اللِّباس والحياء

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وخاتم النبيين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد, وعلى آله الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. اللهمَّ أخرجنا من ظلمات الوهم وأكرمنا بنور الفهم، وأفتح علينا أبواب رحمتك وانشرْ علينا خزائنَ علومك.

 

معنى قوله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾:

قال اللهُ تعالى في محكم كتابه المجيد:

بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾([1])

صدق اللهُ مولانا العليُّ العظيم

 

ورد في الروايات الشريفة الواردة عن الرسول الكريم (ص) وعن أهل بيته (عليهم السلام) أنَّ المراد من الزينة المأمور باتِّخاذها عند كلِّ مسجد هي الثياب وأمور أخرى([2])، فالثياب هي أجلى مصاديق الزينة التي يتزيَّن بها الإنسان، وهي من مختصَّاته دون سائر خلق الله تعالى، لذلك امتنَّ اللهُ عزَّوجلَّ على الإنسان بنعمة اللِّباس وأفاد أنَّه تعالى أنزلها بمعنى أنَّه أعطاها ومنحَها الإنسان ليشكره، وليستشعر الامتنان لله عزَّوجلَّ عليه فقال تعالى:﴿يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا﴾([3]) ثم قال جلَّ وعلا: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾([4]) فزينةُ المؤمن الظاهريَّة هي لباسُه ورياشه، وزينتُه الحقيقيَّة هي التقوى، فمَن لم يتزيَّن بالتقوى والخشية من الله تعالى والورع عن محارمه فهو عارٍ من كلِّ زينة، لذلك ورد في الدعاء المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام): "اللهم زيِّني بالتقوى وجمِّلني بالنِعَم"([5]).

 

ما نودُّ الحديث حوله في هذه الجلسة يرتبطُ باللباس، فقد أولى الإسلام عنايةً خاصَّة بآداب اللباس وتصدَّى لبيان ما ينبغي للمؤمن أنْ يلبسه من الثياب، وعلى أيِّ هيئةٍ ينبغي أنْ يكون اللِّباس؟ وما هي الأنواع التي لا يسوغُ له لبسُها؟ وما هي الأنواع التي يُكرهُ له أن يتزيَّن بها؟

 

ثمة رواياتٌ كثيرة تصدَّت لمعالجة هذه المسألة وهو ما يُعبِّر عن شدَّة اهتمام الشريعة بهذه القضيَّة،- وسوف يتركَّز حديثُنا عن لباس الرجال- فثمة ثيابٌ أفادت الشريعة أنَّ المؤمن يحرمُ عليه أنْ يلبسَها أو يتزيَّنَ بها، وثمة ثيابٌ أفادت الروايات أنَّه يُكره للمؤمن أنْ يلبسها، وثيابٌ أخرى حُبِّب للمؤمن أنْ يتزيَّن بها.

 

أمَّا ما يحرمُ لبسُه فنُشير إلى مواردَ أربعة منها:

الأول: هو لباسُ الشُّهرة، فيحرم على المؤمن أنْ يلبسَ لباس الشهرة، فما هو المقصود من لباس الشُّهرة؟

 

لباسُ الشهرة هو أنْ يلبسَ الإنسانُ غيرَ المألوف والمتعارَف من اللِّباس بحيثُ يكونُ لبسُه لها موجبًا للفت انتباه الناس والإشارة إليه واستغرابهم من فعله وازدرائهم له، وذلك بأنْ يلبس الرجل لباس المرأة أو تلبسَ المرأةُ اللباس الخاصَّ بالرجال أو يلبسَ الرجل الوجيه اللِّباس الخاص بالصبيان بحيث لو رآه الناس لتعجَّبوا وسخروا منه، لكونه يلبسُ ما لا يلبسه مثله.

 

واعتبار اللِّباس من لِّباس الشهرة قد ينشأ عن نوع القماش أو لونِه أو كيفيَّة تفصيله وخياطته، فقد يكون القماش متعارفًا ولكنَّ كيفية تفصيله وخياطته غير مألوفة ولا مستساغة، وقد تكون خياطته متعارفة ولكنَّ لونّه غير متعارف، كأنْ يلبس الرجلُ ثوبًا ذات لونٍ أو ألوان لم يتعارف بين الرجال اللِّبس لمثلها، فإنَّ ذلك يكون منشًا لاعتبارها من لباس الشهرة، وقد يكون منشأ اعتبار الثياب من لباس الشهرة هو أنَّها فاخرة جدًّا فيكون لبسُها مخالفًا لما هو المتعارف في مجتمعه أو يكون مخالفًا لما هو المتعارف لمثله ووضعه الاجتماعي، وقد ينشأ اعتبار الثياب من لباس الشهرة عن كونها رديئة جدًا أو قذرة بحيث لا يكون لبسها متعارفًا بين الناس أو لا يكون متعارفًا لمثله ووضعه الاجتماعي، كما لو لبس أحدٌ فروًا من جلدٍ متعفِّن مليءٍ بالقمل ومليئٍ بالحشرات أو القذارات حتى يُقال إنَّه زاهدٌ ومتنسِّك أو يلبس الديباج والإستبرق والثياب ذات الألوان والبريق واللمعان والموشاة بالذهب والأحجار النفيسة، فكلُّ ذلك وشبهه يُعدُّ من لباس الشهرة.

 

النصوص التي نهت عن لباس الشُّهرة:

هذا وقد نصَّت العديد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) على ما يقتضي حرمة الارتداء للباس الشهرة، فمن ذلك ما رُوي عن أبي عبد الله الحسين (ع) قال: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا يَشْهَرُه كَسَاه اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِنَ النَّارِ"([6])، فدينُ الإسلام لا يرتضي للمؤمن أنْ يكون محلًا للسخرية كما لا يرتضي له التميُّز عن سائر الناس تميزًا موجبًا للاشتهار.

 

وممَّا ورد في ذلك أيضًا ما رُوي عن أَبي عَبْدِ اللَّه الصادق (ع) قَالَ: "إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى يُبْغِضُ شُهْرَةَ اللِّبَاسِ"([7]).

 

وورد كذلك عن أَبِي عَبْدِ اللَّه الصادق (ع) أنَّه قَالَ: "كَفَى بِالْمَرْءِ خِزْيًا أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا يَشْهَرُه أَوْ يَرْكَبَ دَابَّةً تَشْهَرُه "([8]).

 

كأنْ يلبس ثوبًا أو يركب دابةً تكون منشئًا لاتِّهام الناس له بالجنون أو الحماقة أو اتِّهامهم له بالفسق وقلَّة الحياء والتشبُّه بالسفلة أو تكون منشئًا لاتِّهام الناس له بالرياء والتظاهر بالزهد أو تكون منشئًا لاتِّهامهم له بالكبرياء والتغطرس.

 

التشبُّه بالنساء:

النوع الثاني: ممَّا يحرم لبسه هو أنْ يلبس الرجل لباس المرأة أو لباسًا يُشبهُ لباس المرأة، فقد ورد أنَّ الرسول الكريم (صلَّى الله عليه وآله): "لعن المتشبِّهين من الرجال بالنساء ولعنَ المتشبِّهات من النساء بالرجال، فقال (صلَّى الله عليه وآله) "لعنَ اللهُ المتشبِّهين من الرجال بالنساء والمتشبِّهات من النساء بالرجال"([9]).

 

والتشبُّه بالنساء يكون بالتكسُّر والتأنُّث، ويكون بمثل لبس القميص والسروال والثوب وما يُوضع على الرأس، وما يلبس في الرِجل كالنعال والحذاء، وما يوضع في العنق كالقلادة وما يُلبس في اليد كالأساور والخواتيم، كلُّ ذلك وشبهه يُعدُّ من أنحاء التشبُّه بالنساء فيكون موجبًا للدخول في دائرة اللَّعن النبويِّ -نعوذ بالله تعالى من سخطه- والمراد من اللَّعن هو الطرد من رحمة الله والخذلان وإيكال الإنسان إلى نفسه، ومَن أوكلَه اللهُ إلى نفسِه هلَك.

 

وورد عن الرسول الكريم (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال: "أخرجوهم" يعني المتشبِّهين بالنساء "أخرجوهم من بيوتكم فإنَّهم أقذرُ شيء"([10]).

 

ومعناه النهي عن مجالستِهم ومخالطتهم وأنَّ لمخالطتهم تبعات وعواقب ممقوتة، ورُوي عن عليٍّ (عليه السلام) أنَّه رأى رجلًا به تأنيث في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: اخرُجْ من مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وآله يا لعنةَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال عليٌّ (عليه السلام): سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله يقول: لعنَ الله المتشبِّهين من الرجال بالنساء، والمتشبِّهات من النساء بالرجال"([11]).

 

وثمة روايةٌ أخرى عن الإمام عليٍّ (عليه السلام) قال: "كنتُ مع رسول الله صلَّى الله عليه وآله جالسًا في المسجد حتى أتاه رجلٌ به تأنيث فسلَّم عليه، فردَّ عليه السلام ثم أكبَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله إلى الأرض يسترجعُ ثم قال: مثلُ هؤلاء في أُمَّتي، إنَّه لم يكن مثلُ هؤلاء في أُمَّةٍ إلا عُذِّبت قبل الساعة"([12]).

 

فمعنى قوله (ع) "رجلٌ به تأنيث" هو أنَّه يُشبهُ الإناث إمَّا في لباسه وتصفيف شعره أو في مشيته وحركات جسده، وهذا إمَّا أنْ ينشأ عن التربية الخاطئة كالذي يُنشَّأ في الحلية كما تنشَّأ النساء فيعتادُ على الرقَّة والنعومة وحبِّ التزيُّن ويحاكي النساء في حركاتهن لأنَّه تربَّى في أوساطنَّ أو ينشأ ذلك عن خللٍ في طبيعة خلقه وتكوينه، ومثل هذا لا بدَّ من معالجته وترويضه ليكتسب بالترويض ما يسدُّ الخلل الذي ابتُلي به. فالأمَّة التي تترك مثل هؤلاء على رسْلِهم ودون معالجة تكون في معرض العذاب.

 

وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله فيما رُوي عنه: "لعن اللهُ وأمَّنت الملائكة على رجلٍ تأنَّث، وامرأةٍ تذكَّرتْ، ورجلٍ جلس على الطريق يستهزئ بابن السبيل"([13]).

 

ثلاثة أصناف من الناس لعنَهم الرسولُ (ص) في هذه الرواية، فلعَن رجلًا تأنَّث أي تشبَّه بالإناث في لباسه أو مشيه أو أفعاله، ولعَنَ امرأةً تذكَّرت أي تشبَّهت بالذكور، ولعَن رجلًا يجلسُ في طريق المسلمين يستهزأ بابن السبيل يعني يستهزأ بالمارَّة اللذين يعبرون الطريق.

 

والتشبُّه -كما ذكرنا- لا يختصُّ بالثياب، نعم هو مِن أبرز مظاهر التشبُّه لكنَّه لا يختصُّ به، فلبسُ الرجل -مثلًا- للقلادة التي تلبسُها المرأة يُعدُّ من التشبه، وتصفيف الرجل شعره بالكيفيَّة التي تُصفف بها المرأة شعرها يُعدُّ من التشبُّه، ولبس الرجل خاتمًا يُشبه خاتم المرأة يعدُّ من التشبه، وكذلك لو لبس الرجل نعلًا أو حذاء يُشبهُ نعل المرأة أو حذاءها فهذا يُعدُّ من التشبه، وهكذا فإنَّ من التشبُّه أنْ يمشي الرجل متكسِّرًا كما تمشي النساء، وثمة صور أخرى كثيرة للتشبُّه بالنساء منها كما ورد في الروايات أنْ يلبس الرجل ثيابًا يجرُّها كما نجدُ ذلك شائعًا في أوساط الأولاد، يمشي أحدُهم وثيابه تزحف على الأرض، فقد ورد أنَّ الإمام (ع) رأى رجلًا يجرُّ ثيابه فانزعج لذلك وقال: أكرهُ للرجل أنْ يتشبَّه بالمراة" فاعتبر لبس الثياب الطويلةِ الذيل من التشبُّه بالمرأة.

 

لبس الذهب والحرير:

النوع الثالث والرابع: ممَّا يحرم على الرجل لبسه الذهب والحرير، ولن نتحدَّث عن ذلك طويلًا ولكن نذكرُ لكم روايتين:

 

الأولى: عن عبد الله بن عباس أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله وسلم مرَّ بملأٍ من الصحابة فرأى خاتمًا من ذهبٍ في يد رجلٍ منهم فأشار إليه، فمدَّ الرجلُ يده فنزعَ النبيُّ (ص) الخاتم من يده ورمى به وقال مغضبًا: يعمَدُ أحدُكم إلى جمرةٍ فيضعُها في يده! ثم انصرف([14])، فليس للمؤمن أنْ يلبس كلَّ ما يُعجبُه بل يتعيَّن عليه -بصفته مؤمنًا- أنْ يتثبَّت من كون ذلك مرضيًّا لله تعالى أو أنَّه مِن موجبات سخطِه وسخط رسوله (ص).

 

الثانية: رُوي عن النبيَّ (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال مشيرًا إلى الذهب والحرير: "هذان محرَّمان على ذكور أمتي، دون إناثهم"([15]).

 

ما يُكره لبسه للمؤمن:

بعد ذلك نذكر ما يكره لبسه بنحو الإشارة أيضا قلنا إنَّ ممَّا يكره لبسه الثياب التي يجرُّها لابسُها جرًّا، فقد أفاد أهلُ البيت (عليهم السلام) أنَّ في ذلك محذورين:

 

المحذور الأول: أنَّه من مظاهر الكِبر والخيلاء أو أنَّه قد يُفضي إلى الكبرياء والخيلاء، وهذا هو معنى ما ورد عَنْ الإمام أَبِي جَعْفَرٍ الباقر (ع) أَنَّ النَّبِيَّ (ص) أَوْصَى رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ لَه: إِيَّاكَ وإِسْبَالَ الإِزَارِ والْقَمِيصِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَخِيلَةِ واللَّه لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ"([16])، أي أنَّه لا يحبُّ مظاهر الكبرياء والمخيلة

 

والمحذور الثاني أنَّ ذلك من التشبُّه بالنساء كما ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ فِي الرَّجُلِ يَجُرُّ ثَوْبَه قَالَ: "إِنِّي لأَكْرَه أَنْ يَتَشَبَّه بِالنِّسَاءِ"([17]).

 

فيستحبُّ للرجل تقصير الثياب بمعنى أنْ لا تتجاوز أذيالها قدميه فتجرُّ في الأرض، وقد ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿وثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾([18]) أنَّ معناه وثيابك فقصِّر فإنَّ ذلك أضمن لعدم صيروتها في معرض التنجُّس، ولا يراد من التقصير الحدَّ الذي يُوجب لك الوقوع في السخرية والاستهزاء، وإنَّما هو التقصير الذي يمنعُ من وقوع أذيال الثياب على الأرض فتكون معرضًا للإصابة بالقاذورات والنجاسات.

 

ستة من أخلاق قوم لوط:

ورُويَ عن عليٍّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه قال: ستة من أخلاق قوم لوط: الجلاهق وهو البندق، والخذف، ومضغ العلك، وإرخاء الإزار خيلاء، والصفير، وحل الأزرار"([19]).

 

يعني ستُّ خصال من أخلاق قوم لوط فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال:

الجُلاهق: وهي لعبةُ البندق كانت معروفة والبندق طين مدور يُرمى به لغرض اللعب واللهو.

والخذف: وهو كذلك نوعٌ من اللعب له كيفيَّة خاصَّة معروفة، والخذف معناه الرمي بحصاة أو نواة أو نحوهما تؤخذ بين السبابتين ويُرمى بها.

 

والثالث: مضغ العلك للرجال في المجالس وفي المحافل وفي الأسواق والطرقات، وهو من أخلاق قوم لوط فإنَّهم كانوا يمضغون العلك في مجالسهم ونواديهم.

والرابع: إرخاء الإزار، ومعناه لبس الثياب الطويلة الذيل، ومعنى قوله: "خيلاء" هو أنَّه يلبس الثياب الطويلة للتبختر والكبرياء.

 

والخامس: من أخلاق قوم لوط الصفير

والسادس: حلُّ الأزرار من القباء والقميص يعنِّي أنَّه يمشي بين الناس وصدره مكشوف فذلك كان من أخلاق قوم لوط.

 

الثياب التي عليها صور ذوات الأرواح:

ومن الثياب المكروهة التي يكون عليها الصور والتماثيل، فقد نهت الروايات أنْ يُصلِّي المكلَّف بثوب عليه تماثيل من ذوات الأرواح كالطير والأسد والغنم وصورة إنسان فإنَّ لبس مثل هذه الثياب مكروهٌ كراهةً شديدة، وقد ظهرت في وقتنا الحاضر ظاهرة ربَّما هي أسوأ حالًا من لبس الثياب التي عليها التماثيل، وهذه الظاهرة هي لبس الثياب التي عليها كتابات ورموز وشعارات والتي لا ندري ماذا تعني وإلى ما ترمز، فقد تكون معانيها مسيئة وهابطة، فيمشي الرجل أو الصبي بين الناس وهو يحمل شعار هؤلاء الساقطين أو السفلة دون أنْ يعلم أو يحمل شعارًا يُروَّجُ به لأمر مشينٍ أو مستهجَن وهو لا يعلم. فلا ينبغي للمؤمن العاقل أنْ يرتدي أو يقبل لأبنائه أن يلبسوا ثيابًا عليها شعارٌ أو كتابات لا يعلم ما هو المراد منها.

 

المُحبَّب من الثياب هو ما يناسب مقتضيات الحياء:

ونظرًا لضيق الوقت نُشير في ختام حديثنا بنحو الإيجاز إلى ما ينبغي أنْ يلبسه المؤمن فالذي ينبغي للمؤمن رعايته فيما يلبس هو ما يتناسب مع مقتضيات الحياء والحشمة، فالحياء شعبةٌ من شُعَبِ الإيمان، ومن لا حياء له لا دين له أو لا إيمان له ولا خير فيه

 

وورد عن الإمام الباقر أو الصادق (ع) قَالَ: "الْحَيَاءُ والإِيمَانُ مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ، فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا تَبِعَه صَاحِبُه"([20]).

 

ولذلك ورد أنَّه "إذا لم تستحِ فأفعل أو فاصنع ما شئت"([21])، فالذي يمنع الإنسان من مقارفة المخزيات هو الحياء فإذا فقد الإنسان الحياء فعل ما يشاء.

 

فمِن اللباس المنافي لمقتضيات الحياء والحشمة هو أنْ يلبس ما لا يستر به فخذيه، ولذلك ورد في كتاب الخصال للشيخ لصدوق بإسناده عن عليٍّ (عليه السلام) -في حديث الأربعمائة- قال: فاستتروا، ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه ويجلس بين قوم"([22])، ورُوي عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله) أنَّه قال الفخذ عورة "([23])، أيحبُّ الإنسان أن يكشف عن عورته؟

 

فالفخذُ للرجل وإنْ لم يكن عورةً بالمعنى الفقهي لكنَّه بمنزلة العورة بحسب مقتضيات الخُلق والحشمة، فكما يستحي الرجل من كشف عورته ينبغي له أنْ يستحي من كشف فخذه، فمفاد الرواية أنَّ من مقتضيات كمال الإيمان أنْ لا يكشف المؤمن عن فخذه، بل ورد في بعض الروايات الأمر بأنْ لا يتكشَّف الرجلُ وهو في منزله أمام أطفاله وإخوانه ومحارمه فضلًا عن التكشُّف في الطريق وفي محافل الناس فقد ورد عن أهل البيت(ع) "إذا قعد أحدكم في منزله فليرخي عليه ستره، فإنَّ الله تبارك وتعالى قسَّم الحياء كما قسَّم الرزق"([24]).

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


[1]- سورة الأعراف / 31.

[2]- راجع تفسير نور الثقلين -الحويزي- ج2 / ص18.

[3]- سورة الأعراف / 26.

[4]- سورة الأعراف / 26.

[5]- كامل الزيارات -جعفر بن قولويه- ص53.

[6]- الكافي -الكليني- ج6 / ص445.

[7]- الكافي -الكليني- ج6 / ص445.

[8]- الكافي -الكليني- ج6 / ص445.

[9]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج17 / ص285.

[10]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج17 / ص285.

[11]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج17 / ص284.

[12]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج17 / ص285.

[13]- مستدرك الوسائل -النوري- ج17 / ص122.

[14]- صحيح مسلم ج6 / ص149، مستدرك سفينة البحار -النمازي- ج3 / ص27.

[15]- مستدرك الوسائل -النوري- ج3 / ص209.

[16]- الكافي -الكليني- ج6 / ص456.

[17]- الكافي -الكليني- ج6 / ص458.

[18]- سورة المدثر / 4.

[19]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص44.

[20]- الكافي -الكليني- ج2 / ص106.

[21]- جامع أحاديث الشيعة -البروجردي- ج14 / ص285.

[22]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج5 / ص23.

[23]- جامع أحاديث الشيعة ج6 / ص529.

[24]- جامع أحاديث الشيعة -البروجردي- ج20 / ص200.