متى التحق حبيب بركب الحسين (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل كان حبيب بن مظاهر في الكوفة وخرج منها إلى كربلاء بعد وصول الحسين (ع) إليها أو أنَّ حبيباً (رحمه الله) كان قد صحب الحسين (ع) من مكة؟"

الجواب:

الظاهر أنَّ حبيب بن مظاهر كان مع الحسين (ع) قبل وصوله إلى كربلاء، وإلى أنْ نزلها في اليوم الثاني من المحرَّم، لكنَّه من غير المُحرَز أنَّه قد صحبه منذ خروجه من مكة الشريفة، نعم لا يبعد -بل هو الراجح- أنَّ اِلتحاقه بركب الحسين (ع) كان في قبل الاِلتقاء بالحرِّ بن يزيد وسريَّته المُبتَعثَة من قبل عبيد الله بن زياد في ذي حسمى أو ما يسمَّى بذي جشم.

حبيب كان مع الحسين (ع) لحظة نزوله كربلاء:

فالذي يقتضي استظهار أنَّه كان مع الحسين (ع) منذُ نزوله أرض كربلاء في اليوم الثاني من المحرَّم هو ما ذكره عددٌ من المؤرِّخين أنَّ الحرَّ بن يزيد وسريَّته حين ألجأ الحسينَ (ع) إلى النزول في كربلاء في اليوم الثاني من المحرَّم وصل من غدِ ذلك اليوم عمرُ بن سعد في أربعة آلاف فارس فبادر إلى بعث رسولٍ إلى الحسين (ع) يسأله عن منشأ قدومه، فسأل الحسين (ع) أصحابه عن هويَّة الرسول فأجابه حبيب، ومقتضى ذلك أنَّ حبيباً (رحمه الله) كان مع الحسين (ع) ساعة نزوله كربلاء وإلى أن وصل عمرُ بن سعد في اليوم الذي يليه، إذ المُستظهَر من أجواء السؤال وتصدِّي حبيب للتعريف برسول ابن سعد أنَّ حبيباً كان قد مضى عليه زمنٌ في ركب الحسين(ع) قبل هذه المحادثة، إذ أنَّ ذلك هو ما يُناسب استقراره في مجلس الحسين (ع) لاستقبال مَن يأتي. فهو قد فرغ من النزول في منزل الحسين (ع) وصار ضمن الرجال المحيطين بالحسين (ع) يُحادثهم ويستشرف آراءهم.

قال الشيخ المفيد في الإرشاد:

".. فلمَّا أصبح -الحسين- نزل فصلَّى الغداة ثم عجَّل الركوب، فأخذ يتياسر بأصحابه .. فيأتيه الحرُّ بن يزيد فيرده وأصحابه، فجعل إذا ردَّهم نحو الكوفة ردَّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا، فلم يزالوا يتياسرون كذاك حتى انتهوا إلى نينوى -المكان الذي نزل به الحسين (عليه السلام) فإذا راكب على نجيبٍ له عليه السلاح متنكبٌ قوساً مقبل من الكوفة، فوقفوا جميعاً ينتظرونه فلمَّا انتهى إليهم سلَّم على الحرِّ وأصحابه ولم يُسلِّم على الحسين وأصحابه، ودفع إلى الحرِّ كتاباً من عُبيد الله بن زياد فإذا فيه: أمَّا بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدمُ عليك رسولي، ولا تُنزله إلا بالعراء في غير حصنٍ وعلى غير ماء، فقد أمرتُ رسولي أنْ يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام.

فلمَّا قرأ الكتاب قال لهم الحرٌّ: هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أنْ أجعجع بكم في المكان الذي يأتي كتابه، وهذا رسوله وقد أمره ألا يُفارقني حتى أنفذ أمره. فنظر يزيد بن المهاجر الكناني -وكان مع الحسين (عليه السلام) إلى رسول ابن زياد فعرفه فقال له يزيد: ثكلتْك أمُّك، ماذا جئت فيه؟ قال: أطعتُ إمامي ووفيتُ ببيعتي، فقال له ابنُ المهاجر: بل عصيتَ ربَّك وأطعتَ إمامك في هلاك نفسِك وكسبتَ العار والنار، وبئس الإمامُ إمامُك، قال اللهُ عز من قائل: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾ فإمامك منهم.

وأخذهم الحرُّ بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا قرية .. فقال له زهير بن القين: إنِّي والله ما أراه يكون بعد هذا الذي ترون إلا أشد مما ترون، يا ابن رسول الله، إنَّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم، فلعمري ليأتينَّا بعدهم ما لا قِبَل لنا به، فقال الحسين (عليه السلام): "ما كنتُ لأبدأهم بالقتال" ثم نزل، وذلك يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى وستين. فلمَّا كان من الغد قدِم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس، فنزل بنينوى وبعث إلى الحسين (عليه السلام) .. فدعا عمر قرَّة بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك يا قرَّة، القَ حسيناً فسله ما جاء به وماذا يريد؟ فأتاه قرَّة فلمَّا رآه الحسين(ع) مقبلاً قال: "أتعرفون هذا؟" فقال له حبيب بن مظاهر: نعم، هذا رجلٌ من حنظلة تميم، وهو ابن أختنا، وقد كنتُ أعرفُه بحسن الرأي، وما كنتُ أراه يشهد هذا المشهد. فجاء حتى سلَّم على الحسين عليه السلام وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، فقال له الحسين: "كتب إليَّ أهلُ مصركم هذا أنْ أقدِم، فأمَّا إذ كرهتموني فأنا أنصرفُ عنكم" ثم قال حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرَّة أين ترجع؟! إلى القوم الظالمين؟! انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيَّدك الله بالكرامة، فقال له قرَّة؟ أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته، وأرى رأيي. قال: فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر ..". ج2/ 83، 86.

النص المذكور نقلناه بطوله ليتبيَّن من أجوائه أنَّ حبيباً (رحمه الله) كان مع الحسين (ع) منذُ اليوم الأول الذي نزل فيه الحسين(ع) بكربلاء، وقد أورد قريباً من هذا النص النيسابوري في روضة الواعظين(1) وابنُ أعثم الكوفي في كتابه الفتوح(2) والطبري في تاريخه(3) والكامل لابن الأثير(4) وأبو مخنف في مقتل الحسين (ع)(5) وغيرهم.

القرينة على التحاق حبيب بالحسين (ع) في الطريق:

وهذا النصُّ مضافاً إلى ظهوره في أنَّ حبيباً كان مع الحسين (ع) لحظةَ نزوله كربلاء فإنَّه مشعرٌ قويَّاً أنَّ حبيباً (رحمه الله) كان مع الحسين (ع) قبل الإلتقاء بالحرِّ وسريَّتِه في ذي جشم، فإنَّ مسايرة الحر لركب الحسين (ع) بدأت من هناك، وقد تصدَّت النصوص التارخيَّة لبيان تفاصيل حادثة اللقاء من سقي الحسين (ع) للحرِّ وأصحابه الماء واحداً تلوَ الآخر وسقي خيولهم، ومن صلاة الحرِّ وسريَّته خلف الحسين (ع) للظهر ثم العصر والخطبة التي خطبها الحسين(ع) في أصحابه وأصحاب الحرِّ بعد الظهر وبعد العصر، ومن المحادثة التي وقعت بين الحرِّ وبين الحسين (ع)، ومن سؤال الحرِّ للحسين (ع) وبيانه لمنشأ قدومه ثم المشادَّة الكلاميَّة التي وقعت بينهما ثم محاولة الحرِّ لتسيير الحسين (ع) إلى الكوفة وامتناع الحسين (ع) من ذلك وتحذير الحرِّ للحسين وجواب الحسين(ع) له بحزم، وانشاده للشعر المعبِّر عن عدم خشيته من الموت ثم التوافق على اتَّخاذ الحسين (ع) طريقاً لا يُدخله الكوفة ولا يعودُ به إلى المدينة ثم بقاء الحرِّ على مسايرته، مضافاً إلى ترقُّب الجميع لأيِّ قادمٍ من جهة الكوفة حتى أنَّهم حين رأوا الرجل الذي يحمل رسالة من ابن زياد إلى الحرِّ توقَّف الرَكبان قبل أن يعرفوا هويَّته وغرضَه وانتظروه حتى اقترب من ركب الحسين وسرية الحرِّ فسلَّم على الحرِّ ولم يُسلِّم على الحسين (ع) وكذلك حين أقبل أربعةُ نفرٍ من جهة الكوفة -أثناء مسايرة الحر- ومعهم الطرماح بن عدي وقصدوا ركب الحسين (ع) تصدَّت النصوص لبيان الواقعة ومحاولة الحرِّ منعهم من الالتحاق بالحسين (ع) وإباء الحسين (ع) لذلك وضمِّهم إلى ركبه واستخبارهم عمَّا يقع في الكوفة واخبارهم له عن واقع أشراف الكوفة وسواد الناس واخبارهم له عن مقتل رسوله قيس بن مُسهِر الصيداوي وكيفية مقتله، كلُّ هذه التفاصيل وغيرها تصدَّت لبيانها النصوص التي أرَّخت لهذه الحادثة التي امتدَّت من رحيل الحسين(ع) وأصحابه من منطقة شراف التي تزوَّدوا فيها بالماء مروراً بذي حسم أو ذي جشم الذي وقع فيه اللقاء ثم المسير من طريق العذيب والقادسية انتهاءً بمنطقة عذيب الهجنات إلى أنْ وصلوا كربلاء، فلو كان حبيب قد وصل للحسين (ع) بعد لقائه بالحرِّ ومسايرة الحرِّ له طوال هذا الطريق لأشارت لذلك هذه النصوص التي تصدَّت لتفصيل ماهو دون التحاق حبيب في الأهميَّة.

فمع الإلتفات إلى وجاهة حبيبٍ وشهرته وجلالةِ قدره وأهمية التحاقه بالحسين عند الطرفين، ومع الإلتفات إلى حرص المؤرِّخين على بيان تفاصيل حادثة لقاء الحرِّ ومسايرته للحسين(ع)، والإلتفات إلى أنَّ هذه النصوص التي أرَّخت لحادثة اللقاء والمسايرة اهتمَّت بنقل الوقائع التي وقعت في الطريق أثناء المسايرة مثل ترقُّب الجميع لكلِّ قادمٍ من جهة الكوفة، فنصَّت على التحاق الأربعة الذين مع الطرماح بركب الحسين (ع) وكشفت عن ملابسات هذه الواقعة، ونصَّت كذلك على توقُّف الركبين عن المسير حين عنَّ لهم قادمٌ من الكوفة إلى أنْ تبيَّن لهم أنَّه رسولٌ من عبيدالله بن زياد إلى الحرِّ فنقلت هذه النصوص حتى المشادَّة التي وقعت بينه وبين أحد أصحاب الحسين (ع)، فمع الإلتفات إلى كلِّ ذلك وإلى انَّ من المُحرَز بحسب هذه النصوص أنَّ حبيباً كان مع الحسين (ع) لحظةَ نزوله كربلاء يتأكَّد أنَّ التحاقه بركب الحسين (ع) كان قد تمَّ قبل حادثة لقاء الحرِّ بالحسين (ع) أي قبل وصول الحسين (ع) إلى ذي جشم أو ذي حسم. لكنَّ من غير المتاح لنا التثبُّت من الموقع الذي التحق فيه حبيبٌ بركب الحسين (ع) نظراً لعزَّة النصوص وعدم تصدِّيها لذلك بحسب ما وقفنا عليه منها.

وأمَّا ما يُمكن أنْ يُقال من أنَّ حبيباً التحق بالحسين (ع) بعد نزوله كربلاء فلم نجد ما يُؤيده إلا في موضعين من كتاب إبصار العين في أنصار الحسين (ع) للشيخ محمد السماوي:

الموضع الأول: هو ما نقله عن محمد بن أبي طالب في مقتله قال: وروى محمد بن أبي طالب في مقتله أنَّه لما وصل حبيب إلى الحسين (ع) ورأى قلَّة أنصاره وكثرة محاربيه قال للحسين (عليه السلام): إنَّ ههنا حيَّاً من بني أسد، فلو أذنت لي لسرتُ إليهم ودعوتُهم إلى نصرتك لعلَّ الله أن يهديَهم وأن يدفع بهم عنك! فاذِن له الحسين (عليه السلام) فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم .."(6).

فإنَّ ظاهر هذا النص أنَّ وصول حبيب للحسين (ع) كان بعد وصوله كربلاء وبعد وصول المعسكر الأموي واحاطته بمعسكر الحسين (ع)، ويُؤيد ذلك أنَّ حيَّ بني أسد الذي استأذن حبيبٌ الإمامَ الحسين المصيرَ إليه لدعوتِهم لنصرة الحسين(ع) كان في الغاضريات التي هي قريبةٌ جداً من كربلاء، كما يُؤيد ذلك ما وقع بعد دعوة حبيب لهم واستجابتهم وعدم قدرتهم على الوصول للحسين (ع) لأنَّ عمر بن سعد بعث إليهم من جيشه مَن يعترضهم ويمنعهم من الخلوص للحسين (ع) ومن المعلوم أنَّ معسكر عمر بن سعد كان قد وصل كربلاء بعد نزول الحسين (ع) فيها.

والجواب عن ذلك: أنَّ هذه الواقعة وإنْ ذكرها العديد من المؤرخين لكنَّهم لم يصوغوا الواقعة بما نقله السماوي في ابصار العين، فإنَّ منشأ استظهار وصول حبيب للحسين بعد نزوله كربلاء هو قوله: "لمَّا وصل حبيب إلى الحسين (ع) ورأى قلَّة أنصاره وكثرة محاربيه قال للحسين (عليه السلام)" لكن هذا التعبير الذي نشأ عنه الاستظهار المذكور لم يرد في شيءٍ من النصوص التي أرَّخت لهذه الواقعة، فالبلاذري في أنساب الأشراف ذكر الواقعة بقوله: "وقال حبيب بن مظهر للحسين: إنَّ هاهنا حيَّاً من بني أسد أعراباً ينزلون النهرين، وليس بيننا وبينهم إلا روحة أفتأذن لي في إتيانهم ودعائهم؟! لعلَّ الله أنْ يجرَّ بهم إليك نفعا أو يدفع عنك مكروها. فأذِن له في ذلك فأتاهم .."(7).

وابنُ أعثم الكوفي في كتابه الفتوح صاغ الواقعة بقوله: "والتأمت العساكر إلى عمر بن سعد لستٍّ مضين من المحرم. وأقبل حبيب بن مظاهر الأسدي إلى الحسين بن علي فقال: ههنا حيٌّ من بني أسد بالقرب منِّي أوَتأذنُ لي أن أسير إليهم أدعوهم إلى نصرتك فعسى الله أن يدفع بهم عنك بعض ما تكره! فقال له الحسين: قد أذنت لك يا حبيب .."(8).

وهذان النصَّان ليس فيهما دلالة بل ولا إشعار بأنَّ التحاق حبيب بركب الحسين (ع) كان في كربلاء، إذ أنَّ غاية ما يدلُّ عليه النصَّان أنَّ حبيباً اقترح على الحسين (ع) أنْ يسير إلى حيٍّ قريب من بني أسد يستنصرهم بعد أنْ رأى كثرة من حشَّدهم النظام الأموي لحرب الحسين (ع) ورأى في مقابل ذلك قلَّة مَن تيسَّر لهم الالتحاق بركب الحسين (ع)، ولا يلزم من ذلك أنَّ اقتراحه كان فور وصوله أو بعده بقليل.

ثم إنَّ ما ذكره السماوي في ابصار العين نسَبَه إلى كتاب مقتل محمد بن أبي طالب لكن العلامة المجلسي في البحار والبحراني في العوالم نقلا نصَّ ما ورد في المقتل المذكور بصورة مختلفة لا تقتضي استظهار تأخُّر وصول حبيب عن وصول الحسين (ع) إلى كربلاء، فقد نقلا معاً ما هذا نصُّه: ".. وكان ابن زياد يستحثُّ عمر بن سعد لستة أيام مضين من المحرم. وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين (عليه السلام) فقال: يا ابن رسول الله ههنا حيٌّ من بني أسد بالقرب منَّا أتأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك، فعسى اللهُ أنْ يدفع بهم عنك، قال: قد أذنتُ لك، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكِّرا حتى أتى إليهم فعرفوه أنَّه من بني أسد .."(9).

وعليه فالأرجح أنَّ السماوي (رحمه الله) لم يلتزم بنقل نصِّ ما ذكره محمد بن أبي طالب في مقتله.

الموضع الثاني: من كتاب ابصار العين قال السماوي: "قال أهل السير جعل حبيب ومسلم يأخذان البيعة للحسين (عليه السلام) في الكوفة حتى إذا دخلها عبيد الله بن زياد وخذَّل أهلها عن مسلم وتفرَّق أنصارُه حبسهما عشائرهما وأخفياهما، فلمَّا ورد الحسين كربلاء خرجا اليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا اليه"(10).

وهذا النصُّ ظاهرٌ في أنَّ التحاق حبيب بركب الحسين (ع) كان في كربلاء لكنَّه لم نجد فيما بأيدينا من كتب أهل السير مَن نصَّ على أنَّ التحاقه بالحسين (ع) كان في كربلاء بل إنَّ المُستظهَر من كتب أهل السير أنَّ حبيباً كان مع الحسين (ع) لحظة وصوله كربلاء بل الراجح من مقتضيات كلامهم أنَّه كان مع الحسين (ع) قبل التقائه بالحرِّ في ذي جشم، لذلك لا يُمكن التعويل على ما أفاده السماوي (رحمه الله) في هذا النص بعد منافاته لما عليه كتب أهل السير وبعد أنْ لم يذكر لنا مصدر هذه الدعوى المرسلة، ولعلَّ نسبته ذلك لكتب أهل السير وقع سهواً.

نعم ذكر عددٌ من المؤرِّخين أنَّ حبيباً (رحمه الله) كان في ضمن المستقبلين لمسلم بن عقيل في الكوفة وكان ممَّن خطب في محضره وأبدى استعداده للتضحية، لكنَّ خبره في كلمات المؤرخين -بحسب ما وقفنا عليه- قد انقطع بعد هذا المشهد فلم يُذكر إلا حين تصدَّى لتعريف الحسين (ع) في كربلاء هويَّةَ رسول عمر بن سعد. نعم الإعتبار العقلائي بعد افتراض وجوده فيمَن استقبل مسلم يُرجِّح أنَّه ساهم في التحشيد لبيعة مسلم بن عقيل وأنَّه هاجر للحسين(ع) بعد أو قبيل الانقلاب الذي وقع لمسار الأحداث في الكوفة.

ولذلك يبقى احتمال التحاقه بالحسين (ع) في مكة أو قريباً منها قائماً، خصوصاً مع الإلتفات إلى أنَّ من الصعب الخروج من الكوفة وأطرافها بعد هيمنة عبيد الله بن زياد عليها وبعد اغلاقه لجميع المنافذ المؤدية للكوفة أو المفضية للخروج منها خصوصاً مع الإلتفات إلى شهرة حبيب، فإذا كان خروجه قد وقع قبل ذلك فلن يكون همُّه إلا الإلتحاق بركب الحسين (ع)، وركب الحسين (ع) في مثل ذلك الوقت إمَّا انْ يكون مازال في مكة أو يكون قريباً منها. فاحتمال وصوله للحسين (ع) في مكة أو قريباً منها قائم.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- في روضة الواعظين ص180.

2- ابن أعثم الكوفي في كتابه الفتوح ج5 / ص87.

3- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص1.

4- الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص51.

5- أبو مخنف في مقتل الحسين (ع) ص96.

6- ابصار العين -السماوي- ص102.

7-أنساب الأشراف -البلاذري- ج3 / ص180.

8- الفتوح -ابن أعثم الكوفي- ج5 / ص90.

9- بحار الأنوار -المجلسي- ج44 / ص386، العوالم ص237.

10- إبصارر العين -السماوي- ص102.