قاعدة: (لا شكَّ لكثيرِ الشكِّ)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

(لا شكَّ لكثيرِ الشك) ما معنى القاعدة المذكورة؟ وما الدليلُ عليها؟

الجواب:

مفادُ القاعدة -بإيجازٍ شديد- هو أنَّ مَن يكثُرُ عليه الشكُّ فإنَّ وظيفتَه هي الحكمُ بالبناءِ على الصحَّة وعدمُ الاعتناءِ بالشكِّ واعتبارُ تحقُّق المشكوك، فلو شكَّ أنَّه سجد أو لم يسجد فإنَّ وظيفتَه البناءُ على وقوع السجدةِ منه، ولو شكَّ أنَّه قرأ أو لم يقرأْ فإنَّ وظيفتَه البناءُ على تحقُّق القراءةِ منه، وهكذا لو شكَّ أنَّه كان مطمئنًا أثناءَ القراءة أو لم يكن مطمئنًا فإنَّ وظيفتَه البناءُ على تحقُّق الاطمئنان.

نعم لو كان البناءُ على وقوعِ المشكوك مُوجبًا لفساد الصلاةِ فإنَّ وظيفتَه البناءُ على عدمِه، فلو شكَّ أنَّه جاءَ بركوعينِ أو ركوعٍ واحد في ركعةٍ واحدة فإنَّ وظيفتَه البناءُ على عدم الركوعِ الثاني، لأنَّ البناءَ على صدورِ الركوعِ الثاني منه موجبٌ لفساد الصلاة، فكلُّ موردٍ يكونُ فيه البناءُ على الأكثر مُوجبًا للفساد ويكون فيه البناءُ على الأقلِّ مصحِّحاً للصلاة تكون فيه الوظيفةُ هي البناءَ على الأقل.

وهكذا لو كان البناءُ على الأكثرِ مُوجبًا لكلفةٍ زائدةٍ كسجدتي السهو فإنَّ الوظيفةَ تكون هي البناء على الأقل، فلو وقع الشك بين الأربع والخمس بعد الدخول في الركوع فإنَّ الوظيفةَ هي البناء على الأربع وإتمام الصلاة، وذلك لأنَّ الاعتناء بالشكِّ في هذا الفرض يقتضي الإتيان بسجدتي السهو وهي كلفةٌ زائدة، فلأنَّه كثيرُ الشكِّ فإنَّ هذه الكلفةَ منفيةٌ عنه.

وبما ذكرناه يتبيَّن أنَّ المرادَ من القاعدة هو الحكمُ بوجود المشكوك لو كان عدمُه موجبًا للفساد أو الكلفةِ الزائدة، ولو كان وجود المشكوك موجبًا للفساد أو الكلفة الزائدة فالحكم هو البناء على عدم وجود المشكوك.

فلو شكَّ كثير الشك أنَّه ركع أو لم يركع فإنَّ وظيفته البناء على أنَّه ركع لأنَّ عدم الركوع موجبٌ للفساد، ولو شكَّ انَّه سجد سجدةً أو سجدتين فإنَّ وظيفته البناء على السجدتين لأنَّ البناء على الواحدة يستلزم كلفةً زائدة وهي الإتيان بسجدةٍ أخرى، فلأنَّه كثيرُ الشك فوظيفتُه هي البناءُ على أنَّه أتى بالسجدتين.

ولو شكَّ أنَّه جاء بركعتين أو ثلاث في صلاة الصبح فوظيفتُه هي البناءُ على عدم الإتيان بالثالثة لأنَّ وجودها موجبٌ للفساد لذلك فالوظيفةُ هي البناء على عدمها، ولو شك بين الأربع والخمس فإنَّ وظيفته البناء على التمامية وعدم الخامسة لأنَّ الاعتناء بهذا الشك يستلزم كلفةً زائدة وهي صلاة الاحتياط أو سجدتا السهو.

هذا ويتحدَّد عنوان كثير الشك بواسطة الصدق العرفي وأدنى ما يتحقَّق به هذا العنوان هو وقوعُ الشك مرَّةً واحدة في كلِّ ثلاث صلوات متواليات.

وأمَّا مدركُ هذه القاعدة فهو الرواياتُ الواردة عن أهل البيت (ع):

منها: معتبرة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: "إِذَا كَثُرَ عَلَيْكَ السَّهْوُ-الشك- فَامْضِ فِي صَلَاتِكَ فَإِنَّه يُوشكُ أَنْ يَدَعَكَ، إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ"(1).

ومنها: موثَّقة عمَّار عن أبي عبدالله (ع) في الرجل يكثرُ عليه الوهمُ في الصلاة فيشكُّ في الركوع فلا يدري أرَكَعَ أم لا، ويشكُّ في السجود فلا يدري أسَجَدَ أم لا ؟ فقال (ع): "لا يسجدُ ولا يركعُ ويمضي في صلاتِه حتى يستيقنَ يقينا"(2).

ومنها: ما رواه محمد بن أبي حمزة عن الصادق (ع) قال: "إذا كان الرجلُ ممَّن يسهو في كلِّ ثلاث فهو ممَّن كثُر عليه السهو"(3).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص359.

2- الاستبصار -الشيخ الطّوسيّ- ج1 / ص362.

3- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصّدوق- ج1 / ص339.