زُبيدة .. هل هي مِن الشيعة؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل كانت زبيدة زوجةُ الرشيد العبَّاسي من الشيعة كما يُنسب ذلك للصدوق؟ وهل ورد أنَّها ترجعُ إلى الدنيا بعد قيام القائم (ع) فتكون من أنصاره؟

 

الجواب:

لم يثبت أنَّ زبيدة زوجةَ الرشيد العباسي كانت من الشيعة بل إنَّ الشواهد التأريخيَّة المتكاثرة تقتضي خلاف ذلك، نعم قد تكون مُحبَّةً لأهل البيت بالمعنى الأعم وممَّن يُبدي تعاطفًا وميلًا لهم، وقد كان يُطلقُ على مَن يتعاطفُ مع أهل البيت (ع) أو يُبدي ميلًا لهم أنَّه يتشيَّع أو فيه تشيُّع، وهذا المقدار وإنْ لم يثبت لزُبيدة ولكنَّه غير مستبعَدٍ، فأهلُ البيت كانوا من أبناء عمومتها، وقد حُكي عن العديد ممَّن كان في البلاط العبَّاسي أنَّهم كانوا يتعاطفون مع أهل البيت (ع) ويُقدِّرونهم لكن ذلك لا يعني أنَّهم كانوا من الشيعة لا بالمعنى الخاص بل ولا بالمعنى الواسع لعنوان الشيعة.

 

وأمَّا دعوى أنَّ الشيخ الصدوق (رحمه الله) عدَّ زُبيدةَ من الشيعة وأنَّ هارون الرشيد لمَّا علِم بتشيُّعها حلف بأنْ يطلقها فهو قول نسبَه المامقاني(1) إليه وأفاد (رحمه الله) أنَّ الشيخ الصدوق قد قال ذلك في كتاب المجالس (الأمالي) إلا أنَّ هذه النسبة للشيخ الصدوق لا تصحُّ، فليس في كتاب المجالس أو غيره من كتب الشيخ الصدوق (رحمه الله) عينٌ ولا أثر لهذا الكلام، ولعلَّ الشيخ المامقاني (رحمه الله) قد اشتبه عليه فإنَّ نسبة التشيُّع لزبيدة ورد -كما قيل- في كتاب مجالس المؤمنين للقاضي نور الله الشوشتري، وعلى أيِّ تقدير فنسبةُ القول بتشيُّع زُبيدة إلى الشيخ الصدوق (رحمه الله) لا تصح.

 

نعم ذكر الشيخُ عبَّاس القمِّي في كتابه الكُنى والألقاب أنَّه حُكي أنَّ زُبيدة كانت من الشيعة، ولم يَنسبْ هذا القول لأحدٍ بشخصه ثم أيَّد ذلك بما ذكره ابنُ شحنة في روضة المناظر قال: "في سنة 443 -للهجرة- وقعتْ فتنةٌ عظيمة بين السنَّة والشيعة أُحرق فيها ضريحُ موسى بن جعفر الصادق (عليه السلام) وقبر زُبيدة، وقبور مُلوك بني بُويه".

 

وعلَّق الشيخُ عباس على ذلك بقوله: "الظاهرُ أنَّ إحراق أهل السنَّة قبرَ زُبيدة لم يكن إلا لأجل تشيُّعها كقبورِ بني بُويه .."(2).

 

وهذا الاستظهار لا يصحُّ أيضًا فإنَّ هذه الفتنة قد أرَّخ لها ابنُ الأثير في كتابه الكامل في التأريخ(3) وأفاد أنَّ السنَّة من أهالي بغداد أحرقوا المشهد الشريف للإمامين موسى بن جعفر ومحمد بن علي الجواد (ع) فاحترق ما يُجاورهما من قبور مُلوك بني بويه وكذلك احترق قبرُ زبيدة وقبرُ أبي جعفر المنصور الدوانيقي وقبرُ محمد الأمين ابنِ زُبيدة، فهل كان أبو جعفرٍ المنصور الخليفة العبَّاسي من الشيعة؟! وهل كان محمد الأمين الخليفة العبَّاسي من الشيعة؟!

 

إنَّ احتراق قبرِ زبيدة في الفتنة المذكورة كان بسبب مجاورته لقبري الإمامين موسى بن جعفر ومحمَّدٍ الجواد (ع) فقد كانت زبيدة مدفونةً هي وجدها المنصور الدوانيقي وابنها محمد الأمين بجوار الإمامين فيما يُسمى سابقًا بمقابر قريش، فلأنَّ الحنابلة أحرقوا قبري الإمامين (ع) لذلك احترقت القبور المجاورة لهما والتي منها قبرُ محمد الأمين وقبرُ المنصور الدوانيقي المعروف بالنصب والعداء لأهل البيت (ع)، فلا يصحُّ الاستدلال باحتراق قبر زبيدة على تشيُّعها.

 

بقيَ الكلام في الرواية التي أوردها أبو جعفر بن رستم الطبري في كتاب دلائل الإمامة بسنده عن المفضَّل بن عمر، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يكرُّ مع القائم (عليه السلام) ثلاث عشرة امرأة. قلتُ: وما يصنعُ بهنَّ؟ قال: يُداوينَ الجرحى، ويُقمْنَ على المرضى، كما كان مع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله). قلتُ: فسمِّهنَّ لي. فقال: القنواء بنت رُشيد، وأمُّ أيمن، وحبَّابة الوالبية، وسميَّة أمُّ عمار بن ياسر، وزُبيدة، وأمُّ خالد الأحمسية، وأمُّ سعيد الحنفية، وصبَّانة الماشطة، وأمُّ خالد الجهنية"(4).

 

فهذه الرواية تمسَّك بها البعض لإثبات تشيُّع زبيدة زوجة الرشيد، إذ أنَّها لن تحظى بشرف الانتساب لأنصار الإمام القائم (ع) لو لم تكن من الشيعة.

 

والجواب بعد تجاوز ضعف سند الرواية لاشتماله على بعض المجاهيل فإنَّ الرواية لم تُفصح عن هويَّة زبيدة المذكورة ضِمن النساء اللاتي يكنَّ مع القائم، فهل هي زُبيدة زوجة الرشيد أو هي غيرها؟ فلعلَّها ليست زُبيدة زوجة الرشيد، خصوصًا وأنَّ الرواية تتحدَّث عن نساء وُجدن في أزمنة متفاوتة من التأريخ، واسم زبيدة علَمٌ على العديد من النساء، هذا أولًا.

 

وثانيًا: إنَّ نُسخ الكتاب مختلفة كما أفاد محقِّق كتاب الدلائل، ففي بعض النسخ "زبيدة" بالدال وفي بعضها "زبيرة" بالراء بل أفاد المحقِّق أنَّ زبيرة بالراء هو المطابق للنسخة المُودَعة في المكتبة الرضويَّة والنسخة المودَعة في مكتبة المرعشي، وأمَّا زُبيدة بالدال فهو المطابق للنسخة المطبوعة في المطبعة الحيدريَّة، ولعل ذلك يصلحُ مرجِّحًا لاحتمال أنَّ المرأة المذكورة في الرواية هي زبيرة وليست زبيدة، وإنْ لم يكن الأمرُ كذلك فلا أقلَّ من عدم إحراز أنَّ المذكور في الرواية هي زبيدة بالدال، فلا يصحُّ البناء وترتيب الأثر على أمرٍ هو أساساً غير محرَزٍ.

 

على أنَّ ثمة مرجِّحًا آخر على أنَّ المذكور في الرواية هي "زبيرة" وليست "زبيدة" وهو أنَّ زبيرة الروميَّة كانت ضِمن النساء الأوائل المُستضعفات اللواتي أسلمنَ في مكة مع رسول الله (ص) فنالهنَّ الكثير والشديد من العذاب على يد كفار قريش(5) ولعلَّ ما يُؤكِّد إرادة هذه المرأة المؤمنة من الرواية هو ذكرها في سياق ذكر عددٍ من المُستضعفات الأوائل كسميَّة الشهيدة والدة عمَّار بن ياسر وأمِّ أيمن حاضنة الرسول (ص) والتي رُوي أنَّ رسول الله (ص) بشَّرها بالجنَّة، وكانت من الملازمات لأهل البيت (ع)(6).

 

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنَّه لم يثبت أنَّ زبيدة زوجةَ الرشيد كانت من الشيعة، ولم يثبت أنَّ الشيخ الصدوق قال بتشيُّعِها، وكذلك فإنَّ نقل أبي جعفر الطبري صاحب الدلائل للرواية المذكورة في كتابه لا يدلُّ على أنَّه يقول بتشيُّع زبيدة، فإنَّ نقل الرواية لا يعني اعتمادها كما هو واضح، على أنَّ مِن غير المُحرَز كما ذكرنا ما هو المنقول في الرواية وهل هو زُبيدة أو زبيرة، وإذا كانت زبيدة فمَن هي زبيدة هل هي زوجة الرشيد أو غيرها.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- تنقيح المقال -المامقاني- ج3 / ص78.

2- الكنى والألقاب -الشيخ عباس القمي- ج2 / ص289.

3- الكامل في التأريخ -ابن الأثير- ج9 / ص577.

4- دلائل الأمامة ص484.

5- المنتقى من منهاج الإعتدال للذهبي ج1 / ص558، الرياض النضرة -المحب الطبري- ج1 / ص133.

6- الأمالي -الشيخ الصدوق- ص142، علل الشرائع -تلشيخ الصدوق- ج1 / ص187، الأمالي -الشيخ أبي جعفر الطوسي- ص213، الكافي -الكليني- ج2 / ص405.