أنْ يُقسم من خلقِه بما يشاء، وليس لخلقِه أن يُقسموا إلا به"(7).

وفي مقابل ذلك وردت رواياتٌ عديدة تدلُّ على جواز الحلف بغيرِ الله تعالى:

منها عددٌ من الروايات تضمَّنت صدور الحلفِ بغير الله تعالى من قِبَل بعض أصحاب الأئمة (ع) في محضرهِم (ع) وبمسمعٍ منهم وكان الخطابُ موجَّهًا لهم ورغم ذلك لم يصدر عنهم ردعٌ لهم.

فمن هذه الرروايات صحيحةُ أبي جرير القمِّي قال: قلتُ لأبي الحسن (ع) جُعلتُ فداك قد عرفتَ انقطاعي إلى أبيكَ ثمَّ إليكَ ثمَّ حلفتُ له: وحقِّ رسولِ الله (ص) وحقِّ فلان وحقِّ فلان حتى انتهيتُ إليه أنَّه لا يخرجُ ما تُخبرُني به إلى أحدٍ من الناس، وسألتُه عن أبيه أحيٌ هو أم ميِّت؟ قال: قد واللهِ مات إلى أن قال: قلتُ أنتَ الإمام؟ قال (ع): نعم"(8).

وكذلك ورد في خبرٍ أنَّ الرضا (ع) أقسمَ بقوله: (وقرابتي) (9) إلا أنَّ الرواية لمَّا كانت ضعيفة السند فإنَّها لا تكون قابلةً لأن يُستدلَّ بها، نعم يُمكن أنْ تكون شاهدًا على دعوى الجواز.

فعمدةُ الأدلَّة على جواز الحلفِ بغير الله عزَّ وجل هي الرواياتُ التي تضمَّنت الحلفَ بغيرِ الله تعالى من قِبَل أصحاب الأئمة (ع) وعدم ردع الأئمة (ع) لهم على ذلك بالإضافة إلى السيرة المتشرعيَّة القاضية بذلك ممَّا يوجب استظهار الكراهة والمرجوحيَّة من النهي عن الحلفِ بغير الله عزَّ وجل الوارد في بعض الروايات.

الشيخ محمد صنقور


1- الخلاف -الشيخ الطوسي- ج6 / ص110.

2- جواهر الكلام -الشيخ الجواهري- ج35 / ص227.

3- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج23 / ص259.

4- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (ع) -الحر العاملي- ج7 / ص558.

5- سورة الليل / 1.

6- سورة النجم / 1.

7- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسيّ- ج8 / ص277.

8- جواهر الكلام -الشيخ الجواهري- ج35 / ص232.

9- الكافي -الشيخ الكليني- ج1 / ص187.