المهدي (ع) هل له زوجة وذريَّة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل الإمام المهدي (ع) متزوِّج ؟ وهل عنده ذريَّة وما اسم زوجته؟

 

الجواب:

هذا الامر لا يمكن التثبُّت من وقوعه أو عدمه، وذلك لعدم تصديِّ الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) لاثباته أو نفيه، ولا يمكن التعرُّف على ذلك من طريقٍ آخر نظراً لكون الإمام المهدي (ع) مكلَّفًاً بالغيبة، وهي تقتضي خفاء معالمِه وشؤونه الخاصَّة.

 

ولعلَّ منشأ عدم تصدِّي الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) لبيان الأحوال الخاصَّة للإمام المهدي (ع) هو عدم أهميَّة هذا الأمر، فهو من الشؤون الخاصَّة التي لا يترتَّب عن معرفتها سوى إشباع الفضول، فما هو دخيلٌ في إثبات وجود الإمام المهدي (ع) قد تصَّدت الروايات لإثباته بما لا يدع مجالاً للشك والارتياب حتى بلغت الروايات في ذلك حداً يفوق التواتر القطعي بمراتب، فليس ثمة من قضيةٍ من قضايا العقيدة حظيت بما حَظيَ به هذا الأمر من عناية، فمنذُ العصر النبويِِّ الشريف وحتى رحيل الإمام العسكرى (ع) دأَبَ أهلُ البيت (ع) على الحديث عن هذا الشأن وعن كلِّ ما يتَّصلُ به من شؤون بما يكون مآله الترسيخ للإعتقاد بكون الإمام المهدي (ع) هو الإمام الثاني عشر وأنَّه يلي الامامةَ بعد رحيل والده الإمام الحسن العسكري (ع) وأنَّ له غيبتين تمتدُّ الثانية إلى ما شاء اللهُ تعالى ثم يخرجُ فيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.

 

وعلى أيِّ حال فما وقفنا عليه من الروايات التى يمكن الاستشعار منها بتزوُّج الامام المهدي (ع) في عصر الغيبة وأنَّ له ذريَّة هو ما رواه الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الغيبة بسنده عن المفضَّل بن عمر قال: سمعتُ أبا عبدالله (ع) يقول: إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما تطول حتى يقول بعضهم: مات، ويقول بعضهم: قُتل، ويقول بعضُهم: ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفرٌ يسير، لا يطَّلع على موضعه أحدٌ مِن ولده ولا غيره إلا المولى الذي يلي أمره(1).

 

فقوله (ع): "لا يطَّلع على موضعه أحدٌ من ولده ولا غيره" يُشعِر بأنَّ له في عصر الغيبة ذريَّة، وذلك يقتضي أنْ يكون متزوِّجاً إلا أنَّ الامر لا يتجاوز الإشعار، وذلك لاحتمال أنَّ الامام الصادق (ع) أراد من قوله ذلك التعبيرَ عن شدَّةِ خفاء المهدي (ع) وأنَّ أحداً لايطَّلع على موضعه وإنْ كان من أخصِّ الخواص، واختار التمثيل بالُولْد لأنَّهم كذلك، فالإمامُ الصادق (ع) لم يكن بصدد إثبات أنَّ للمهدي في عصر الغيبة أولاداً وإنَّما كان بصدد بيان شدَّة خفائه، فلعلَّ المتلقِّي لكلامه يفهم أنَّ غيبته وخفاءه يكون عن عموم الناس دون الخواص فأراد الإمامُ الصادق (ع) نفيَ هذا الاحتمال بالتمثيل بأقرب الناس عادةً للإنسان.

 

على أنَّه لو كانت الفقرةُ المذكورة ظاهرةً في أنَّ للامام المهدي (ع) أولاداً في عصر الغيبة إلا أنَّها رغم ذلك لا تكون صالحة للإثبات نظراً لاختلاف نسخ الرواية، فقد أورد النعماني في كتاب الغيبة عينَ هذه الرواية سنداً ومتناً إلا أنَّه ذكر بدلاً من كلمة "ولده" كلمة "ولي".

 

فنصُّ الفقرة التى وردت في كتاب الغيبة للنعماني هي: "لا يطَّلع على موضعِه أحدٌ من وليِّ ولا غيره"(2) وعليه فمِن غير المُحرَز أيُّ اللفظين هو المنقول عن الراوي عن الامام الصادق (ع) هل هو الذي أورده الشيخ الطوسي أو هو الذي ورد في كتاب الغيبة للنعماني، فتكون الرواية ساقطة عن الاعتبار من هده الجهة.

 

نعم لا يبعد أنَّ الأصح من النسختين هو ما ورد في كتاب الغيبة للشيخ النعماني، وذلك لأنَّه لو كان ما صدَر عن الإمام (ع) هو قوله: "مِن ولده" لكان المناسب أن يقول بعده: "ولا غيرهم" لا أن يقول: "ولا غيره".

 

ودعوى أنَّ كلمة "ولده" مفرد، فيكون المناسب هو العطف بقوله: "ولا غيره" مستبعدة، لأنَّه لو كان الولد مفرداً لما كان المناسب دخول حرف "من"، وكان الأولى القول "لا يطلع على موضعه ولدٌ ولا غيره" فدخول حرف "من" البيانية قرينة ظنيَّة على إرادة الجمع من كلمة "ولده"، ولهذا كان المناسب العطف على الجملة المذكورة بالقول "ولا غيرهم"، وحيث إنَّ الجملة المعطوفة كانت "ولا غيره" في كلا المصدرين لذلك كان الأقرب للصواب هو ما ورد في كتاب الغيبة للنعماني وهي قوله: "لا يطَّلع على موضعِه وليٌّ ولاغيره"

 

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنَّه ليس لدينا ما يُمكن التمسُّك به لإثبات أو نفي تزوُّج الإمام المهدي (ع) في عصر الغيبة سوى روايات آحاد ضعيفة الأسناد مشعرة بأن له أولاد وفي المقابل ورد ما يدلُّ على نفي العقِب له، نعم المظنون قويَّاً هو تزوُج الإمام (ع) لأنَّه من السنن النبويَّة المؤكدة، ولأنَّ ذلك لا يتنافى مع تكليفه بالغيبة والذي لا يقتضي أكثر من خفاء هوِّيته، لذلك ثبت أنَّه يحضر الموسم في الحج ويراه الناس وإنْ لم يتعرَّفوا على هويَّته. 

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- الغيبة -الشيخ الطوسي- ص162.

2- كتاب الغيبة -محمد بن إبراهيم النعماني- ص176.