فاطمة بنت الحسين كانت معه في كربلاء

المسألة:

ما صحَّة ما يُقال عن تخلُّف فاطمة بنت الحسين (ع) في المدينة وعدم حضورها كربلاء نظرًا لمرضها في حين أنَّ ثمة رواياتٍ تُشير إلى أنَّ بنتًا للحسين (ع) اسمها فاطمة كانت معه في كربلاء، فهل كان للحسين (ع) بنتان باسم فاطمة؟

 

الجواب:

المُحرَز هو أنَّ للإمام الحسين (ع) بنتًا اسمها فاطمة، وقد وردت عنها روايات كثيرة كانت ترويها عن أبيها عن رسول الله (ص) أو كانت ترويها عن أبيها عن عليِّ بن أبي طالب (ع) عن رسول الله (ص) وروت كذلك عن زين العابدين (ع) وأسماء بنت عميس.

 

والظاهر أنَّه لا خلاف في أنَّها كانت زوجةً لابن عمها الحسن بن الإمام الحسن السبط (ع)، والمُستفاد ممَّا ورد في كتاب عمدة الطالب(1) وكذلك كتاب الإرشاد للشيخ المفيد رحمه الله أنَّ زواجها من ابن عمَّها الحسن بن الحسن كان في حياة الإمام الحسين (ع)(2) وكذلك هو المُستفاد من كلمات العديد من المؤرِّخين مثل أبي الفرج الأصفهاني في كتابه الأَغاني وابن أبي الفتح الأربلي في كتابه كشف الغمة(3) وابن الصبَّاغ في كتابه الفصول المهمَّة(4) وغيرهم.

 

ولم نقف على نصًّ رغم التتبع يُشير إلى أنَّ فاطمة هذه قد تخلَّفت عن الحضور إلى كربلاء مع أبيها الحسين (ع) بل النصوص متكاثرة في أنَّها كانت حاضرةً في كربلاء وكانت ضِمن أُسارى أهل البيت (ع) الذين حُملوا بعد واقعة الطف إلى يزيد بن معاوية في الشام.

 

فمِن هذه النصوص ما رواه الكليني في الكافي بسنده عن أبي جعفر (ع): ".. ثم إنَّ حسينًا حضره الذي حضرَه فدعا ابنته الكبرى فاطمة -بنت الحسين (ع)- فدفع إليها كتابًا ملفوفًا ووصية ظاهرة، وكان عليُّ بن الحسين (ع) مبطونًا لا يرون إلا أنَّه لما به، فدفعتْ فاطمةُ الكتاب إلى عليَّ بن الحسين (ع) ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا"(5).

 

ورواه ابنُ بابويه القمي في الإمامة والتبصرة(6)، ورواه كذلك محمد بن الحسن الصفَّار في كتابه بصائر الدرجات(7) ورواه ابن شهراشوب في المناقب(8) والشيخُ الطبرسي في إعلام الورى(9).

 

وهذه الرواية صريحة في أنَّ السيدة فاطمة بنت الحسين (ع) كانت ممَّن حضرنَّ واقعة الطف، ويَظهر من الرواية أنَّها كانت تَحظى بموقعٍ متميِّزٍ عند أبيها الإمام الحسين (ع) حيثُ إنَّه استودعها الوصيَّة دون سائر النساء، وقد عبَّرت الرواية عنها بابنته الكبرى، ويظهر من ذلك أنَّها كانت أكبر بناته، فتوصيفها بالكبرى لا يظهر منه أنَّ للحسين (ع) فاطمة أُخرى تُسمى أو تُوصف بالصغرى وإلا لكان المناسب التعبير عنها بفاطمة الكبرى لا أن يُعبَّر عنها بابنته الكبرى.

 

ومن النصوص الصريحة في أنَّ فاطمة بنت الحسين (ع) كانت حاضرة في كربلاء ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده عن عبدالله بن الحسن المحض عن أمه فاطمة بنت الحسين (ع) قالت: "دخلتْ الغاغة علينا الفسطاط، وأنا جارية صغيرة، وفي رجليَّ خلخالان من ذهب، فجعل رجلٌ يفضُّ الخلخالين من رجليَّ وهو يبكي، فقلتُ ما يُبكيك، يا عدوَّ الله؟! فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلبُ ابنة رسول الله (ص)! فقلتُ: لا تسلبني. قال: أخافُ يجيء غيري فيأخذه. قالت: وانتهبوا ما في الأبنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا"(10).

 

ومن النصوص ما رواه ابن نما الحلِّي في كتاب مثير الأحزان: "قال عليُّ بن الحسين (ع) أُدخلنا على يزيد ونحن اثنا عشر رجلاً مغللَّون فلما وقفنا بين يديه قلت: أنشدك الله يا يزيد ما ظنُّك برسول الله لو رآنا على هذه الحال؟ .. فقالت فاطمة بنت الحسين (ع) يا يزيد بناتُ رسول الله سبايا، فبكى الناس وبكى أهل داره .."(11).

 

وثمة نصوصٌ أخرى عديدة وردتْ في كتبنا وكتب العامَّة صريحة في أنَّ السيِّدة فاطمة بنت الحسين (ع) كانت ممَّن حضرن كربلاء وسُبيت فيمن سُبي من بنات رسول الله (ص).

 

وأمَّا أنَّ للإمام الحسين (ع) بنتًا أخرى تُسمى فاطمة بقيت في المدينة فلم تخرج في ركب الحسين (ع) لمرضها فلم نقف لذلك على شاهدٍ يصحُّ التعويل عليه، فلم يُذكر للإمام الحسين (ع) بنتٌ أخرى تُسمى فاطمة غير التي خرجت معه إلى كربلاء، فليس في بنات الحسين (ع) اللاتي ذكرهنَّ المؤرخون من علمائنا وعلماء العامَّة سوى فاطمة واحدة وهي التي رحلتْ معه إلى كربلاء، وهي التي كانت زوجةً للحسن بن الحسن السبط (ع) والذي شارك هو في واقعة الطف فأصابته جراحات ولم يُستشهد، وقد أنجبتْ منه فاطمة بنت الحسين عبدالله المعروف بالمحض وآخرين.

 

نعم ثمة رواية نقلها صاحبُ البحار عن كتاب المناقب القديم بسندٍ عن المفضَّل بن عمر الجعفي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) عن أبيه عن عليِّ بن الحسين عليهم السلام، قال: "لمَّا قُتل الحسين بن علي (ع) جاء غُراب فوقع في دمه ثم تمرَّغ ثم طار فوقع بالمدينة على جدار فاطمة بنت الحسين بن علي (ع) وهي الصغرى فرفعت رأسها فنظرت إليه فبكت بكاءً شديدًا وأنشأت تقول: نعب الغرابُ فقلتُ من تنعاهُ ويلَكَ يا غراب .. قال محمد بن علي: فنعتْه لأهل المدينة .."(12).

 

فهذه الرواية لو صحَّت لكانت شاهدًا على أنَّ ثمة بنتًا للحسين (ع) اسمها فاطمة بقيت في المدينة إلا أنَّ الرواية غير نقَّية السند لاشتماله على عدةٍ من المجاهيل، فلا تصلُح للإثبات التاريخي خصوصًا مع ملاحظة إهمال العلماء والمؤرِّخين لذكرِ فاطمةَ أُخرى للحسين (ع) رغم أنَّهم كانوا بصدد تَعداد أولاد الحسين وبناته، واحتمال أنَّهم أهملوا ذكرها أو لم يطَّلعوا على وجودها لعدم حضورها إلى كربلاء مستبعدٌ فإنَّهم ذكروا أنَّ للحسين ولدًا اسمه جعفر مات في حياته ولم يُعقِّب.

 

وأمَّا ما قد يُقال بأنَّ ثمة رواياتٍ ونصوصًا عديدة ذكرت اسم فاطمة الصغرى وأنَّها ابنة الحسين (ع) فلعلَّها هي التي لم تحضر إلى كربلاء.

فجوابه: إنَّ فاطمة التي وصفتها بعضُ الروايات وبعض النصوص بالصغرى كانت حاضرةً في كربلاء، ويمكن تأييد ذلك بنصوصٍ عديدة منها ما رواه الشيخ الطبرسي في الاحتجاج من أنَّ فاطمة الصغرى خَطبت في الكوفة بعد أنَّ وردت من كربلاء فقالت: "الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزِنة العرش إلى الثرى، أحمدُه وأُومنُ به وأتوكَّلُ عليه .. أمَّا بعد يا أهل الكوفة! يا أهل المكر والغدر والخيلاء .. ورأيتم قتالنا حلالًا، وأموالنا نهبًا، كأنا أولاد الترك أو كابُل، كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطرُ من دمائنا أهل البيت .. ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب (ع) جدي .."(13).

 

فهذه الرواية ظاهرة في أنَّ المراد من فاطمة الصغرى هي فاطمة بنت الحسين (ع) وليست هي فاطمة بنت علي التي قد تُوصف بالصغرى أيضًا وذلك بقرينة قولها في الخطبة (كما قتلتم جدَّنا بالأمس) وقولها: "ثم غدرتم بأخيه عليِّ بن أبي طالب جدي".

 

وكذلك يمكن تأييد أنَّ فاطمة بنت الحسين (ع) التي كانت في كربلاء قد تُوصف بالصغرى بما ورد في البحار قال: "رأيت في بعض الكتب انَّ فاطمة الصغرى قالت: كنتُ واقفة بباب الخيمة وأنا أنظر إلى أبي وأصحابي مجزَّرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية، أيقتلوننا أو يأسروننا .."(14).

 

وكذلك يُؤيِّده ما ورد من رواية عبدالله بن الحسن المحض عن أبيه عن أمِّه فاطمة الصغرى عن أبيها الحسين (ع) فإن فاطمة التي هي أم لعبد الله بن الحسن المحض هي فاطمة التي كانت حاضرةً في كربلاء وقد وُصفت بالصغرى، وقد وردت عن عبدالله المحض روايات عديدة عن فاطمة الصغرى بنت الحسين (ع).

 

ثم إنَّ توصيف فاطمة بنت الحسين (ع) بالصغرى لا يكون قرينةً على أنَّ للحسين بنت أخرى تُسمى فاطمة أكبر من فاطمة الصغرى فلعلَّ توصيفها بالصغرى في إسناد بعض الروايات هو لغرض تمييزها عن السيدة فاطمة بنت النبيِّ (ص).

 

كما يؤيد ذلك عدد من الروايات تمَّ فيها وصف فاطمة بنت الحسين (ع) بالصغرى وتوصيف السيدة فاطمة بنت النبيِّ (ص) بالكبرى.

 

فمن هذه الروايات ما رواه ابن جرير الطبري في دلائل الامامة بسنده عن عبدالله بن الحسن -المحض- بن الحسن السبط عن فاطمة الصغرى عن أبيها الحسين عن فاطمة الكبرى ابنة رسول الله (ص): "إنَّ النبيَّ كان إذا دخل المسجد يقول: بسم الله، اللهمَّ صلِّ على محمد، واغفر ذنوبي .."(15).

 

ففاطمةُ التي يروي عنها عبدالله بن الحسن المحض وهو ابنها وُصفت بالصغرى تمييزًا لها عن فاطمة بنت محمد (ص) والتي وُصفت في الرواية بالكبرى.

 

ومنها: ما رواه ابن جرير بسنده عن عبدالله عن فاطمة الصغرى عن أبيها عن جدَّتِها فاطمة الكبرى بنت رسول الله (ص) قالت: قال لي رسول الله (ص): "يُدفن من وِلدي سبعة بشاطئ الفرات، لم يسبقهم الأولون، ولم يدركهم الآخرون .."(16).

 

وروايات عديدة ورد فيها توصيف فاطمة بنت الحسين بالصغرى في مقابل فاطمة الكبرى بنت النبي (ص).

 

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه انَّه لم يثبت أنَّ للحسين (ع) بنتًا اسمها فاطمة تخلَّفت عنه في المدينة لمرضها وأنَّ الثابت هو أنَّ له بنتًا اسمها فاطمة كانت معه في كربلاء، وكانت من فاضلات النساء وكانت من العابدات الناسكات تُحي الليل بالصلاة وتصوم النهار، واُثرت عنها روايات كثيرة كانت ترويها عن أبيها وعن أخيها زين العابدين وعن عمتها زينب وعن أسماء بنت عميس زوجة جدِّها الإمام علي (ع) وكانت حين استشهاد أبيها متزوِّجة على الأرجح وكان زوجُها هو ابن عمَّها الحسن بن الحسن السبط، وقد كان حاضرًا مع عمِّه في كربلاء وشارك في الجهاد وأُثخن بالجراح فوقع أسيرًا ثم برء من جراحه وعاد إلى المدينة المنورة.

 

هذا ما يمكن التثبُّت منه والله تعالى أعلم بحقائق الأمور، فلعلَّ للحسين (ع) بنتًا أخرى اسمها فاطمة لم تكن معه في كربلاء إلا أنَّ العلماء وَالمؤرخين أغفلوا ذكرها أو لم يَطلعوا على وجودها أو ذكرَها من لم يصل إلينا كلامُه.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- عمدة الطالب -ابن عنبة- ص193.

2- الإرشاد -الشيخ المفيد- ج2 / ص26.

3- كشف الغمة -ابن أبي الفتح الإربلي- ج2 / ص202.

4- الفصول المهمة في معرفة الأئمة -ابن الصباغ- ج2 / ص751.

5- الكافي -الشيخ الكليني- ج1 / ص291.

6- الإمامة والتبصرة -ابن بابويه القمي- ص64.

7- بصائر الدرجات -محمد بن الحسن الصفار- ص168.

8- مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج3 / ص308.

9- إعلام الورى بأعلام الهدى -الشيخ الطبرسي- ج1 / ص483.

10- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص228.

11- مثير الأحزان -ابن نما الحلي- ص78.

12- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج45 / ص171.

13- الاحتجاج -الشيخ الطبرسي- ج2 / ص28.

14- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج45 / ص60.

15- دلائل الامامة -محمد بن جرير الطبري ( الشيعي)- ص75.

16- دلائل الامامة -محمد بن جرير الطبري ( الشيعي)- ص72.