سند دعاء: "اللهم عظم البلاء وبرح الخفاء"

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل لدعاء: "اللهمَّ عظم البلاء وبرح الخفاء وضاقت الأرض ومُنعت السماء .." هل لهذا الدعاء سندٌ معتبر وعمَّن يُروى هذا الدعاء؟

الجواب:

أورد هذا الدعاء الشهيدُ الأول في كتابه المزار ونسَبه إلى الإمام الحجَّة (ع) إلا أنَّه لم يذكر سندَه إليه، ونقله صاحبُ البحار عن الشيخ المفيد رحمه الله تعالى، وأورده ابن طاووس في كتابه جمال الاسبوع باختلافٍ يسير إلا أنَّه لم ينسبه لأحدٍ، وأورده الشيخُ البهائي في كتابه جامع عباسي وأفاد أنَّه يُقرأ بعد زيارة الإمام صاحب الزمان (ع) وصلاة ركعتين(1).

وأفاد الميرزا محمد تقي الأصفهاني في كتابه مكيال المكارم نقلاً عن الميرزا حسين النوري أنَّه نقل في كتابه جنَّة المأوى عن كتاب كنوز النجاح للشيخ الجليل أمين الإسلام فضل بن الحسن الطبرسي صاحب التفسير أنَّ هذا الدعاء علَّمه صاحبُ الزمان (ع) أبا الحسن محمد بن أحمد بن أبي الليث رحمه الله تعالى في بلدة بغداد في مقابر قريش، وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش والتجأ إلى الإمام صاحب الزمان (ع) من خوف القتل فنجا ببركة هذا الدعاء ثم قال: قال أبو الحسن المذكور: أنَّه صلوات الله عليه علَّمني أنْ أقول: "اللهمَّ عظم البلاء وبرح الخفاء .."(2).

فالسند إلى راوي الدعاء معتبر حيثُ ينقلُه الميرزا النوري في جنَّة المأوى وكذلك في كتابه دار السلام عن كتاب كنوز النجاح للشيخ الطبرسي، ولا ريب في صحَّة نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان، فقد نسبه إليه السيد ابنُ طاووس ونقل عنه الشيخ إبراهيم الكفعمي في الجنَّة المعروفة بالمصباح وحواشيها. أفاد ذلك الشيخ النوري في خاتمة المستدرك(3) ويظهرُ من كلام الشيخ النوري في خاتمة المستدرك(4) أنَّ نسخةً من هذا الكتاب كانت عنده.

نعم الكلام فيمَن يروي الدعاء عن الإمام الحجَّة(ع) مباشرة وهو أبو الحسن محمد بن أحمد بن أبي الليث حيثُ لم نقف له على توثيق في كتب الرجال إلا أنَّ استناد الطبرسي إليه في الجزم بكون الدعاء لصاحب الزمان (ع) حيثُ قال: "دعاءٌ علَّمه صاحب الزمان عليه سلام الملك المنَّان أبا الحسن محمد بن أحمد بن أبي الليث رحمه الله تعالى .."(5) مضافاً إلى ترحمُّه عليه مشعرٌ بوثاقة الرجل عنده، وكذلك فإنَّ المُستقرَب من هذه العبارة أنَّ الشيخ الطبرسي معاصرٌ للرجل أو أنَّه أحرز حسَّاً ما كان قد نقله عنه، واحتمال أنَّه أحرز ذلك حدساً خلاف الأصل في موارد دوران الخبر بين الحدس والحس، بمعنى أنَّه لو لم يكن معاصراً لأبي الحسن راوي الدعاء لكان مقتضى وثاقة الشيخ الطبرسي وجلالته أنْ يذكر طريقَه إلى الخبر أو يُعبِّر بما يُعرَف به أنَّه يرويه مرسلاً أو حدساً، فحيثُ إنَّه لم يذكر طريقه لراوي الدعاء ولم يأتِ بما يظهر منه أنَّه يرويه مرسلاً أو حدساً فذلك يقتضي أحد احتمالين، الأول أنَّه كان معاصراً لراوي الدعاء وقد تلقَّى الخبر منه مشافهةً أو أنَّه لم يكن معاصراً له أو كان معاصراً له ولكنَّه لم يتلقَ الخبر منه مشافهة ولكنَّه تلَّقاه بطريقٍ أورثه الجزم بوقوع الحدث المروي.

فبناءً على الاحتمال الأول يكون الخبر معتبراً بلا إشكال وكذلك بناءً على الاحتمال الثاني يكون اعتبار الخبر مُستقرَباً نظراً لاستبعاد اعتماد جزم الشيخ الطبرسي على طريقٍ موهون خصوصاً بعد الالتفات إلى ما دأب عليه العلماء من حرصٍ شديد على عدم نسبة شيءٍ للمعصوم (ع) بنحو الجزم إلا بعد التثبُّت.

وهذا الذي ذكرناه لا يعني البناء على اعتبار الرواية المرسلة المصدَّرة بقال رسول الله (ص) مثلاً أو قال الصادق (ع) فإنَّ ثمة فرقاً بين الأمرين فقول الصدوق مثلاُ قال الصادق (ع) فيه تنبيه على أنَّه يرويه مرسلاً لوضوح بُعد الفاصلة فيكون قد اعتمد على هذه القرينة بخلاف المقام.

وأمَّا ما نقله الشيخ صاحب البحار عن الشيخ المفيد والذي كان متقدِّماً زماناً على الشيخ الطبرسي فلعلَّه كان للشيخ المفيد طريق آخر للدعاء، غير الطريق الذي كان ينتهي إلى أبي الحسن محمد بن أحمد بن أبي الليث. فلا يبعد أنَّ الإمام الحجَّة (ع) علَّم هذا الدعاء غير أبي الحسن المذكور بل إنَّ ذلك هو الأقرب لأنَّ الشيخ المفيد رحمه الله أفاد أنَّ هذا الدعاء يُدعى به بعد صلاة الزيارة للإمام الحجَّة (ع) في سامراء وهذا المعنى لم يرد في ما رواه الشيخ الطبرسي(6).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- جمال الإسبوع -ابن طاووس- ص181، المزار -الشهيد الأول- ص210، جامع عباسي -الشيخ البهائي- ص186، البحار -المجلسي- ج99 / ص119.

2- مكيال المكارم -ميرزا محمد تقي الأصفهاني- ج1 / ص217.

3- خاتمة المستدرك -الميرزا النوري- ج1 / ص386.

4- خاتمة المستدرك -الميرزا النوري- ج3 / ص69.

5- مكيال المكارم -ميرزا محمد تقي الأصفهاني- ج1 / ص217.

6- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج99 / ص119.