التذكية بغير الحديد

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل يشترط في وقوع التذكية على الحيوان أنْ يكونَ ذبحُه بالحديد أم يكفي ذبحُه بأيِّ آلةٍ حادَّة ولو كانت من غير مادَّة الحديد؟ وبناء على اعتبار مادَّة الحديد في آلة الذبح هل يُجزي الذبح بالحديد المختلط بمادَّة أخرى كمادَّة الكروم المُعبَّر عنه بالاستيل أو لا يُجزي إلا الحديد الخالص؟

 

الجواب:

المشهورُ بين الفقهاء هو اعتبارُ أنْ يكونَ الذبحُ بالحديد وأنَّه لا تقعُ التذكية ما لم يكن الذبحُ بالحديد مع الامكان، نعم تقع التذكيةُ بغير الحديد من الأدوات الحادَّة عند عدم القدرةِ على الذبح بالحديد.

 

واستُدلَّ لاشتراط الذبح بالحديد بمجموعة من الروايات، وفيها ما هو معتبرٌ سنداً:

 

منها: صحيحةُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنِ الذَّبِيحَةِ بِاللِّيطَةِ وبِالْمَرْوَةِ فَقَالَ: "لَا ذَكَاةَ إِلَّا بِحَدِيدَةٍ".

 

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: سألتُه عن ذبيحةِ العود والحجَر والقصَبة قال: فقال عليٌّ (ع): "لا يصلحُ الذبحُ إلا بحديدة".

 

ومنها: معتبرة أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) أَنَّه قَالَ: "لَا يُؤْكَلُ مَا لَمْ يُذْبَحْ بِحَدِيدَةٍ".

 

ومنها: موثَّقة سماعة بن مهران قال: سألتُه عن الذكاة؟ فقال: " لا تُذكِّ إلا بحديدةٍ، نهى عن ذلك أميرُ المؤمنين (ع)".

 

وثمة رواياتٌ أخرى بنفس المفاد،

 

وأمَّا مادلَّ على جواز الذبح بغير الحديد عند عدم القدرة على الذبح بالحديد فمجموعةٌ من الروايات:

 

منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال: "لا بأس أنْ تأكلَ ما ذُبح بحجرٍ إذا لم تجدْ حديدة".

 

ومنها: معتبرة زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِه سِكِّينٌ أيَذْبَحُ بِقَصَبَةٍ؟ فَقَالَ: "اذْبَحْ بِالْقَصَبَةِ وبِالْحَجَرِ وبِالْعَظْمِ وبِالْعُودِ إِذَا لَمْ تُصِبِ الْحَدِيدَةَ إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وخَرَجَ الدَّمُ فَلَا بَأْسَ".

 

ومنها: رواية محمد بن مسلم قال: قال: أبو جعفر (ع): في الذبيحة بغير حديدة قال: (ع) "إذا اضطررتَ إليها فإنْ لم تجد حديدةً فاذبحها بحجرٍ".

 

الذبحُ بالاستيل:

وأمَّا الذبحُ بالاستيل فلأنَّه من غير المُحرَز صدقُ عنوان الحديد عليه لذلك لا تصحُّ التذكية به مع الامكان.

 

وبتعبير آخر: التمسُّك باطلاق جواز الذبح بالحديد لاثبات صحَّة وقوع التذكية بمادَّة الاستيل من التمسُّك بالعام في الشبهات المفهوميَّة، إذ أنَّ مفهوم الحديد مشتبَهٌ من حيثُ السعة والضيق، ولأنَّ العمومات لا تصلحُ لتنقيح موضوعاتِها وتحديدِ دائرة ما تصدقُ عليه كان مقتضى الصناعة في مورد البحث هو الرجوع إلى الأصل في المقدار غير المُحرَز صدقُ عنوان الحديد عليه، والأصلُ الجاري في المقام هو أصالةُ عدم التذكية المقتضية لحرمة ما تمَّ ذبحُه بمادَّة الاستيل.

 

هذا لو كان الظاهر من عنوان الحديدة الوارد في الروايات هو خصوص المعدن المعروف، أمَّا لو كان المُستظهَر من الروايات أنَّ المراد من الحديدة هو الآلة الحادَّة المتخذة للذبح والفري والقطع والقتل بقطع النظر عن جنس المعدن المتَّخذة منه، فلو كان ذلك هو المستظهَر من الروايات فإنَّه لا تصل النوبة للرجوع إلى أصالة عدم التذكية بل يُتمسك باطلاق الروايات للبناء على تحقُّق التذكية بمطلق ما يُعدُّ عرفاً للقطع والذبح والفري سواءً كان متَّخذاً من معدن الحديد محضاً أو مختلطاً بل يصحُّ التمسك باطلاق الروايات لتصحيح التذكية بمطلق الآلة الحادَّة المعدَّة للذبح حتى لو كانت متَّخذة من معادن أخرى غير معدن الحديد كالنُحاس والصفْر والرصاص والذهب، فالمناط فيما تصحُّ به التذكية هو مطلق ما أُعدَّ عرفاً آلةً للذبح والقطع كالسكين والسيف والخنجر والمشقص.

 

فذلك هو المستظهر من تطابق الروايات على استعمال كلمة الحديدة بدلاً من كلمة الحديد والذي قد يدَّعى ظهوره في إرادة معدن الحديد والذي هو من الأسماء الجامدة غير المشتقة، وهو غير مرادٍ جزماً بقطع النظر عن حدَّته وقابليته للقطع، ولذلك لا تصحُّ التذكية بمثل عمود الحديد أو الصفيحة من الحديد نظراً لعدم قابليَّة مثلهما للقطع .

 

فكلمة الحديدة وإنْ كانت تُستعمل في القطعة من معدن الحديد ولكنَّ مناسبات الحكم والموضوع تقتضي استظهار أنَّ المراد من الحديدة في الروايات هو المعنى الاشتقاقي أي الآلة الحادَّة وليس القطعة من الحديد لأنَّه ليس كلُّ قطعةٍ من الحديد قابلة للذبح والفري، فما ليس قابلاً لذلك ليس مراداً جزماً.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور