عليٌّ (ع) هو الصدِّيق الأكبر
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
قرأتُ في احدى المنتديات التابعة لأهل السنة والجماعة إشكالاً مفاده: إنَّ استدلال الشيعة على أنَّ علياً (ع) هو الصديق الأكبر بحديث عبَّاد في سنن ابن ماجة أنَّه قال: "أنا الصديق الأكبر"(1) لايصح، وذلك لأنَّ الحديث مكذوبٌ على علي (ع) وضعيف عند العلماء بعبَّاد نفسه، فماذا تقولون؟
الجواب:
إنَّ الشيعة لا يستدلُّون على اعتقادهم أنَّ علياً (ع) هو الصدِّيق الأكبر بحديث عبَّاد حتى يسقط دليلُهم بسقوط هذا الحديث سنداً، وإنَّما يستدلُّون على ذلك برواياتٍ متواترة واردة من طرقهم عن الرسول الكريم (ص) وأهل بيته (ع) -وسنشير في نهاية الجواب إلى بعض هذه الروايات- نعم قد يُورد علماءُ الشيعة بعض ما روته كتبُ العامة في ذلك لغرض الاحتجاج والإلزام. هذا أولاً.
ثانياً: إنَّ ابنَ ماجة لم ينفرد بتخريج هذا الحديث -كما قد يُوهمه الإشكال المذكور- بل أخرجه العديد من المحدِّثين من أبناء العامة في مصنَّفاتهم ومجاميعهم الروائية إلا أنَّه وقبل الإشارة إلى أسماء بعض مَن أورد الحديث من محدِّثي العامة وعلمائهم يكون من المناسب نقل تمام الحديث بحسب ما ود في سنن ابن ماجة قال: حدَّثنا محمد بن إسماعيل الرازي، حدثنا عبيد الله بن موسى. أنبأنا العلاء بن صالح، عن المنهال، عن عباد بن عبد الله، قال: قال علي: أنا عبدُ الله، وأخو رسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلم). وأنا الصديق الأكبر. لا يقولها بعدي إلا كذاب. صليتُ قبل الناس لسبع سنين"(2).
وأورد نص هذا الحديث مع اختلافٍ يسير في فقرة: "لا يقولها بعدي"(3) الحاكمُ النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، والنسائي في السنن الكبرى(4), وأورده أيضا في الخصائص(5)، وابن أبي شيبة الكوفي في المصنَّف(6)، وابن أبي عاصم في كتابه السنَّة(7)، وأورده المحبُّ الطبري في الرياض النضرة قال: خرَّجهن الخلعي(8)، وكذلك أورده الضحاك في الآحاد والمثاني(9)، وورد في معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني(10), وفي ذخائر العقبى لأحمد بن عبد الله الطبري قال: خرَّجه الخلعي(11)، وفي كنز العمال للمتقي الهندي قال: -أخرجه- في الخصائص وابن أبي عاصم في السنَّة وأبو نعيم في المعرفة(12)، وفي تاريخ الطبري(13)، وأورده غير هؤلاء في مصنَّفاتهم ومجاميعهم.
وثالثاً: إنَّ دعوى أنَّ الحديثَ المذكور ضعيف السند عند العلماء مجافية لمقتضى الأمانة العلميَّة، إذ لا يصحُّ اطلاق الدعوى بتضعيف العلماء للحديث سنداً والحال أنَّ منهم من صرَّح بصحته، ومنهم من أورده دون أن يُّبين رأيه في سنده، فاِطلاق الدعوى بتضعيف العلماء لسند الحديث فيه إيهام واستغفال للقارئ الذي لا يُتاح له التثبُّت من صدق الدعوى أو كذبها.
وكيف كان فمشأ تضعيف الحديث عند مَن ذهب إلى ضعف سنده هو عبَّاد بن عبدالله الأسدي كما ذكر ذلك الفتني في كتابه تذكرة الموضوعات قال: "وآفته عباد"(14) وكذلك علَّق ابنُ الجوزي في كتابه الموضوعات على سند الحديث بقوله: "وهذا موضوع، والمتَّهم به عبَّاد بن عبد الله. قال علي بن المديني كان ضعيف الحديث. وقال الأزدي: روى أحاديث لا يُتابع عليها"(15) وكذلك فإنَّ الذهبي قال بضعف عبَّاد.
وفي مقابل دعوى الضعف لسند الرواية ذهب آخرون إلى أنَّها صحيحة الأسناد بل هي صحيحة على شرط الشيخين البخاري ومسلم كما أفاد ذلك الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين. وقال الحافظ البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة: هذا إسناده صحيح رجاله ثقات ج1 / ص20.
ثم إنَّ ابن حبان وثَّق عبَّاد بن عبدالله(16)، قال سبط ابن العجمي ضمن تعليقه على الرواية في كتابه الكشف الحثيث: "وإعلم أنَّ بن حبان ذكر عبَّاداً في ثقاته"(17) وكذلك قال علي الكناني ضمن تعليقه على سند الرواية في كتابه تنزيه الشريعة المرفوعة "وعبَّاد وثَّقه ابن حبان(18)، والأثر أخرجه الحاكم في المستدرك وصحَّحه على شرط الشيخين.
وكذلك فإنَّ العجلي وثَّق عباد الأسدي في كتابه معرفة الثقات قال: "عباد بن عبد الله الأسدي كوفي تابعيٌّ ثقة"(19).
هذا وقد أورد الرواية بسندها المشتمل على عبَّاد الأسدي النسائي في السُنن الكبرى وفي الخصائص، والنسائي معروفٌ بتشددُّه وتحرُّزه من الرواية عن المتروك فضلاً عن الضعيف.
ذكر ذلك مثلُ جلال الدين السيوطي في شرح سُنن النسائي قال: "قال أحمد بن محبوب الرملي: سمعتُ النسائي يقول: لما عزمتُ على جمع السُنن استخرتُ الله في الرواية عن شيوخٍ كان في القلب منهم بعض الشيء فوقعتْ الخيرة على تركهم فتركتُ جملةً من الحديث كنتُ أعلم أنَّها عنهم (20).
قال الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر شيخ الدارقطني: مَن يصبر على ما يصبر عليه النسائي كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمةً ترجمة فما حدَّث عنه بشيء، قال الحافظ ابن حجر: وكان عنده عالياً عن قتيبة عنه ولم يُحدِّث به لا في السنن ولا في غيرها "(21).
وفي عون المعبود للعظيم آبادي قال في مقام التعليق على سند حديثٍ قال: فالحديث حسن إنْ شاء الله تعالى لا سيما مع إخراج النسائي له، فإنَّه لم يُخرج في كتابه منكراً ولا واهياً ولا عن رجل متروك(22).
وذكر ابنُ حجر في كتابه النكت على كتاب ابن الصلاح: "وقال محمد بن معاوية الأحمر الراوي عن النسائي ما معناه: قال النسائي كتاب السُنن كلُّه صحيح وبعضُه معلول إلا أنَّه لم يُبيِّن علته"(23).
وذكر الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات قال: "وقال الدارقطني أبو عبد الرحمن مقدَّم على كلِّ مَن يُذكر بهذا العلم من أهل عصره، وقال ابن طاهر المقدسي: سألتُ سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثَّقه فقلتُ ضعَّفه النسائي فقال: يا بُني إنَّ لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال أشدُّ من شرط البخاري ومسلم"(24).
هذا وقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده(25) وفي الفضائل(26) لعبَّاد بن عبدالله الأسدي وكذلك حديث الدار عن عليٍّ (ع) ووصفه الهيثمي بقوله: "رواه أحمد وإسناده جيد" وكذلك أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار قال: "وهذا خبر عندنا صحيح سنده"(27) رغم اشتماله على عباد، وذلك يُؤيد أنَّ ما نُسب لأحمد من الأمر بشطب حديث ".. وأنا الصديق الأكبر .." -إذا صح -لم يكن إلا لعدم قبوله لمضمون الحديث وأنَّه استعظم لعليٍّ (ع) هذ ه المنقبة.
وكذلك فإنَّ قول البخاري في عباد انَّ: "فيه نظر"(28) مشعرٌ بل ظاهرٌ في أنَّه لم يجد عليه من مغمزٍ يُصحح له تضعيفه أو اتهامه، فليس لتنظُّره من منشأٍ سوى أنَّه يروي فضائلَ في عليٍّ (ع) لا يقبلها البخاري المعروف بحساسيَّته المُفرَطة تجاه الإمام عليِّ بن أبي طالب (ع) وإلا فالرجل بمقتضى مبانيه الرجالية ينبغي أنْ يكون من رجال صحيحه كما هو مقتضى ما أفاده الحاكم النيسابوري حين صحَّح العديد من الروايات المشتملة على عبَّاد، وأفاد أنَّ صحتها ثابتةٌ على شرط الشيخين البخاري ومسلم.
رابعاً: إنَّ حديث ".. وأنا الصدِّيق الأكبر .." ليس هو وحده الوارد في طرق العامة، فثمة عددٌ مستفيض من الروايات اشتملت على توصيف عليٍّ (ع) بالصديق الأكبر أو بأنَّه أفضل الصديقين وردت في طرق العامة بأسانيد مختلفة، وذلك ما يُوجب القطع بصدورها في الجملة.
منها: حديث معاذة بنت عبد الله العدوية، قالت: سمعتُ عليَّاً عليه السلام، يخطب على منبر البصرة، ويقول: أنا الصدِّيقُ الأكبر، آمنتُ قبل أن يُؤمن أبو بكر، وأسلمتُ قبل أن يُسلم".
أخرج الحديث الضحاك في الآحاد والمثاني(29)، والمحب الطبري في الرياض النضرة(30) قال: خرجه ابن قتيبة في المعارف، والبلاذري في أنساب الأشراف(31)، وابن قتيبة الدينوري في المعارف(32) وابن أبي الحديد في شرح النهج(33) وغيرهم.
ومنها: حديث محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، عن أبي ذر، قال: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعليِّ بن أبي طالب: أنت أول من آمن بي، وأنت أوَّلُ من يُصافحني يوم القيامة، وأنت الصدِّيق الأكبر، وأنت الفاروق تفرق بين الحقِّ والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين".
أورده ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق(34)، والذهبي في تاريخ الإسلام(35) والمحبُّ الطبري في الرياض النضرة(36)، وراه في البحر الزخار مسند البزاز271ج9.
وروى أبو جعفر الاسكافي عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده أبى رافع، قال اتيتُ أبا ذر بالربذة أودِّعه، فلمَّا أردتُ الانصراف، قال لي ولأناسٍ معي ستكون فتنة، فاتقوا الله، وعليكم بالشيخ عليِّ بن أبي طالب، فاتَّبعوه، فإنِّي سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له: أنت أول من آمن بي، وأول مَن يُصافحني يوم القيامة، وأنت الصدِّيق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحقِّ والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين، وأنت أخي ووزيري، وخير مَن أترك بعدي، تقضى ديني وتُنجز موعدي" أورده ابن ابي الحديد في شرح النهج(37).
وأخرج ابن عساكر بسنده عن أبي سخيلة قال: حججت أنا وسلمان فنزلنا بأبي ذر فكنا عنده ما شاء الله فلما حان منا حفوف قلتُ: يا أبا ذر إني أرى أموراً قد حدثت وإنِّي خائفٌ أن يكون في الناس اختلاف فإنْ كان ذلك فما تأمرني قال: الزم كتاب الله عزَّ وجل وعليَّ بن أبي طالب فأشهد أنِّي سمعتُ رسول الله (ص) يقول: عليٌّ أوَّل من آمن بي، وأوَّل مَن يُصافحني يوم القيامة، وهو الصدِّيق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحقِّ والباطل" تاريخ مدينة دمشق(38).
وفي مجمع الزوائد للهيثمي عن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد عليٍّ فقال: إنَّ هذا أول من آمن بي وهذا أول مَن يُصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحقِّ والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين". رواه الطبراني والبزار عن أبي ذر وحده وقال فيه: أنت أول من آمن بي، وقال فيه: والمال يعسوب الكفار(39)، رواه الطبراني في المعجم الكبير(40).
ومنها: حديث ابن عباس قال: ستكون فتنة فإنْ أدركها أحدٌ منكم فعليه بخصلتين كتاب الله وعليِّ بن أبي طالب، فإنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو آخذٌ بيد علي: هذا أوَّلُ من آمن بي، وأوَّلُ مَن يُصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحقِّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، وهو الصدِّيقُ الأكبر، وهو بابي الذي أُوتى منه، وهو خليفتي من بعدي" تاريخ مدينة دمشق(41).
ومنها: حديث حذيفة بن اليمان: انَّ النبي (ص) قال: "أنّ أوّل مَن آمن بي، وأوّل مَن يُصافحني يوم القيامة، وهو الصّديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمّة يفرق بين الحقّ والباطل، وهذا يعسوبُ المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين. قاله لعلي".
قال المتقي الهندي في كنز العمال: أخرجه الطبراني، عن سلمان وأبي ذرّ معاً، وعن البيهقي وابن عديّ، عن حذيفة(42).
ومنها: حديث الصحابي أبي ليلى الغفاري قال: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليَّ بن أبي طالب، فإنَّه أول مَن يراني، وأول مَن يُصافحني يوم القيامة، وهو الصدِّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحقِّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين" اسد الغابة لإبن الأثير(43)، الإصابة لإبن حجر(44).
الصدِّيقون ثلاثة:
ومنها: الروايات التي حصرت الصدِّيقين على امتداد تاريخ الرسالات في ثلاثة وعدَّت عليَّاً واحداً منهم، واثنين من الأمم الغابرة، فإمَّا أن تكون هذه الروايات نافية لاِتصاف غيرهم بوصف الصدِّيقين، وإمَّا أن يكون مفادها أنَّ هؤلاء الثلاثة هم أكمل الصدِّيقين على الاطلاق وهو الأرجح، ثم إن أكثر هذه الروايات أفادت أنَّ علياً (ع) هو أفضل الثلاثة، وأفاد بعضها أنَّ منشأ حصر عنوان الصدِّيقين بهم هو أنَّهم لم يكفروا بالله تعالى طرفة عين وأنهم سبَّاق الأمم أي أنَّهم الأسبق على الاطلاق في التصديق بأنبيائهم.
فمن هذه الروايات مارواه أحمد بن حنبل في كتاب الفضائل بسنده عن ابن أبي ليلى أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الصدِّيقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس الذي ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾(45) وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾(46) وعليُّ بن أبي طالب وهو أفضلهم(47).
وأورده المحبُّ الطبري في الرياض النضرة عن ابن أبي ليلى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: الصدِّيقون ثلاثة: حبيب بن مري النجار مؤمن آل ياسين الذي ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾, وعليُّ بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم. قال: خرَّجه أحمد في المناقب(48).
وأورده المتقي الهندي في كنز العمال وقال: -أخرجه (أبو نعيم في المعرفة وابن عساكر- عن أبي ليلى)(49)، وفي فيض القدير قال: أخرجه أبونعيم في كتاب المعرفة (وابن عساكر) وابن مردويه والديلمي من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى (عن أبيه أبي ليلى)(50)، وأورده السيوطي في الدر المنثور(51).
ومنها: ما أخرجه البخاري في تاريخه عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "الصدِّيقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل ياسين، وعليُّ بن أبي طالب" الدر المنثور للسيوطي(52)، وأخرجه ابن النجار عن ابن عباس كما في الصواعق لابن حجر المكي(53).
ومنها: ما في ينابيع المودة للقندوزي -قال أخرج- أحمد في مسنده، وأبو نعيم، وابن المغازلي، وموفَّق الخوارزمي: أخرجوا بالاسناد، عن أبي ليلى، وعن أبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنهما) قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الصدِّيقون ثلاثة: حبيب النجار وهو المؤمن الذي قال: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ وعليُّ بن أبي طالب، وهو أفضلهم"(54).
ومنها: ما رواه الثعلبي في الكشف والبيان عن تفسير القرآن قال: حدّثنا إبراهيم بن الفضل بن مالك قال: حدّثنا عن أخيه عيسى عن عبد الرَّحْمن ابن أبي ليلى عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "سبّاق الأُمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: عليُّ بن أبي طالب، وصاحبُ آل يس، ومؤمنُ آل فرعون، فهم الصدِّيقون وعليٌّ أفضلهم"(55).
هذا بعض ما ورد من الروايات في طرق العامَّة ممَّا اشتمل صريحاً على توصيف عليٍّ (ع) بالصديق الأكبر، وما اشتمل منها صريحاً على حصر الصدِّيقين -أي الكُمَّل منهم- في تاريخ الرسالات في ثلاثة، الإمام عليٌّ (ع) أحدهم، وهو أفضلهم، وأما الروايات التي أفادت ما يقتضي هذين المعنيين دون أن تُصرِّح بلفظ الصديق فهي تفوق ما نقلناه بمراتب كثيرة، وقد أعرضنا عن نقل شيءٍ منها لأنَّ فيما نقلناه كفاية لمَن أنصف نفسه من نفسه، ولم تُزيِّن له المكابرة للحق، على أنَّ الوقوف عليها ميسور غايته.
وأما ما ورد في طرقنا من الروايات مما تمَّ التصريح فيها بأنَّ علياً (ع) هو الصدِّيق الأكبر وأنَّه صدِّيقُ هذه الأمة، وأنَّه أفضل الصدِّيقين في تاريخ الأمم فهي بمجموعها تفوق حدَّ التواتر، ولأننا وعدنا بنقل بعضها لذلك سوف ننقل ثلاثاً منها ممَّا ورد عن أهل البيت (ع):
الأولى: ما رواه الشيخ الصدوق في الأمالي بسنده عن أبي جعفر الباقر، عن آبائه (ع)، قال: قال رسول الله (ص): خذوا بحجزة هذا الأنزع -يعني علياً- فإنَّه الصدِّيق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحقِّ والباطل، من أحبَّه هداه الله، ومَن أبغضه أبغضه الله"(56).
الثانية: ما رواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (ع) بسنده عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي (ع) قال: قال رسول الله (ص) لعلي (ع): ".. يا علي أنت امام المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وسيد الصدِّيقين، يا علي أنت الفاروق الأعظم وأنت الصدِّيق الأكبر، يا علي أنت خليفتي على أمتي وأنت قاضي ديني وأنت منجز عداتي"(57).
الثالثة: ما رواه محمد بن الحسن الصفار في مختصر بصائر الدرجات بسنده عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: قال (رسول الله صلى الله عليه وآله): إنَّ أمتي عُرضت عليَّ عند الميثاق فكان أوَّل من آمن بي وصدَّقني عليٌّ، وكان أوَّل مَن آمن بي وصدَّقني حيث بعثت فهو الصدِّيق الأكبر (58).
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- سنن ابن ماجة -محمد بن يزيد القزويني- ج1 / ص4.
2- سنن ابن ماجة -محمد بن يزيد القزويني- ج1 / ص4.
3- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج3 / ص11.
4- السنن الكبرى -النسائي- ج5 / ص10.
5- خصائص أمير المؤمنين (ع) -النسائي- ص4.
6- المنصف -ابن أبي شيبة الكوفي- 498ج.
7- السنة -ابن أبي عاصم- ص58.
8- الرياض النضرة في مناقب العشرة -أبي جعفر أحمد (المحب الطبري)- ج3 / ص10.
9- الآحاد والمثاني -الضحاك- ج1 / ص14.
10- معرفة الصحابة -أبي نعيم الأصبهاني- ج1 / ص36.
11- ذخائر العقبى -احمد بن عبد الله الطبري- ص5.
12- كنز العمال -المتقي الهندي- ج13 / ص12.
13- تاريخ الطبري -محمد بن جرير الطبري- ج2 / ص5.
14- تذكرة الموضوعات -الفتني- ص9.
15- الموضوعات -ابن الجوزي- ج1 / ص34.
16- الثقات -ابن حبان- ج5 / ص14.
17- الكشف الحثيث -سبط ابن العجمي- ص14.
18- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة -علي بن محمد الكناني- ج1 / ص37.
19- معرفة الثقات -العجلي- ج2 / ص1.
20- شرح سنن النسائي -جلال الدين السيوطي- ج1 ص.
21- شرح سنن النسائي -جلال الدين السيوطي- ج1 ص.
22- عون المعبود -العظيم آبادي- ج12 / ص2.
23- النكت على كتاب ابن الصلاح -ابن حجر- ص16.
24- الوافي بالوفيات -الصفدي- ج6 / ص25.
25- مسند أحمد -الإمام أحمد بن حنبل- ج1 ص.
26- الفضائل ج 3 ص87، 17.
27- تهذيب الآثار- أبو جعفر الطبري- 56ج.
28- التاريخ الكبير -البخاري- ج6 / ص3.
29- الآحاد والمثاني -الضحاك- ج1 / ص15.
30- الرياض النضرة في مناقب العشرة -أبي جعفر أحمد (المحب الطبري)- ج3 / ص11.
31- أنساب الأشراف -أحمد بن يحيى بن جابر (البلاذري)- ج2 / ص14.
32- المعارف -ابن قتيبة الدينوري- ص17.
33- شرح نهج البلاغة -ابن أبي الحديد- ج13 / ص22.
34- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص4.
35- تاريخ الإسلام -الذهبي- ج46 / ص39.
36- الرياض النضرة في مناقب العشرة -أبي جعفر أحمد (المحب الطبري)- ج3 / ص110.
37- شرح نهج البلاغة -ابن أبي الحديد- ج13 / ص22.
38- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص4.
39- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص10.
40- المعجم الكبير -الطبراني- ج6 / ص26.
41- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج42 / ص4.
42- كنز العمال -المتقي الهندي- ج11 / ص61.
43- أسد الغابة -ابن الأثير- ج5 / ص28.
44- الإصابة -ابن حجر- ج7 / ص29.
45- سورة يس / 2.
46- سورة غافر / 4.
47- الفضائل ج3 / ص96,5.
48- الرياض النضرة في مناقب العشرة -أبي جعفر أحمد (المحب الطبري)- ج3 / ص10.
49- كنز العمال -المتقي الهندي- ج11 / ص60.
50- فيض القدير شرح الجامع الصغير -المناوي- ج4 / ص31.
51- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج5 / ص26.
52- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج5 / ص26.
53- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة -أحمد بن حجر الهيتمي المكي- ص12.
54- ينابيع المودة لذوي القربى -القندوزي- ج1 / ص37.
55- الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي) -الثعلبي- ج8 / ص12.
56- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص285.
57- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج2 / ص9.
58- بصائر الدرجات -محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار)- ص104.