هل مدح عليٌّ (ع) عُمَرَ عند نزولِه الكوفة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمد

 

المسألة:

عندما قدم الإمامُ عليٌّ (ع) الكوفة قيل له: "يا أمير المؤمنين، أتنزلُ القصر؟"، قال: "لا حاجةَ لي في نزولِه، لأنَّ عمر بن الخطاب كان يبغضُه، ولكنِّي نازلٌ الرَّحبة".

 

هذه الروايةُ روتْها بعضُ كتب الشيعة وهي تدلُّ على اقتداء الإمام عليٍّ (ع) بعمر بن الخطاب.

 

الجواب:

الروايةُ الواردةُ من طُرق الشيعة ليست مشتملةً على فقرة: "لأنَّ عمرَ بن الخطاب كان يبغضُه"، فقد رواها نصرُ بن مُزاحم المنقري من طريق عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وغيره بما هذا نصُّه: "لمَّا قدم عليُّ بن أبي طالب من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضَت من رجب سنة ستٍّ وثلاثين، وقد أعزَّ اللهُ نصرَه وأظهرَه على عدوِّه، ومعه أشرافُ الناس وأهلُ البصرة، استقبلَه أهلُ الكوفة وفيهم قرَّاؤهم وأشرافُهم، فدعوا له بالبركة وقالوا: يا أميرَ المؤمنين، أين تنزلُ؟ أتنزلُ القصرَ؟ فقال: لا، ولكنِّي أنزل الرَّحبة. فنزلَها وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلَّى فيه ركعتين، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلَّى على رسولِه (ص) وقال: "أما بعدُ يا أهل الكوفة .."(1)، فالروايةُ كما تُلاحظون خاليةٌ من الفقرة المذكورة.

 

وروى الشيخُ المفيد الواقعة في كتابه الأمالي (المجالس) بسندٍ ذكره عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود قال: قدِم أميرُ المؤمنين من البصرة إلى الكوفة لاثنتي عشرة ليلة خلَت من رجب فأقبل حتى صعد المنبر فحمِد الله وأثنى عليه ثم قال: أمَّا بعد فالحمدُ لله الذي نصر وليَّه وخذل عدوَّه .." فالرواية كما تُلاحظون خاليةٌ من الفقرة المذكورة(2).

 

وكذلك فإنَّ ابن شهراشوب في المناقب أرَّخ للواقعة دون أنْ يذكر هذا الذي نُسب إلى أمير المؤمنين (ع) قال: "ولمَّا فرغ أمير المؤمنين (ع) من الجمل نزل في الرحبة في السادس من رجب وخطب فقال: الحمد لله الذي نَصَرَ وليَّه وخذل عدوَّه وأعزَّ الصادق المحقَّ وأذلَّ الناكث المُبطِل"(3).

 

هذا وقد نقل الواقعة عن نصر بن مزاحم ابنُ ابي الحديد المعتزلي -في شرحه على نهج البلاغة- خاليةً من الفقرة المذكورة قال: "قال نصر: فدخل الكوفة ومعه أشرافُ الناس من أهل البصرة وغيرهم، فاستقبلَه أهلُ الكوفة، وفيهم قرُّاؤهم وأشرافُهم، فدعوا له بالبركة وقالوا: يا أمير المؤمنين أين تنزل؟ أتنزلُ القصر؟ قال: "لا، ولكنِّي أنزل الرحبة"، فنزلها وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم، فصلَّى فيه ركعتين، ثم صعد المنبر .."(4).

 

ونقل الواقعة ابنُ أعثم الكوفي في كتابه الفتوح فلم يذكر الفقرة المذكورة قال: "فرحل الناس من البصرة إلى الكوفة فدخلوها يوم الاثنين لستة عشر يوماً خلَت من شهر رجب سنة ستٍّ وثلاثين، ومعه يومئذٍ أشرافُ الناس، قال: واستقبلَه أهلُ الكوفة يهنئونَه ويدعون له بالبركة، ثم قال له أصحابه: يا أمير المؤمنين! أتنزلُ القصر؟ قال: "لا، ذاك قصر خيال، ولكن أنزلُ الرحبة"، ثم أقبل فنزلَها، وحُطَّت الأثقال، ودخل عليٌّ رضي الله عنه إلى المسجد الأعظم فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه .."(5).

 

والمتحصَّل أنَّ دعوى رواية الشيعة أنَّ الإمام عليَّاً (ع) قال حين نزل الكوفة وسُئل أتنزل القصر؟، قال: "لا حاجة لي في نزوله، لأنَّ عمر بن الخطاب كان يبغضُه، ولكنِّي نازل الرحبة" هذه الدعوى مكذوبةٌ فليس في مصادر الشيعة مَن روى ذلك عن أمير المؤمنين عليٍّ (ع).

 

بل لم نجد في مصادر السنَّة من رواها كذلك إلا ما نقله مرسلاً ابنُ قتيبة الدينوري في كتابه الأخبار الطوال، قال: "قالوا: وكان مقدمُه الكوفة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلَت من رجب سنة ستٍّ وثلاثين، فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتنزلُ القصر؟، قال: "لا حاجة لي في نزوله، لأنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يبغضُه، ولكنِّي نازل الرحبة"، ثم أقبل حتى دخل المسجد الأعظم، فصلَّى ركعتين، ثم نزل الرحبة .."(6).

 

فالرواية كما تُلاحظون مُرسَلة حيث لم يذكر سندَه إليها، فهي ضعيفةٌ وساقطةٌ عن الاعتبار والحجيَّة حتى على مباني علماءِ الجرح والتعديل من علماء السنة.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري ص3، راجع مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للميرجهاني ج1 / ص322، ج3 / ص287، بحار الأنوار ج32 / ص354، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ج1 / ص418.

2- الأمالي -الشيخ المفيد- ص127.

3- مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج2 / ص348.

4- شرح نهج البلاغة -ابن أبي الحديد- ج3 / ص102.

5- الفتوح -أحمد بن أعثم الكوفي- ج2 / ص491.

6- الأخبار الطوال -ابنُ قتيبة الدينوري- ص152.