معنى قولِه: "وآمنُ سخطَه عند كلِّ شرٍّ"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ورد في أحد الأدعية المأثورةِ عن أهل البيت (ع) في تعقيبات شهر رجب قولُه: "يا من أرجوه لكلِّ خير، وآمنُ سخطه عند كلِّ شرٍّ .."(1) كيف لنا أنْ نوجِّه فقرة: "وآمن سخطَه عند كلِّ شر" أليست منافية للأمنِ من مكرِ الله تعالى؟

 

الجواب:

هذه الفقرة من الدعاء المأثور تحتملُ أكثر من معنى:

الأول: أنَّ المراد من قوله (ع): "وآمنُ سخطه عند كلِّ شر" هو رجاء الأمن مِن سخطه تعالى عند كلِّ شرٍ وذنبٍ يتَّفق صدوره، فيكون مساق الفقرتين هو: يا من أرجوه لكلِّ خير ويا مَن أرجو الأمنَ من سخطه عند كلِّ شرٍّ. وهذا المعنى احتمله العلامة المجلسي في مرآة العقول(2).

 

فمفاد الفقرة المذكورة هو رجاء الأمن من السخط، ورجاءُ الأمن من السخط يعني رجاء العفو في المواطن الموجبة للسخط الإلهي، فلا تكون الفقرة المذكورة منافية لما ثبت من حرمة الأمن من مكر الله تعالى لأنَّها لا تعني الأمن من مكر الله تعالى وإنَّما تعني الرجاء والطلب للأمن من مكر الله تعالى وعقوبته. 

 

الثاني: انَّ معنى الأمن من السخط عند كلِّ شر هو الأمن من العذاب الفعلي في كلِّ موردٍ يتَّفق فيه صدور الشرِّ والذنب من العبد، وهذا المعنى استظهره السيد الخوئي في صراط النجاة(3).

 

وعليه يكون مفاد الفقرة المذكورة هو أنَّ من رحمة الله تعالى على عبده هو أنَّه في أمنٍ من عقوبته تعالى عند صدور الذنب، فيكون المؤمن في سعةٍ من ذلك ممَّا قد يُطمعه في التوبة، فهو تعالى لا يُعاجِل المذنب بالعقوبة بل يُمهلُه فلعلَّه يثوبُ إلى رُشده ويتوبُ إلى ربِّه.

 

وبتعبير آخر: هو أنَّ المراد من السخط هو العقوبة، فالأمن من السخط هو الأمن من العقوبة، ومعنى الأمن من العقوبة عند كلِّ شرٍّ هو أنَّ الله تعالى لا يُوقِعُ العقوبةَ والعذابَ على المذنب فورَ اقترافه للذنب، وهذه رحمةٌ من الله تعالى على عباده، فالمُذنب يرتكبُ الذنب على مرأىً من ربِّه وقدرةٍ منه تعالى على مباغتته بالعقوبة لكنَّه تعالى قد جرت سنَّتُه على الأناة والحلم، فهو تعالى يُمهلُ عبده المذنب فلعلَّه يتوب فلا يعود إلى الذنب.

 

والمتحصَّل هو أنَّ معنى قوله: "وآمن سخطه عند كلِّ شرٍّ" هو الثناء على الله تعالى بأنَّه رحيمٌ حليمٌ يأمَن عبدُه المذنب من عقوبته عند ارتكابه للذنب أي في ظرف ارتكابه للذنب. فالأمن من السخط والعقوبة مقيَّد في الدعاء بقوله: "عند كلِّ شر" لا مطلقاً، فلا ينافي ذلك حرمة الأمن من مكر الله تعالى، فإنَّ معنى الأمن من مكر الله تعالى هو الأمن من استدراجه وعقوبته مطلقاً في الدنيا والآخرة، فإنَّه لا يأمَنُ عقوبة الله في الدنيا والآخرة إلا القوم الكافرون، فليس للمذنب إذا تمادى بذنبه فلم يتُب منه أنْ يأمن عقوبة الله تعالى.

 

وممَّا يؤيِّد انَّ المراد من السخط في الدعاء المذكور هو العقوبة وانَّ المراد من الشرِّ هو الذنب هو ما ورد في دعاءٍ آخر قريب الألفاظ من الدعاء المذكور قال: "يا من أرجوه لكلِّ خير ويا مَن آمنُ عقوبته عند كلِّ عثرة"(4).

 

وفي أصول الكافي عن أبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قال بعد أنْ سأله أحدُهم أنْ يُعلِّمه دُعَاءً يدْعُو بِه فَقَالَ (ع): نَعَمْ قُلْ: "يَا مَنْ أَرْجُوه لِكُلِّ خَيْرٍ، ويَا مَنْ آمَنُ سَخَطَه عِنْدَ كُلِّ عَثْرَةٍ ويَا مَنْ يُعْطِي بِالْقَلِيلِ الْكَثِيرَ يَا مَنْ أَعْطَى مَنْ سَأَلَه تَحَنُّناً مِنْه ورَحْمَةً يَا مَنْ أَعْطَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْه ولَمْ يَعْرِفْه صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وأَعْطِنِي بِمَسْأَلَتِي مِنْ جَمِيعِ خَيْرِ الدُّنْيَا وجَمِيعِ خَيْرِ الآخِرَةِ فَإِنَّه غَيْرُ مَنْقُوصٍ مَا أَعْطَيْتَنِي وزِدْنِي مِنْ سَعَةِ فَضْلِكَ يَا كَرِيمُ"(5).

 

فالشرُّ هو العثرة، والأمن من السخط عندها هو الأمن من معاجلة العقوبة عليها عند مقارفتها لا مطلقاً، وتلك رحمةٌ من الله تعالى على عباده يستصلحُ بها أحوالهم ومصائرهم علَّهم يثوبون إلى رُشدهم ويعودون إلى ربَّهم قبل الفوت.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- إقبال الأعمال -السيد ابن طاووس- ج3 / ص211.

2- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول -العلامة المجلسي- ج12 / ص459.

3- صراط النجاة (تعليق الميرزا التبريزي) -السيد الخوئي- ج3 / ص315.

4- الكافي -الشيخ الكليني- ج2 / ص584.

5- الكافي -الشيخ الكليني- ج2 / ص585.