معنى الاِحتباء وحكمه

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

الاحتباء في الجلوس ما هي كيفيتُه؟ وهل هو مكروه؟

الجواب:

جلسةُ الاحتباء هي أنْ يجلسَ على اِليتيه ويرفعَ فخذيه وساقيه ويضمُّهما إلى بطنِه ويشدُّهما بيديه.

وأمَّا حكم الاحتباء فالواردُ هو كراهتُه للمُحرِم، وفي المسجد الحرام، فقد روى الكلينيُّ بسندٍ مُعتبرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "يُكْرَه الِاحْتِبَاءُ لِلْمُحْرِمِ ويُكْرَه فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَام"(2).

وفي روايةٍ معتبرةٍ أخرى وردتْ في العِلَل عن حمَّاد بن عثمان قال: رأيتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يَكرهُ الاحتباء للمُحرِم، قال: "ويُكره الاحتباءُ في المسجد الحرام إعظاماً للكعبة"(3).

وروى الكلينيُّ بسندٍ لا بأس به عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَحْتَبِيَ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ"(4).

وفي روايةٍ أخرى عن عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْتَبِيَ مُقَابِلَ الْكَعْبَةِ"(5) وهي محمولةٌ على الكراهة جمعاً بينها وبين ما سبقَ من الروايات.

الاحتباء في غير الموردين:

وأمَّا الاحتباء في غير الموردين فلم تثبتْ كراهتُه، نعم ورد النهيُ عن الاحتباء بثوبٍ واحد إذا لم يكن ثمة ما يُغطِّي عورته من جهة الأعلى فهي لا تَبينُ للجالس والمتغافِل ولكن لو أشرف الناظرُ لأمكنه الاطِّلاع على عورتِه أو لكان المحتبي في مظنَّة الانكشاف، لأنَّه ليس على فرجِه شيءٌ يسترُه.

فالاحتباء في مثل هذه الصورة قد ورد النهيُ عنه في (معاني الأخبار): عن محمد بن هارون الزنجاني، عن عليِّ بن عبد العزيز، عن القاسم بن سلام رفعه عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه نهى عن لبستين: اشتمال الصمَّاء، وأنْ يَحتبيَ الرجلُ بثوبٍ ليس بين فرجه وبين السماءِ شيء"(6).

فلو كان على الرجل مثل السراويل فإنَّ الاحتباء لن يكونَ مشمولاً للنهي في هذا الفرض، ويُؤيِّدُ ذلك مارواه في الكافي بسندٍ معتبرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الرَّجُلِ يَحْتَبِي بِثَوْبٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: "إِنْ كَانَ يُغَطِّي عَوْرَتَه فَلَا بَأْسَ"(7).

فالاحتباء في غير هذا المورد والموردين الأولين لم تثبتْ كراهتُه بل ورد ما يُشيرُ إلى رجحانِه كما في مرفوعة عبد العظيم بن عبد الله بن الحسن العلوي قال كان النبيُّ (ص) يجلسُ ثلاثاً، القرفصاء وهو أنْ يُقيم ساقيه ويستقبلُها بيديه ويشدُّ يدَه في ذراعه، وكان يجثو على ركبتيه، وكان يُثنى رِجلاً واحدة ويبسط عليها الأخرى ولم يُرَ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) متربِّعاً قط".

فجلسةُ القرفصاء هي ذاتُها جلسة الاحتباء، ويُؤيِّد الرجحان ما ورد بسندٍ معتبرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): "الِاحْتِبَاءُ حِيطَانُ الْعَرَبِ"(8) وكذلك ما ورد بسندٍ معتبرٍ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): "الِاحْتِبَاءُ فِي الْمَسْجِدِ حِيطَانُ الْعَرَبِ"(9).

ومعنى ذلك أنَّ الاحتباء يقومُ مقامَ الاستناد إلى الحائط والجدار، أي أنَّ المُحتبي يكونُ في الثبات والتمكُّنِ من الجلوس كالمُسنِد ظهرَه إلى جدار، ففي الروايتين إشعارٌ بحُسن هذه الجلسة، وقولُه (ع): في المسجد يُؤيِّد نفي كراهة الاحتباء في المسجد وقت الخطبة خلافاً لما ورد من طُرق العامَّة أنَّه: "نهى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) عن الاحتباء يوم الجمعة، يعنى والامام يخطب"(10) ولعلَّ منشأ ذلك لو صحَّ هو ما ورد من النهي عن الاحتباء إذا لم يكن على فرجِه شيءٌ يسترُه فيكون في هذه الجلسة مظنَّةُ الانكشاف للعورة.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج12 / ص561.

2- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص366.

3- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص446.

4- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص546.

5- الكافي -الشيخ الكليني- ج2 / ص663.

6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص400.

7- الكافي -الشيخ الكليني- ج2 / ص663.

8- الكافي (مُشَكَّل) -الشيخ الكليني- ج2 / ص662.

9- الكافي (مُشَكَّل) -الشيخ الكليني- ج2 / ص662.

10- سنن ابن ماجة -محمد بن يزيد القزويني- ج1 / ص359.