كلمة توجيهية للخطباء

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وخاتم النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين

 

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

إنَّ خدمة الإمام الحسين (عليه السلام) والبكاء والإبكاء على سيد الشهداء (عليه السلام) هو من أعظم القربات لله تعالى، والمحظيُّ مَن حَظِيَ بهذا الشرف العظيم.

 

ولكنَّه لا ينال الإنسانُ المؤمن شرف الخدمة لسيد الشهداء لمجرد أنَّه تعلَّم النعيَ ومارسه، فإن ذلك وحده غيرُ كافٍ للفوز بهذا الشرف بل لابدَّ له أن يتحلَّى بعددٍ من الصفات:

 

أوّلًا: الإخلاص لله تعالى في نعيه ورثائه للحسين (عليه السلام) فلا يكون قصدُه من ذلك الشهرة والجاه والمقام الرفيع بين الناس، ولا يكون قصده التظاهر والتباهي بصوته وثقافته، ولا يكون قصده الأُجرة والتكسُّب؛ فأخذُ الأجرة وإنْ كان جائزًا بالمقدار المعقول ولكن ينبغي أنْ لا يكون هو الهدف والغاية من النعي والرثاء لسيد الشهداء (عليه السلام) فإنَّ هذا القصد يُحبِط الثواب ويسلبُ البركة ويحجب القلب وقد يلوثه، ويمنع من القدرة على التأثير.

 

ثانيًا: أن يحرص الناعي للحسين (عليه السلام) على التحلِّي بالأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة، ويحرص على أنْ يكون مثالًا صادقا لأنصار الحسين (عليه السلام) وشيعته، وأهمُّ هذه السجايا هي التقوى والورعُ عن المحارمِ وحُسنُ المعاملةِ للناسِ والتواضعُ لهم ومقابلتُهم بالبُشرِ والتَّرحاب، وأنْ يكونَ سلوكُه سلوكًا خيِّرًا في كلِّ موضعٍ يكونُ فيه؛ في المأتم والبيت وفي المحافل والحضر والسفر ومع الأرحام والأقارب والأصدقاء وسائر الناس، فسجاياه الحميدة لا تختلف من حالٍ إلى حال في الظاهر والباطن وفي السرِّ وفي العلَن.

 

ثالثًا: أنْ يحرص على التزوُّد بالعلم والمعرفة في مختلف الشؤون الدينية، فيتعلَّمَ الفقهَ والعقيدةَ والقرآنَ وتفسيرَه وعلومَه والحديثَ الشريفَ والمقدِّماتِ التي يتوقف عليها فهمُ هذه العلوم، ولا ينقطعَ عن التعلُّمِ إلى آخِرِ عمرِهِ ولا يستنكفَ ويترفعَ على العلم، فإن الإنسان مهما تعلَّم فإنَّه يظلُّ بحاجة إلى المزيد من التعلُّم والتزوُّد من علوم أهل البيت (عليهم السلام) فإنَّ علومهم لا يمكن الإحاطة بها حتى لو صرف الإنسانُ عمره كلَّه في سبيل تحصيلها، ولذلك ينبغي له أن يبقى محصِّلًا إلى آخِر عمره علَّه يحظى بشيءٍ من علومهم ومعارفهم.

 

رابعًا: أن يحرص على أن لا يرقى منبرَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلا بعدَ الاستعدادِ والتحضيرِ المناسب، فإنَّ ذلك هو مقتضى التقديس لمنبر الرسول (صلّى الله عليه وآله) فلا ينبغي التهاونُ في ذلك؛ فإنَّ الإنسان إذا لم يحضِّر لما سيقول فإنه سيكونُ عُرضةً للخطأ أكثر ممَّا لو استعد وأعدَّ لما سيقوله.

 

فلا يصح أن يعتدَّ الإنسان بنفسِه ويقولَ إني قادر على صعود المنبر دونَ تحضير فإنَّ هذه النية قد تقوده إلى الخذلان من الله تعالى.

 

خامسًا: ينبغي له أن يختار لحديثه الموضوعاتِ التي تُقوِّمُ أخلاقَ الناسِ وسلوكَهم فيركِّز في حديثه على القضايا الأخلاقيّة والاجتماعيّة مستعينًا في ذلك بالآيات والروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) فلا ينبغي أن يستغرق في الحديث عن القضايا التي لا يكون لها تأثير مباشر على سلوك الناس ومعاملاتهم بين أسرهم ومجتمعهم، ولا يكون لها تأثير مباشر على أصول عقيدتهم وعلى ارتباطهم بدينهم ونبيِّهم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) فذلك هو ما ينبغي التركيز عليه وليس على القصص التي لا أصل لها والأحلام وما أشبه ذلك.

 

سادسًا: ينبغي الاعتماد فيما يقوله على كتب العلماء المعروفين بالتثبت والدراية وسلامة المعتقد، فلا يصحُّ من الخطيبة وكذلك الخطيب أن يعرضَ للناس أفكارًا ومعلوماتٍ مستقاةً من كتبٍ أو مقالاتِ كُتَّابٍ غيرِ معروفين بالتخصّصِ في العلوم الدينيّة وغيرِ معروفين بالوعيِ والتثبُّتِ فليس كلُّ كتابٍ يصحُّ أن نأخذ منه؛ ولذلك ينبغي سؤال العلماء عن الكتب التي يصحُّ الأخذ عنها.

 

سابعًا: أن لا يركِّزَ اهتمامَه على النعيِ والرثاء ويُغْفِلَ الاهتمام بالحديثِ المتضمِّن للتوعية والتهذيبِ للنفوسِ والسلوكِ والتعريفِ بقيمِ الإسلامِ ومبادئِه وسننِه وآدابِه والتعريفِ بأصولِ العقيدةِ وتوثيقِ صلةِ الناسِ بالقرآنِ والعترةِ الطاهرةِ، فينبغي للخطيب أن يحرص على إعطاء كلٍّ من الأمرين حقَّه؛ فإنهما معًا يمثلان الإحياء لأمر أهل البيت (عليهم السلام).

 

ختامًا؛ أسأل الله تعالى أن يمنحنا توفيقه وهدايته وأن يجعلنا من الدعاة إلى دينه وأن يُيَسِّرَ لنا سبيل الوصول إلى شرف الخدمة لسيد الشهداء (عليه السلام).

 

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور