حديث شقِّ صدر النبيِّ (صلّى الله عليه وآله)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هي قصَّةُ رفعِ العلقةِ السوداء عن قلبِ النبيِّ محمَّدٍ (ص)؟ وهلْ هي متفقٌ عليها؟

 

الجواب:

حديث شقِّ الصدرِ ورد في طُرقِ العامة ولم يردْ في طُرقنا، وحاصلُ ما ورد في هذا الحديث أنَّ جبرئيلَ (ع) أو بعضَ الملائكة شقَّ صدرِ النبيِّ (ص) واستخرجَ من قلبِه علقةً قال: إنَّها من حظِّ الشيطان ثم غسلَ قلبَه في طستٍ من ذهب بماءِ زمزم ثم أعاد القلبَ إلى مقرِّه ولأمَ ما شقَّه من صدرِ النبيِّ (ص).

 

وقد ورد في رواياتِهم ما يظهرُ منه أنَّ حادثة شقِّ الصدر قد تكرَّر وقوعُها للرسول (ص)، ففي المرَّةِ الأولى وقعتْ له في زمن الصبا عندما كان في كنفِ مُرضعتِه حليمةَ السعديَّة، ووقعتْ له مثلُ هذه الحادثةِ حينما أصبح يافعاً، وتكرَّر وقوعُها عند مبعثِه الشريف، وكذلك وقع له مثلُها قُبيل العروجِ به إلى السماء.

 

ونكتفي هنا بنقل نصٍّ واحدٍ أورده مسلمٌ في صحيحِه بسنده عن أنس بن مالك انَّ رسولَ الله (ص) أتاه جبريلُ (ع) وهو يلعبُ مع الغلمان فأخذه فصرعه فشقَّ عن قلبه فاستخرجَ القلبَ فاستخرجَ منه علَقة -وفي رواية علقةً سوداء- فقال: هذا حظُّ الشيطانِ منك ثم غسلَه في طستٍ من ذهبٍ بماءِ زمزم ثم لأَمَه ثم أعاده في مكانِه، وجاء الغلمانُ يسعونَ إلى أمِّه -يعنى ظئره- فقالوا إنَّ محمَّداً قد قُتل فاستقبلوه وهو منتقِعُ اللون، قال أنس: وقد كنتُ أرى اثرَ ذلك المخيطِ في صدرِه"(1).

 

وأورد مسلمٌ أيضاً في صحيحه عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يُحدِّثُ أنَّ رسولَ الله (ص) قال: فُرِجَ سقفُ بيتي وأنا بمكة فنزلَ جبريلُ (ع) ففرَج صدري ثم غسلَه من ماء زمزم ثم جاء بطستٍ من ذهب ممتلئ حكمةً وإيماناً فأفرغها في صدري ثم أطبَقه ثم أخذ بيدي فعرجَ بي إلى السماء .."(2).

 

والذي يردُ على هذه الروايات أنَّها تفترِضُ وجود علاقة سببيَّةٍ تكوينيَّةٍ بين بعض الأجزاء في جسد الإنسان وبين الشرور بحيثُ يكونُ إستئصال هذا الجزء مُفضياً لإنتفاء صدورِ الشرورِ من الإنسان.

 

كما أنَّ بعض هذه الروايات أفاد أنَّ الحكمة والإيمان والتي هي من الشؤونات المعنويَّة قد تمَّ إفراغُها في إناءٍ مادِّي مصنوعٍ من الذهب، وقد كان ممتلئًا بهما ثم إنَّ هذا الإناء قد تمَّ إفراغُ ما فيه من حكمةٍ وإيمانٍ في قلبِ النبيِّ الكريم (ص) بعد شقِّه. وهذا المعنى لا يُمكن تعقُّله دون تأويل وهو ما يأباه ظاهرُ ألفاظِ هذه الأحاديث.

 

فأنسُ بنُ مالك -الذي كان خادماً للنبيِّ (ص) في المدينة- يقولُ إنَّه كان يرى أثرَ المخيطِ في صدر رسولِ الله (ص) أي أنَّه كان يرى موضعَ الجراحة التي أُجريت للرسولِ (ص) فكان موضعُ إلتئامِ الجُرح في صدرِ رسول الله (ص) بيِّناً بحيثُ إنَّ أنسَ بنَ مالك كان يراهُ بعد عقدٍ أو أكثرَ من الزمن على وقوعِ حادثةِ شقِّ الصدر، وهذا المعنى لا يَحتمِلُ التأويل.

 

وقد اشتملتْ بعضُ الرواياتِ على أنّه وبعد أنْ تمَّ استئصالُ العلَقةِ التي هي مغزى الشيطان الكائن في قلبِه وبعد أن تمَّ غسلُ علَقِ الدمِ أمرَ أحدُ الملكينِ الآخر بأنْ يخيطَ بطنَ رسولِ الله (ص).

 

قال (ص): "أتاني ملكانِ وأنا ببطحاء مكة .. ثم قال أحدُهما لصاحبِه شُقّ بطنَه فشقَّ بطني ثم قال أحدهما لصاحبه: أخرِجْ قلبَه أو قال: شقَّ قلبَه فشقَّ قلبَه، فشقَّ قلبي فأخرج مغزى الشيطان وعلَقَ الدم فطرحها ثم قال أحدُهما للآخر: اغسلْ بطنَه غسْلَ الإناء وإغسل قلبَه غسْلَ الملاءة ثم رمى بسكينةٍ كأنَّها زُمردةٌ بيضاء فأُدخلتْ قلبي ثم قال أحدهما للآخر: خطْ بطنَه فخاط بطني .."(3).

 

وفي روايةٍ أخرى قال النبيُّ (ص): "فاقبل طيرانِ أبيضانِ كأنَّهما نسران فقال أحدُهما لصاحبِه: أهو هو؟ قال: نعم، فاقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني إلى القفا فشقَّا بطني ثم استخرجا قلبي فشقَّاه فأخرجا منه علقتين سوداوين فقال أحدُهما لصاحبه: ائتني بماء ثلجٍ فغسلا به جوفي ثم قال: إئتني بماءِ بَرَد فغسلا به قلبي .."(4).

 

فمثل هذه الروايات صريحةٌ في أنَّ ما وقع للنبيِّ (ص) كان جراحةً حسِّية فُتح فيها صدرُه وقلبُه واستُئصلَ من قلبِه جزء فكان أثرُ ذلك هو عصمتَه من الشيطان.

 

فظاهرُ هذه الروايات لا يقبلُ التأويل إلا بتعسُّفٍ يستهجنُه الفصحاء من المتكلِّمين، وحملُه على ظاهره ممَّا لا يمكنُ تعقُّله لأنَّه يفترضُ علاقةً سببيَّةً تكوينيَّةً بين قطعةٍ لحميَّةٍ في الجسدِ وبين الذنوبِ والشرور التي تصدرُ عن الإنسان بحيثُ يكونُ استئصالُ هذه القطعةِ اللحميَّة مفضياً لعصمةِ الإنسان من الشرورِ والذنوب.

 

وعليه فرواياتُ شقِّ الصدر يصحُّ تصنيفُها في الاحاديث المنكَرة رغم إستفاضةِ نقلِها من طرقِ العامَّة، وممَّا يزيدُ الارتيابُ في صدقِها هو خلوُّ الرواياتِ الواردةِ عن أهلِ البيت (ع) عن ذكرِها جملةً وتفصيلاً رغم أنَّ الدواعي مقتضيةٌ لذكرِها من قِبَلِ أهلِ البيتِ (ع) لو كان لها واقع، فهي بمقتضى مساقها تُعدُّ فضيلةً وكرامةً للنبيِّ (ص) بل لعلَّها من مختصاتِه دون سائرِ الأنبياء، وقد تكرَّر وقوعُها مراتٍ عديدة، وقد كان أثرُها بيِّناً على جسدِ رسولِ الله (ص) بحسب الدعوى فما هو المبرِّر لإهمالِ ذكرها من قِبلِ أهلِ البيتِ (ع) رغم تصدِّيهم لبيانِ دقائقِ أحوالِ النبيِّ (ص) وقد نقلوا لنا ما هو أقلُّ شأناً من هذه الحادثة، فعدمُ وصولِ شيءٍ عن أهل البيت متَّصلٍ بهذه الحادثة يُعزِّرُ من الارتيابِ في صدقِها.

 

هذا مضافاً إلى أنَّ المرويَّ عن أنسِ بن مالك أنَّ أثرَ المخيطِ والجراحةِ كان بيِّناً في صدر رسول الله (ص) فكان يراه دائماً كما هو ظاهر الرواية فكيف لم يَرَه غيرُه ممَّن هم ألصقُ برسول الله (ص) منه؟! وكيفَ لم يُنقل ذلك عن زوجاتِه؟! رغم تصدِّي العديدِ منهنَّ للحديثِ عن أخصِّ أحوالِه، فمثلُ هذه القضيَّة -لو كانت صادقة- أولى بالنقل باعتبارها في عِداد الكرامات.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج1 / ص102.

2- صحيح مسلم -مسلم النيسابوري- ج1 / ص102.

3- كتاب الهواتف -ابن أبي الدنيا- ص18، دلائل النبوة -اسماعيل الاصبهاني-ج1 ص249 4.

4- مسند احمد -أحمد بن حنبل-  ج4 / ص184.