حواءُ لم تُخلق مِن ضلع آدم

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد

المسألة:

ما مدى صحة ما يقال: إنَّ حواء خُلقتْ من ضلعٍ من أضلاع آدم (ع)؟

الجواب:

هذه الدعوى ذهب إليها جمهور المحدِّثين من علماء السنَّة والكثيرُ من مفسِّريهم، وذلك استناداً لرواياتٍ نُسبت للرسول الكريم (ص) وزعم بعضُ مُفسِّريهم أنَّ ذلك هو مدلول قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾(1) بدعوى أنَّ معنى قوله تعالى: ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ هو أنَّه تعالى خلَقَ من نفس آدم (ع) زوجتَه حوَّاء، فحوَّاءُ مخلوقةٌ من نفس آدم أي من بعض أعضائه وهو ضلعُه الأيسر بحسب زعمهم.

وقد تصدَّى أهلُ البيت (ع) لتكذيب هذه الدعوى ونفي انتسابها للنبيِّ الكريم (ص)، فمِّما ورد عنهم في ذلك ما رواه الصدوق بسندٍ معتبر عن زرارة قال: سُئل أبو عبدالله الصادق (ع) عن خلْقِ حوَّاء وقيل له إنَّ أُناساً عندنا يقولون: إنَّ الله عزَّ وجل خلَقَ حوَّاء من ضلع آدم الأيسر الأقصى فقال (ع): "سبحان الله وتعالى عن ذلك علوَّاً كبيرا، أيقولُ مَن يقول هذا إنَّ الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلقُ لآدم زوجةً من غير ضلعه، وجعل للمتكلِّم من أهل التشنيع سبيلاً إلى الكلام، يقول: إنَّ آدم كان ينكحُ بعضُه بعضا إذا كانت من ضلعه، ما لهؤلاء! حكَمَ اللهُ بيننا وبينهم ثم قال (ع): إنَّ الله تبارك وتعالى لمَّا خلق آدم (ع) من الطين وأمر الملائكة فسجدوا له ألقى عليه السُبات -النوم- ثم أبتدَع حوَّاء"(2).

وروى العيَّاشي في تفسيره عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه قال: سألتُ أبا جعفرٍ الباقر (ع) من أيِّ شئٍ خَلقَ اللهُ حوَّاء؟ فقال: أيَّ شيءٍ يقولُ هذا الخلق؟ قلتُ: يقولون: إنَّ اللهَ خلقها من ضلعٍ من أضلاع آدم فقال (ع): كذبوا، كان يُعجزُه أنْ يخلقها من غير ضلعِه؟! فقلتُ: جُعلتُ فداك يا ابن رسول الله (ص) من أيِّ شيءٍ خلقَها؟ فقال: أخبرني أبي عن آبائه (ع) قال: قال رسولُ الله (ص): إنَّ الله تبارك وتعالى قبض قبضةً من طين .. ففضلت فضلةً من الطين فخلقَ منها حوَّاء"(3).

فحوَّاءُ بمقتضى هذه الرواية خُلقت من نفس الطينة التى خُلق منها آدم (ع) ولم تُخلق من ضلعِه، وعلى ذلك تُحمل الروايات التى أفادت أنَّ حواء خُلقتْ من آدم (ع) فمعنى ذلك أنَّها خُلقت من ذات الطينة التى خُلق منها آدم (ع).

وأمَّا الروايات التى اشتملت على دعوى أنَّ حوَّاء خُلقت من ضلع آدم (ع) بعد تكوَّنه وصيرورته إنساناً فهي ساقطة عن الاعتبار سنداً أو جهة.

على أنَّه لا يبعد تسرُّب هذه المقولة إلى التراث الاسلامي من أساطير اليهود الذين أظهروا الاسلام وأخذوا يُروِّجون لثقافاتهم واسرائيلياتِهم تحت غطاء أنَّها مرويَّة عن الرسول الكريم (ص)، والذي يُؤيِّد ذلك هو أنَّ دعوى تخلُّق حوَّاء من ضلع آدم (ع) مذكورة في التوراة في سفر التكوين(4).

وأمَّا الاستدلال على الدعوى بقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ فهي غيرُ ظاهرةٍ في أنَّ حوَّاء خُلقت من آدم (ع)، والذي هي ظاهرة فيه جدَّاً هو أنَّ الله تعالى خلَقَ البشر من آدم وهو معنى قوله تعالى: ﴿مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ وخلق من نوع هذه النفس زوجها وهي حوَّاء، فحوَّاءُ خُلقت من ذات النوع والطبيعة التى خُلق منها آدم (ع) فحرفُ الجر "مِن" في قولِه تعالى ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا﴾ بيانيَّة إي لبيان الجنس وليست تبعيضيَّة.

فمعنى حرف الجرِّ في الآية المباركة هو نفسُه معنى حرف الجرِّ في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾(5) فمعنى قوله تعالى: ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ﴾ هو أنَّه تعالى خلَق من طبيعة ونوعِ هذا المني الذَّكَرَ وَالْأُنثَى.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة النساء / 1.

2- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج1 / ص17.

3- تفسير العياشي -محمد بن مسعود العياشي- ج1 / ص216.

4- راجع تفسير المراغي ج7 / ص118.

5- سورة القيامة / 37-39.