ذبائحُ الجنِّ

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ثمةَ ظاهرةٌ سائدة بين الناس وهي ذبحُ شاةٍ في أساس بناءِ البيت أو عند شراء منزلٍ فهل لذلك أصلٌ في الشريعة؟

الجواب:

لم نقفْ على روايةٍ تقتضي استحبابَ الذبحِ في أساسِ البناءِ أو عند شراءِ منزلٍ أو ما أشبَهَ ذلك.

نعم ورد في ثواب الأعمال للشيخ الصدوق بسندٍ معتبر عن الإمام الصادق (ع) عن آبائه قال: قال رسولُ الله (ص): "من بنى مسكناً فذبح كبشاً سميناً وأطعم لحمَه المساكين ثم قال: اللهمَّ ادحرْ عنِّي مرَدةَ الجنِّ والأنس وبارِكْ لي في بنائي، أُعطي ما سأل"(1).

فالرواية تقتضي استحبابَ الذبحِ بعد الفراغ من بناءِ المسكن على أنْ يكون بقصدِ الصدقة كما هو مقتضى قوله (ص): "وأطعَمَ لحمَه المساكين"، وبناءً على ذلك يكونُ الذبحُ في أساسِ البناء ممَّا لا أصلَ له في الشريعةِ ظاهراً كما أنَّ الذبح في المنزل عند شرائِه أو الذبح بجانب شيءٍ تمَّ شراؤه لتوهُّم أنَّ ذلك ينفعُ لدفعِ البلاء أو دفعِ أذى الجنِّ أو حسَدِ الإنس ممَّا لا أصلَ له ظاهراً في الشريعة.

نعم الذبحُ بقصدِ التصدُّق باللحمِ على الفقراء حسَنٌ على أيِّ حال، والصدقةُ تدفعُ البلاء كما ورد في الرواياتِ الصادرةِ عن الرسولِ (ص) وأهل بيتِه (ع) ولكنْ لم يثبُتْ استحبابُ أو رجحانُ الذبح في خصوصِ المنزل أو بجانبِ العين التي تمَّ شراؤها أو تملُّكها، فلا يبعد أنَّ فعل ذلك بقصد الخصوصيَّة من التشريع.

على أنَّ ثمة أمراً ينبغي التنبيهُ عليه وهو أنَّ الذبحَ عند بناءِ دارٍ أو شرائِها أو ما شابَه ذلك بقصدِ دفعِ البلاءِ أو الحسدِ أو لدفع التطيُّر والتشاؤم أو دفع أذى الجنِّ أو الإنس من الممارسات التي كانت سائدةً في عصر الجاهليَّة، فلما بُعثَ النبيُّ (ص) نهى عنها، فلا يبعدُ أنَّ ما عليه بعضُ الناس كان قد تسرَّبَ إليهم ممَّا كان سائداً بين عرب الجاهليَّة.

وللاستئناس بصحَّة ما ذكرناه نشيرُ إلى بعضِ الروايات الواردةِ عن أهلِ البيت (ع) في هذا الصدد:

1- روى الشيخ الصدوق في كتابه معاني الأخبار عن النبيِّ (ص) أنَّه: " نهى عن ذبائح الجن ". ثم قال: " وذبائحُ الجن هو أنْ يشتريَ الدار أو يستخرجَ العين أو ما أشبه ذلك فيذبحُ له ذبيحةً للطيرة ".

قال أبو عبيد: معناه أنَّهم كانوا يتطيَّرون إلى هذا الفعل مخافةَ إنْ لم يذبحوا أو يُطعِموا أنْ يُصيبَهم فيها شيءٌ من الجنِّ فأبطلَ النبيُّ (ص) هذا ونهى عنه(2).

2- روى الشيخ النوري في مستدرك الوسائل عن الجعفريات بسندٍ إلى عليِّ بن أبي طالب (ع) قال: إنَّ رسولَ الله (ص) نهى عن ذبائح الجنِّ قيل: يا رسول الله وما ذبائحُ الجنِّ قال (ص): "يتخوَّفُ القومُ من سكان الدار "الجن" فيذبحونَ لهم الذبيحة"(3).

وثمة رواياتٌ أخرى وردت من طرق السنَّة لا أرى داعياً لنقلها.

ومنشأ التعبير عن الذبائح التي تُذبح لهذا الغرض بذبائح الجنِّ هو ما أفاده ابنُ الأثير في كتاب النهاية من أنَّ عرب الجاهليَّة كانوا إذا اشتروا داراً أو استخرجوا عيناً أو بنوا بنياناً ذبحوا ذبيحةً مخافةَ أنْ تُصيبَهم الجنُّ فأُضيفت الذبائحُ إليهم لذلك.

وأفاد ابنُ منظور في لسانِ العرب في مقام تفسير نهي النبيِّ (ص) عن ذبائحِ الجنِّ أنَّ عربَ الجاهليَّة كانوا يفعلون ذلك للطيرة أي لدفعِ الشؤم، وإنَّهم يتطيَّرون إلى هذا الفعل مخافَة أنَّهم إنْ لم يذبحوا أو يُطعِموا أنْ يصيبَهم فيها شيءٌ من الجنِّ يُؤذيهم فأبطلَ النبيُّ (ص) هذا، ونهى عنه(4).

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنَّ ما هو مُمارسٌ في بعض الأوساط الاجتماعيَّة من الذبح في أساس البناءِ أو بجوار الدار بعد بنائِها أو شرائِها ممَّا لا أصلَ له في الشريعة حتى وإنْ كان بقصد التصدُّق، لأنَّ الصدقةَ وإنْ كانت مستحبَّة في نفسِها إلا أنَّه لمَّا لم يرد عن المشرِّع استحبابُ الذبحِ بهذا النحو فإنَّ الالتزام به مع قصد الخصوصيَّة والاستحباب يكون من التشريع.

هذا إذا لم يقصد المكلَّفُ من الذبح دفعَ أذى الجنِّ أو دفع التطيُّر والتشاؤم وما أشبَهَ هذه القصود وإلا كان الذبحُ مرجوحاً نظراً لورود النهيِ عنه كما اتَّضح ذلك ممَّا تقدم.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

22 /ذي الحجة /1426هـ


1- ثواب الأعمال -الشيخ الصدوق- ص186.

2- معاني الأخبار -الشيخ الصدوق- ص282.

3- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج16 / ص200.

4- لسان العرب -ابن منظور- ج2 / ص437.