لماذا لم بمكِّن موسى من نفسه وقد قتل القبطي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

شيخنا الجليل: لماذا لم يتم محاسبة النبيِّ موسى أو أخذ الدية منه مثلاً عندما قتل ذالك الرجل والذي كان ربَّما قتله خطأً .. أرجو التفصيل وشكرا

الجواب:

إنَّ قتل موسى (ع) للقبطي لم يكن عن قصدِ القتل كما هو ظاهر الآيات، ولا يظهرُ مِن الآيات أنَّه كان يأبى من المحاسبة ودفعِ الدِّية، فهو إنَّما خرج إلى مدين التي هي خارج رقعة النفوذ لفرعون، هو إنَّما خرج إليها لأنَّهم أرادوا قتله كما أفاد ذلك قولُه تعالى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ / فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(1)، فيظهر من الآيات أنَّ هذا الرجل يُخبرُ عن علمٍ بما تُدبِّره سلطةُ فرعون في شأن موسى(ع) لذلك سعى جاهداً ليعثر على موسى(ع) لينصحه بالفرار قبل أنْ يصلوا إليه، فهو قد قصده من أقصى المدينة وأبعدها ليُخبره بما عزمتْ عليه السلطة في شأنه، ويظهرُ من الآيات أنَّ هذا الرجل كان قريباً من دوائر القرار كما يُشعرُ بذلك التعبير بالملأ وهم عليَّة القوم والأشراف من آل فرعون، وكذلك يُشعرُ به الإخبار من الرجل بنحو الجزم بما انعقد عليه قرارُ السلطة، هذا مضافاً إلى ما ورد في المأثور كما في تفسير القمي بسندٍ معتبر عن أبي جعفر الباقر (ع) أنَّه: "بلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل فطلبه ليقتله .." (2) ولذلك فرَّ موسى إلى مدين ولم يمكِّنهم من نفسَه.

إذن فموسى (ع) إنَّما خرج من مصر فراراً من القتل والذي هو غير مُستحِقٍ له، نظراً لكون قتلِه للقبطي لم يكن عمديَّاً، ولذلك قال موسى(ع) لفرعون بعد تقادمِ الزمنِ وعودتِه إلى مصر وتذكيرِ فرعون إيَّاه بحادثة القتل، قال موسى (ع): ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾(3) فهو مقرٌّ بالقتل ولكنَّه فرَّ منهم لأنَّهم أرادوا قتله.

ولعلَّ ممَّا يؤكِّد ذلك أنَّ موسى (ع) لما أنْ برَّر فراره بالخوف منهم لم ينفِ فرعونُ إرادتَه لقتله.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

30 ديسمبر 2016

---------------

1- سورة القصص / 20-21.

2- تفسير القمي- علي بن إبراهيم القمي- ج2/ 137.

3- سورة الشعراء / 21.