الشكُّ في معنى الجلَل من الشُبهة المفهوميَّة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ورد في بعض المتون الدراسيَّة ما هذا نصُّ: "وأ ما قصرُ الجلال على ما تغذَّى بعذرة الانسان وعدم التعميم لِما تغذَّى بغيرها من النجاسات فلأنَّه إذا لم يُجزم بكون ذلك هو معنى الجلّال لغةً فلا أقلَّ من كونِه القدرَ المتيقَّن، ويبقى الزائد مشمولاً لأصل البراءة بعد عدم إمكان التمسُّك بالعموم لكونه تمسُّكاً به في الشُبهةِ المصداقيَّة، وهو لا يجوز، لأنَّ الحكم لا يتكفَّل إثبات موضوعه.

وبكلمةٍ اخرى: إنَّ المورد داخلٌ تحت الشبهة المفهوميَّة الناشئةِ من تردُّد المفهوم بين السعة والضيق، وفي مثله ينبغي الإقتصار على القدر المتيقَّن، ويجري في الزائد المشكوك أصلُ البراءة.

والسؤال: أما كون المورد داخلاً في الشبهة المفهوميَّة فواضح، ولكن ما هو الوجه لإدخاله في الشبهة المصداقيَّة؟ وكيف نجمع بين الأمرين في موردٍ واحد مع كون الشكِّ في سعة مفهوم الجَلَّال؟

الجواب:

المقام من موارد الإجمال في المُخصِّص بمعنى أنَّ لدينا عموماتٍ تدلُّ على حِلِّيَّة مثل الإبل والبقر والغنم، وفي المقابل لدنيا رواياتٌ تدلُّ على حرمة الجلَّال من هذه الحيوانات فتكون مخصِّصةً للعمومات الدالَّة على حلِّيَّة هذه الحيوانات، وحيث إنَّ مفهوم الجلَّال مجمَلٌ لدوران مدلوله بين المغتذي على عذرة الإنسان فحسب أو المغتذي على مُطلق النجاسات، لذلك فالإجمال يكونُ من قبيل الشبهة المفهوميَّة الدائرة بين السعةِ والضيق "الأقل والأكثر".

والمرجعُ في مثل هذا الفرض هو العمومات المنفصلة فيما زاد على القدر المتيقَّن، إذ أنَّ إجمال المخصِّص لا يسري إلى العمومات المنفصلة الدالَّة على حِليَّة مطلقِ هذه الحيوانات، فهي قد انعقد لها ظهورٌ في حليَّة مُطلق هذه الحيوانات.

وما يقتضيه المُخصِّص هو خروج ما يغتذي على عذرة الإنسان، فهذا هو المقدار المُحرَز ظهور المخصِّص في حرمته وخروجه عن حكم العمومات، وأمَّا ما زاد على ذلك فالمخصِّص غير مقتضٍ لخروجه عن حكم العمومات بعد افتراض إجماله، لذلك يبقى ما زاد على القدر المتيقَّن من مدلول المُخصِّص تحت عموم العام، وذلك لأنَّ العام قد انعقد ظهورُه في الشمول للحيوانات المغتذية على غير عذرة الإنسان من النجاسات.

ولهذا لا معنى للتمسُّك بالأصل لعدم وصول النوبة إليه بعد إمكان التمسُّك بالعام، وليس ذلك من التمسُّك بالعام في المصداقيَّة، لأنَّ إجمال المخصِّص كان بنحو الشبهة المفهوميَّة، وفي مثل ذلك يصحُّ التمسُّك بالعام الذي انعقد له ظهور في العموم، إذ أنَّ إجمال المخصِّص في مثل ذلك لا يسري إلى العموم. فلا يكون ثمة مانعٌ من التمسُّك به.

والحكم وإنْ لم يتكفَّل بإثبات موضوعه -كما أفاد صاحب المتن- إلا أنَّ التمُّسك بالعام في المقام ليس من إثبات الموضوع بالحكم، إذ لا ريب أنَّ الأنعام المغتذية على النجاسات هو من موضوع الحكم بالحلِّيَّة، والشك إنَّما هو في خروجها الحكمي بسبب إجمال المخصِّص.

نعم لو لم يكن ثمة عموم يدلُّ على حلِّيَّة الأنعام مثلاً ووقع الشكُّ في حليِّة المغتذي على النجاسات من غير عذرة الإنسان نظراً للشكِّ في سعة مفهوم الجَلَل فحينئذٍ يكون المرجعُ هو استصحاب عدم الجلَل أو يكون المرجعُ هو أصالة الحِلِّ.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور