كيف يُجلِّي النهارُ الشمس وهي مصدره؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

السلام عليكم .. في سورة الشمس يقول اللهُ تعالى: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾(1) فالهاء عائدة على الشمس، والسؤال: كيف يُجلّي النهارُ الشمسَ؟ والنهارُ أساسًا أصلُه من الشمس .. والشمس هي التي تُجلِّي النهار؟!

الجواب:

ضميرُ الغائب المؤنَّث في قوله تعالى: ﴿جَلَّاهَا﴾ لا يتعيَّن عودُه على الشمس بل الأرجح عودُه على ظلمة الأرض أو الدنيا، فيكون معنى قوله تعالى: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾ هو: أُقسم بالنهار إذا جلَّى الظلمةَ عن الأرض أي إذا كشف الأرض وما عليها للأبصار وذلك بإزالته للظلمة المانعة من الرؤية.

فضميرُ الهاء في ﴿جَلَّاهَا﴾ عائدٌ على اسمٍ غيرِ مذكور، وذلك لوضوحه من سياق الآية وبداهة أنَّ ما يُجلِّيه النهار هي الظلمة المكتنفة بالأرض، فاستغنى بالوضوح عن الحاجة للتصريح بمرجع الضمير.

وهذا متعارَفٌ في استعمالات العرب فيُقال مثلاً: "أرسَلَتْ المطر" فضمير المؤنَّث وهي التاء عائدُ على السماء رغم أنَّ هذا الاسم غيرُ مذكور. وكذلك يُقال: "هبَّتْ شمالاً" ويُريدون من ذلك الريح، فمرجعُ الضمير المؤنَّث -وهي الريح- غيرُ مذكور، وذلك لوضوح إرادته عند متلقِّي الخطاب.

وهكذا يُقال: "وضَعتْ أوزارها" ويقصدون الحرب، ويُقال: "انجبَتْ لنا ولداً ذكراً" ويُراد من الضمير الزوجة رغم أنَّ الحرب لم تُذكر في الفقرة الأولى. والزوجة لم تُذكر في الفقرة الثانية.

ولو قبلنا بأنَّ الضمير في ﴿جَلَّاهَا﴾ عائدٌ على الشمس فليس من محذورٍ في ذلك، إذ أنَّ المراد من النهار هو الضوء، لأنَّ تعاقب الليل والنهار ليس شيئاً آخر غير تعاقب النور والظلمة، فهما -أعني الليل والنهار- لا يُغيِّران من واقع الدنيا شيئاً سوى أنَّ الدنيا يكتنفُها الظلامُ في ظرف الليل، ويكتنفُها الضياء في ظرف النهار.

فالمرادُ من النهار هو الضياء والمراد من الشمس هو جُرم الشمس، ولا ريب في أنَّ الضياء هو ما يكشف للأبصار عن جرم الشمس، فالشمسُ وإنْ كانت هي مصدرُ الضوء "النهار" ولكنَّ الضوء هو الذي يكشفُ للأبصار عن جُرم الشمس كما هو الشأن في المصباح، فهو مصدر الضوء، وضوؤه يكشفُ للأبصار عن موضع المصباح وهيئته وحجمه، فلو كان المصباحُ مُطفئاً في الظلمةِ الدامسة فإنَّ العين لا تُبصرُه ولكنْ حين يشتعلُ المصباح يكشفُ للأبصار عن وجوده وموضعِه وصورته، فالمُصباحُ وإنْ كان مصدراً للضوء إلا انَّ ضوءه كان سبباً للتعرُّف على وجوده وتشخيص موضعه وصورته، ولذلك يُقال المُصباح علَّةٌ لوجود الضوء، والضوءُ كاشفٌ عن وجود المصباح، كما يُقال: الله جلَّ وعلا علَّةٌ لوجود الكون، والعلم بوجود الكون كاشفٌ عن أنَّ الله تعالى موجود، فألأثر وإنْ كان معلولاً للمؤثِّر إلا أنَّ العلم بالمعلول وهو الأثر يكشفُ عن وجود العلَّة والمؤثِّر.

فمعنى قوله تعالى: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾ هو القسم بضوء النهار المجلِّي والكاشف عن جُرم الشمس، فلولا ضوءُ الشمس وهو النهار لما تعرَّفنا على موضع الشمس وهيئتها ومسارها.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الشمس / 3.