هل كانت مارية من أُمَّهات المؤمنين؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

لديّ عدَّة تساؤلات عن شخصيَّة السيدة مارية القبطيَّة:

 

1- من هي؟

2- هل تزوَّجها الرسول (ص)؟

3- وهل تُعتبر من أُمَّهاتِ المؤمنين لقوله تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾؟

4- وماذا عن المزاعم التي تقول بأنَّها تزوَّجت من بعد الرسول الأكرم (ص)؟

 

الجواب:

1- هي السيِّدة مارية بنت شمعون القبطيَّة، وهي إحدى نساء النبيِّ الكريم (ص)، وهي أمُّ ولده إبراهيم (ع) وهي الوحيدة التي أنجبت له بعد السيِّدة خديجة (ع) وهي التي نزل القرآنُ بتطهيرها من حديث الافك بنظر الإماميَّة، والسيِّدة مارية كانت من أصلٍ مسيحي أُهديت إلى النبيِّ (ص) من قِبَل المقوقس عظيم مصر عندما بعث إليه النبيُّ (ص) رسالةً يدعوه فيه إلى الإسلام، وقد بقيت بعد وفاة النبيِّ (ص) خمس سنوات، فكانت وفاتُها في سنة السادسة عشر من الهجرة النبويَّة، فدُفنتْ في البقيع.

 

2- المُستظهر من كلمات الشيخ المفيد رحمه الله في رسالةٍ له حول مارية القبطية أنَّها كانت زوجةً للرسول (ص) وهو الأرجح إلا أنَّ المعروف بين المؤرخين هو أنَّها لم تكن زوجةً لرسول الله (ص) وإنَّما نكحها بملك اليمين أي أنَّها كانت أمةً لرسول الله (ص)(1)، ولو ثبت ذلك فإنَّه لا يضرُّ بمقامها فقد كانت هاجر أمُّ النبيِّ إسماعيل (ع) أمةً لنبيِّ الله إبراهيم (ع).

 

3- بناءً على أنَّ السيِّدة مارية من زوجات الرسول (ص) فهي من أُمهات المؤمنين، أما بناءً على أنَّها من إمائه وليست من زوجاته فالظّاهر أنَّها من أُمهات المؤمنين أيضًا، وذلك لأنَّ الظَّاهر لمناسبات الحكم والموضوع من قولِه تعالى: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾(2)، هو أنَّ منكوحات النبيِّ (ص) في حكم الأُمهات للمؤمنين بقطع النظر عن نوع النكاح أي سواء كانت علقة النكاح بالعقد أو بملك اليمين.

 

فإن المُستظهَر من اعتبار زوجات النبيِّ (ص) أُمهاتٍ للمؤمنين هو التكريم للنبيِّ (ص) ولأنَّ نكاحهنَّ بعده يؤذيه كما أفاد ذلك القرآن الكريم: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾(3).

 

وهذا الملاك يعمُّ المنكوحات بملك اليمين خصوصًا إذا كانت أمُّ ولدٍ له، فإنَّ المُستظهَر عرفًا بعد ملاحظة الملاك المذكور في الآية هو عدم الفرق في مستوى العلقة بين الزّوجة وأُمِّ الولد.

 

والنبيُّ (ص) كما هو ثابت كان قد خصَّ بها نفسه بها وضنَّ بها عمّن سواه منذُ أُهديت إليه، وكانت ذات حظوةٍ متميِّزة عند النبيِّ (ص) حتى أفرد لها منزلاً وهو المُعبَّر عنه بعد ذلك بمشربة أمِّ إبراهيم، وكان يُقسم لها في البيتوته شأنُها شأنُ سائرِ أزواجه، وكانت تلك الحظوة منشأً لغيرة السّيِّدة عائشة حتى قالت: إنَّ غيرتها من سائر أزواج النبيِّ (ص) هي دون غيرتها من السيدة مارية القبطيَّة(4) كما هو ثابتٌ من طرق العامَّة، وقد استاء النَّبيُّ (ص) كثيرًا من قذف المنافقين لها حتى نزل القرآن بطهارتها.

 

كلُّ ذلك يمثِّل قرينة واضحة على أنَّ السيِّدة ماريَّة واجدةٌ لملاك اعتبار أزواج النبيِّ (ص) أمهاتٍ للمؤمنين.

 

4- هذه المزاعم باطلة قطعًا، فلم يذكر أحدٌ ممَّن يُعتدُّ بقوله هذه الدعوى، والسيِّدة مارية تُوفيت بعد وفاة النبي (ص) بخمس سنوات.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- المبسوط -الشيخ الطوسي- ج4 / ص157.

2- سورة الأحزاب / 6.

3- سورة الأحزاب / 53.

4- الطبقات الكبرى -محمد بن سعد- ج8 / ص212.