كانت فاطمة (ع) محدَّثة
المسألة:
ما معنى هذه الفقرة الواردة في زيارة السيدة فاطمة (ع): "السلام عليكِ أيَّتها المحدَّثة العليمة"؟
الجواب:
كانت السيدة فاطمة (ع) محدَّثة أي كانت تُحدِّثها الملائكة، وقد نصَّت على ذلك رواياتٌ كثيرة من طرقنا تفوق حدَّ الاستفاضة، وذلك ما يُوجب الاطمئنان بصدورها، هذا مضاف إلى أنَّ بعض هذه الروايات معتبر سندًا.
فمن هذه الروايات ما رواه الطبري في دلائل الإمامة بسنده عن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: "سُمِّيت فاطمة محدَّثة لأنَّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تُنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة، إنَّ الله اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربِّك .. وتُحدِّثهم ويُحدِّثونها .."(1).
ومنها: ما ورد في كتاب الكافي للكليني بسندٍ معتبر عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (ع) ورد فيه ".. إنَّ فاطمة مكثت بعد رسول الله (ص) خمسة وسبعين يومًا وكان قد دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرئيل (ع) يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها، ويُطيِّب نفسها، ويُخبرها عن أبيها ومكانه، ويُخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان عليٌّ (ع) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (ع)"(2).
وليس حديث الملائكة لفاطمة (ع) بدعًا في تاريخ الرسالات، فثمة نساء حدَّثتهُنَّ الملائكة رغم عدم كونهنَّ أنبياء، وقد نصَّ القرآن الكريم على ذلك.
فالسيدة مريم (ع) لم تكن من الأنبياء ورغم ذلك ورد في آياتٍ عديدة أن الملائكة كانت تحدثها.
فمن هذه الآيات قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾(3)، وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ ..﴾(4).
وكذلك زوجة إبراهيم الخليل (ع) أفادت بعض الآيات أنَّ الملائكة حدَّثتها، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا .. وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ / قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ / قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾(5).
فالآية المباركة صريحة في أنَّ الملائكة حَدَّثت زوجة إبراهيم (ع) وبشروها بإسحاق ومن بعد إسحاق يعقوب، أي أنَّهم أخبروها بأمرٍ هو في مكنون الغيب، ولمَّا استعظمت ذلك نظرًا لتقَدُّم سنِّها وشيخوخة زوجها إبراهيم (ع) أجابوها بأنَّ ذلك من أمر الله تعالى الذي لا يمنع منه شيء، وأنَّ ذلك من فيضه ورحمته التي خَصَّ بها أهل هذا البيت. فهو الحميد الذي يُفيض محامده على مَن يشاء خصوصًا على مَن أخلص له وكان من الدعاة إليه.
فالآية المباركة تُعبِّر بجلاء أنَّ السيدة سارة زوجة ابراهيم (ع) كانت تُحدِّثهم وكان ملائكة الله يحدِّثونها.
فإذا كان هذا شأن زوجة إبراهيم (ع) فلماذا نستكثرُ على السيِّدة فاطمة (ع) هذا المقام السامي بعد أنْ وصفها رسولُ الله (ص) في موارد عديدة كما نصَّ على ذلك الفريقان بأنَّها سيدةُ نساء العالمين وأنَّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها، وقد جعل مودَّتها أجرًا لرسالة نبيِّه (ص) وكانت فيمن باهَلَ بهم نبيُّه (ص) نصارى نجران وكانت فيمَن مدحهم الله تعالى في سورة الإنسان في قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا / وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا / إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا / إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا / فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا / وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا .. إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا﴾(6).
وقد كانت بإجماع المسلمين فيمَن نزلت فيهم آيةُ التطهير وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾(7).
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- دلائل الامامة -محمد بن جرير الطبري ( الشيعي)- ص80.
2- الكافي -الشيخ الكليني- ج 1 ص 241.
3- سورة آل عمران / 45.
4- سورة آل عمران / 42.
5- سورة هود / 69-73.
6- سورة الإنسان / 7-22.
7- سورة الأحزاب / 33.