تحويلُ القبلةِ إلى جِهة الكعبة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

عندما يسرد العلماء قصة مسجد القبلتين وتحويل القبلة فيه، فإنَّهم يقولون بأنَّ النبيَّ (ص) كان يُصلّي جماعة بالمسلمين في هذا المسجد عندما أتاه جبرئيل (ع) وأخذ بيدِه وحوَّله من جهةِ المسجد الأقصى إلى جهة المسجد الحرام.

 

فما مدى صحَّة ما يقال من أنَّ تحويل القبلة وقع في أثناء الصلاة؟ وإنْ صحَّ ذلك، فمن المعلوم أنَّ الزاوية بين بيت المقدس والكعبة في ذلك المكان تقاربُ 180 درجة، أي أنَّه في الجماعة إذا استدار الجميع 180 درجة بدون أنْ يمشي أحد، سوف يصبحُ الإمامُ واقفًا في الخلف والمأمومون أمامَه. فكيف تمَّ ذلك؟!

 

الجواب:

روى الشيخ الصدوق في الفقيه أنَّه ".. لمَّا صلَّى النبيُّ (ص) من الظهرِ ركعتين جاءه جبرئيل فقال: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾(1) ثم أخذ بيد النبيِّ (ص) فحوَّل وجهَه إلى جهة الكعبة وحوَّل مَن خلفه وجوهَهم حتى قام الرجالُ مقامَ النساء، والنساءُ مقامَ الرجال، فكان أولُ صلاتِه إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة"(2).

 

ومفادُ الرواية أنَّه بعد تحويل جبرئيل (ع) وِجهةَ النبيِّ (ص) إلى جهةِ الكعبة تحوَّل مَن خلفَه فتراجعتِ النساء فأصبحتْ في مكان الرجال وأصبحَ الرجالُ في مكان النساء، وهذا معناه أنَّ النبيَّ (ص) ومَن كان خلفَه من الرجال استدبروا ما كانوا مستقبلينَه وهو يستلزم المشي أثناء الصلاة كما ذكرتُم إلا أنَّ ذلك لا يضرُّ بصحَّة الصلاة بشرط أنْ لا يأتوا بالأذكار والقراءة أثناء المشي لغرض التوجُّه إلى القبلة الجديدة.

 

فالرجالُ استقبلوا الكعبةَ، ومعنى ذلك أنَّهم بعد أنْ استقبلوها تحرَّكوا إلى الأمام والنساء بعد أنْ استقبلنَ الكعبة واستقبلَها الرجال أصبحت ظهورهن في وجه الرجال فتراجعن إلى خلف الرجال، فالرجالُ تحرَّكوا إلى الأمام والنساء تحركنَ إلى الخلف، ومعنى ذلك أنَّ النبيَّ (ص) سار إلى الخلف حتى صار ظهرُه إلى ظهور النساء قبل أنْ يستقبلنَ الكعبة فلمَّا توجَّهنَ إلى الكعبة صارتْ وجوهُهُنَّ إلى ظهر النبيِّ (ص) ثم تراجعنَ إلى خلفِ الرجال وتقدَّم الرجالُ أمامهنَّ، فهذا هو المُستظهر مِن الرواية.

 

هذا وقد روى الشيخ الطوسي في التهذيب بسندٍ صحيح عن وهيب عن أبي بصير، عن أحدهما (عليه السلام) -في حديث- قال: قلتُ له: إنَّ الله أمرَه أنْ يُصلِّي إلى بيت المقدس؟ قال: نعم، ألا ترى أنَّ الله يقولُ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾(3) ثم قال (ع): إنَّ بني عبد الأشهل أتَوهمْ وهم في الصلاة قد صلُّوا ركعتين إلى بيت المقدس، فقيل لهم: إنَّ نبيَّكم صُرف إلى الكعبةِ فتحوَّل النساءُ مكانَ الرجال، والرجالُ مكانَ النساء، وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبةِ، فصلُّوا صلاةً واحدة إلى قبلتين، فلذلك سمِّي مسجدُهم مسجدَ القبلتين"(4).

 

وهذه الرواية لا تختلفُ عن سابقتِها من جهة بيان كيفيَّة التحوُّل، وهي تدلُّ على أنَّ مسجد القبلتين إنَّما سُمِّي بذلك لأنَّ أهلَه قد صلُّوا إلى القبلتين في فريضةٍ واحدة.

 

ثم إنَّه ليس بين الروايتين تنافٍ، فالمسجدُ الذي كان يصلِّي فيه النبيُّ (ص) فجاءه الأمرُ بالتحوُّل إلى جهة الكعبة قد لا يكون هو مسجد القبلتين بل هو المسجد النبويُّ الشريف وإنَّما أُطلق مسجد القبلتين على مسجد بني عبد الأشهل لأنَّهم أوَّل من تحوَّلوا في صلاتهم إلى جهة الكعبة بعد تحوَّل النبيِّ (ص) إليها في مسجده.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة البقرة / 144.

2- من لا يحضره الفقيه -الشّيخ الصّدوق- ج1 / ص275.

3- سورة البقرة / 143.

4- تهذيب الأحكام -الشّيخ الطّوسيّ- ج2 / ص44.