الحكمة من قتل المرتد

المسألة:

ما الحكمة من الحكم بقتل المُرتد؟

 

الجواب:

تارة تَعرضُ شبهةٌ لمسلمٍ فيكفرُ بدين الإسلام فيما بينه وبين نفسِه دون أنْ يطَّلِع على ارتدادِه أحدٌ، فهنا لن يكونَ عُرضةً للقتلِ والمساءلة، فهو حينئذٍ في سعةٍ من جهة البحث عمَّا يرفعُ شبهتَه أو يؤكِّدُها.

 

وتارةً يجهرُ بارتدادِه وبكفرِه بدين الإسلام، وهذا لايتَّفقُ إلا لناقمٍ يبتغي إدخال الوهن على الدين وإثارةِ الشبهات من أجل التضليل للبسطاء من الناس، إذ لا مبرَّرَ لمجاهرتِه بالإرتداد إلا ذلك وإلا لو كان منشأُ ارتداده هو قناعتُه الشخصيَّة لاحتفظ بقناعته لنفسِه وحينئذٍ لن يطَّلع على ارتداده من أحدٍ، فلن يكون عرضةً للمساءلة.

 

فالجهرُ بالارتداد ينشأ غالبًا أو دائماً عن قصد الاقناع لآخرين لكي يسلكوا مسلكَه، فتراه يجهدُ من أجلِ التبرير لقناعاتِه، وذلك ما يقتضي العمل على التوهين لدين الإسلام وقرآنِه ونبيِّه (ص) والتسفيهِ بأحكامه وشرائعِه ومعتقداته.

 

وبمقتضى طبع الناس فإنَّ التسفيه والتوهين لمُعتَقدٍ أو نظام إذا صدر ممن يُعدُّ من أهلِه فإنَّه يكون أبلغَ في التأثير على ضعفاء أهل ذلك المُعتَقد وأبلغ في النكاية من قِبَل أعدائهم، فهم يسعون من أجل توظيفِه لتحصين معتقداتِهم والعمل في ذات الوقت على زعزعةِ إيمان أهل ذلك المُعتَقد بدينهم، وقد أشار القرآنُ الكريم لذلك في قوله تعالى: ﴿وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(1).

 

فهم يُدركون مدى تأثير رجوع الناس أو بعضِهم عن دينهم، ولهذا تبانى أهلُ الكيد منهم على التظاهر بالايمان بدين الإسلام ثم الخروج منه لغرض إحداث هزَّةٍ في إيمان المسلمين بدينِهم، إذ أنَّهم سيروِّجون لدعوى أنهم دخلوا الإسلام لأنَّه لا عِداء لهم مع الإسلام إلا أنَّهم لما وجدوه منافيًا في أحكامِه و شرائعه ومعتقداتِه لما يقتضيه التعقُّل خرجوا منه. وحينئذٍ سوف تتزلزل معتقداتُ ضعفاءُ المسلمين في دينهم ويتعزَّز بذلك الدين الذي رجعوا إليه بعد خروجِهم من دين الإسلام.

 

فالمرتدُّ الذي يجاهر بارتداده لا غرض له سوى التبرير لموقفِه والتّعزيز لمتبنياته التي نشأ عنها ارتدادُه، وهذا ما يُساوق السَّعي من أجل النَّيلِ من معتقدات الدِّين الإسلاميِّ والنَّيل من نبيِّه (ص) وقرآنِهِ وأحكامِه وشرائِعه.

 

ولو كان البناء هو التّغاضي عن أمثال هؤلاء لاسْتثمرَ أعداءُ الإسلام ذلك بأنْ يُوعِزوا إلى سفهاء المسلمين أو لمَن تأثَّر بضلالاتِهم أو لِمنْ لا مبتغى له سوى الدَّنيا، وحينئذٍ يكون دِين الإسلام في معرض التوهين خصوصًا وأنَّ ذلك سوف يتكرَّرُ كثيرًا نظرًا لعدم الرَّادع ونظرًا لاستعداد أعداء الإسلام لبذل نفائس الأموال في هذا الطَّريق.

 

وقليلٌ من التأمُّل في عواقب ذلك سوف نقف على الحكمة من قَطع الإسلام الطَّريق على أعداء الدِّين في ذلك، فهُمْ حين يُدركون أنْ لا سبيل إلى إقناع أحدٍ بالمجاهرة بالارتداد لأنَّ أحدًا لا يُجازِف بحياته فإنَّهم سوف يُدركون أنَّ بابًا من أبواب التضليل قد انغلق دونَهم، ولو كان منفتحًا لأحسنوا توظيفَه، ولذلك فهم كانوا ومازالوا يبذلون قصارى الجهد من أجل كسر الطَّوق والأقفال عنه تحت شعار حريَّة التَّعبير وشعار الإرهاب. ونظرية المؤامرة والحريَّة الشخصيَّة وغيرها من الشعارات البرَّاقة التي تُخفي ورائها كيدًا للدِّين وأهله.

 

ولعلَّنا في فرصةٍ لاحقة نتمكَّن من بسط البحث حول هذا الموضوع.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة آل عمران / 72.