هل حُبس الحسين بن روح متى وكيف؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل يصحُّ ما قيل من أنَّ الحسين بن روح النوبختي السفير الثالث للإمام الحجة (ع) قد تمَّ حبسُه خمسة أعوام؟ وإذا صحَّ ذلك فهل وقع الحبسُ في أيام سفارته؟ ومَن الذي قام بدور السفارة إنْ كان ذلك قد وقع في أيام تولِّيه شأن السفارة والنيابة عن الإمام الحجَّة (ع)؟

 

الجواب:

نعم ذكر ذلك بعضُ مؤرِّخي العامَّة، فمنه ما ذكره الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام في ترجمة أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) قال: "الحسين بن روح بن بحر أبو القاسم القيني أو القسي وكذا صورته في تاريخ يحيى بن أبي طي الغساني، قال: هو الشيخ الصالح أحد الأبواب لصاحب الأمر، نصَّ عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري عنه، وجعله من أول مَن يدخل عليه حين جعل الشيعة طبقات، وقد خرج على يديه تواقيع كثيرة. فلمَّا مات أبو جعفر صارت النيابة إلى أبي القاسم، وجلس في الدار ببغداد" إلى أن قال: "وكثرت غاشيته، حتى كان الأمراء يركبون إليه والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان، وتواصف الناسُ عقله وفهمه .. ولم يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال مدَّةً وافرَ الحرمة إلى أنْ وليَ الوزارة حامد بن العباس، فجرت له معه خطوب، يطول شرحها" قال الذهبي: "ثم ذكر -يعني ابن أبي طي- ترجمته في ستِّ ورقات، وكيف قُبض عليه وسُجن خمسة أعوام، وكيف أُطلق لمَّا خلعوا المقتدر من الحبس، فلمَّا أُعيد إلى الخلافة شاوروه فيه فقال: دعوه، فبخطيَّته جرى علينا ما جرى. وبقيت حرمته على ما كانت إلى أن تُوفي في هذه السنة -يعني سنة 326- قال: وقد كاد أمره أن يظهر ويستفحل .."(1).

 

وذكر الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات ما يقرب من هذا النص في ترجمة أبي القاسم الشيعي الحسين بن روح بن بحر أبو القاسم(2)، وممَّن ذكر أنَّه حُبس في دار المقتدر العباسي وأُطلق سراحه حين خُلع المقتدر المؤرِّخ القرطبي من أعلام القرن الربع الهجري ذكر ذلك في كتابه صلة تاريخ الطبري(3).

 

فلو صحَّ ما ذكره هؤلاء المؤرِّخون فإنَّ حبس أبي القاسم بن روح (رحمه الله) وقع في أيام تولِّيه لشؤون السفارة، وذلك لأنَّ تولَّيه لزمام السفارة وقع سنة 305 أو 304 للهجرة بعد وفاة أبي جعفر عثمان بن سعيد العمري السمَّان (رحمه الله) وبقي سفيرًا للإمام الحجَّة (ع) إلى أنْ توفَّاه اللهُ تعالى سنة 326 هجريَّة، فلو صحَّ ما ذكروه أنَّه أُطلق سراحه بعد أنْ وقعت الفتنة التي تمخَّضت عن خلع المقتدر العباسي سنة 317 هجريَّة وأنَّ حبسه امتدَّ لخمسة أعوام فإنَّ معنى ذلك أنَّه سُجن سنة 312 هجريَّة بعد تولِّيه لشأن السفارة بسبعة أعوام أو ثمانية أعوام.

 

هذا ولم نجد في طرقنًا تفصيلًا لهذا الشأن سوى ما أورده الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتاب الغيبة بسنده عن ابن نوح قال: وأخبرني جدي محمد بن أحمد بن العباس بن نوح (رضي الله عنه) قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن جعفر بن إسماعيل بن صالح الصيمري قال: " لما أنفذ الشيخُ أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) التوقيع في لعن ابن أبي العزاقر أنفذه من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي عليِّ بن همام (رحمه الله) في ذي الحجَّة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وأملاه أبو عليٍّ (رحمه الله) عليَّ وعرَّفني أنَّ أبا القاسم (رضي الله عنه) راجع في ترك إظهاره، فإنَّه في يد القوم وفي حبسهم فأُمر بإظهاره وأنْ لا يخشى ويأمن، فتخلَّصَ فخرج من الحبس بعد ذلك بمدَّةٍ يسيرة والحمد لله"(4).

 

فهذه الرواية وإنْ أشارت إلى أنَّ الحسين بن روح (رحمه الله) كان قد حُبس في دار المقتدر العباسي وتُؤيِّد أنَّ حبسه قد وقع أيَّام سفارته إذ إنَّها أفادت أنَّ التوقيع الشريف في البراءة من أبي العزاقر الشلمغاني قد خرج على يديه وهو في حبس المقتدر العباسي سنة 312 هجريَّة إلا أنَّها لم تُبيِّن مدَّة الحبس ولم تذكر متى أُطلق سراحُه وأنَّ ذلك وقع بعد خلع المقتدر سنة 317 هجريَّة بل إنَّ ذيل الرواية قد ينفي ذلك حيث أفادت أنَّه (رضوان الله عليه) قد خرج من الحبس بعد مدَّةٍ يسيرة من خروج التوقيع الشريف على يديه سنة 312 هجريَّة والمدَّة اليسيرة لا تكون -ظاهرًا- خمسة أعوام.

 

ويتَّضح من الرواية أنَّ وجود الحسين بن روح في الحبس لم يُوجب انقطاعه عن الشيعة بل كان يتَّصل بهم من طريق بعض خواصِّه كأبي عليٍّ محمد بن همام الإسكافي وكان من أعاظم الشيعة جليل القدر كثير الحديث شيخ أصحابنا ومتقدِّمهم كما أفاد النجاشي توفي سنة 336 هجرية(5).

 

هذا وقد نصَّت العديد من الروايات -وفيها ما هو معتبرٌ سندًا- على أنَّ التوقيع الشريف في الشلمغاني قد وصل من الحسين بن روح عن طريق أبي عليِّ ابن همام (رحمه الله) سنة 312 هجريَّة، وأفاد بعضُها وهي صحيحة أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري الثقة الجليل قال: وأخذ أبو عليٍّ -بن همام- هذا التوقيع ولم يدعْ أحدًا من الشيوخ إلا وأقرأه إيَّاه، وكُوتب من بعُدَ منهم بنسخته في ساير الأمصار، فاشتهر ذلك في الطائفة فاجتمعت على لعنِه -الشلمغاني- والبراءة منه"(6).

 

وخلاصة القول: لو ثبت أنَّ الشيخ أبا القاسم بن روح قد تمَّ حبسُه -وهو غير مُستبعَد- فإنَّه لم يثبت أنَّ مدَّة الحبس قد امتدَّت لخمسة أعوام وإلا لاشتهر ذلك وذاع، وأيًّا كانت المدَّة فإنَّ ذلك لم يمنع -بمستوًى ما- من اتِّصال الشيخ أبي القاسم ابن روح بالشيعة عن طريق خواصِّه الثقاة أمثال أبي عليِّ بن همَّام خصوصًا وأنَّ الحبس له كان أشبه بالإقامة الجبريَّة في بعض دور المقتدر العباسي وذلك نظرًا لوجاهة الحسين بن روح لخصوصيته من جهة وباعتباره من النوبختيِّين والذين كان فيهم العديد من الوزراء والمقرَّبين من الدولة.

 

هذا ولم يتَّضح السبب الذي دفع المقتدر العباسي إلى حبسه سوى ما ذكره ابن ابي طيٍّ -بحسب نقل الذهبي- من أنَّ حامد بن العبَّاس لمَّا وَلِيَ الوزارة جرت بينه وبين الحسين بن روح "خطوبٌ يطول شرحُها" والظاهر من ذلك أنَّ حامد بن العباس استغلَّ نفوذَه وموقعه من المقتدر العباسي فوشى بالشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) فحبسه ظلمًا وعدوانًا، والذي يؤكِّد ذلك ما ذكره ابن أبي طيٍّ أنَّه بعد أنْ أُعيد المقتدر إلى الخلافة وقد أُطلق سراح الحسين بن روح شاوره وزراؤه أو أجناده في إعادة الحسين بن روح إلى الحبس فقال المقتدر العباسي: "دعوه، فبخطيَّته جرى علينا ما جرى"(7)، أو قال: "دعوه فبخطيَّته أُوذينا"(8).

 

ويقصدُ أنَّ ما جرى عليه من أحداث كادت تُودي بسلطانه بل وبحياته لعلَّه كان بسبب الظلم الذي أوقعه على هذا الرجل الصالح وهو ما يكشف عن أنَّ المقتدر كان يُدرك أنَّ الحسين بن روح كان مظلومًا وأنَّ حبسه وقع بغير وجه حقٍّ. لذلك لم يتعرَّض له بسوء وبقيت حرمتُه كما كانت إلى تُوفِّي سنة 326 هجريَّة كما ذكر ذلك الذهبي.

 

ولعمري إنَّ ما وقع على هذا الرجل الجليل من ظلمٍ لم يكن بِدعًا فتأريخ العظماء حافلٌ بالتضحيات.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- تاريخ الإسلام -الذهبي- ج24 / ص191.

2- الوافي بالوفيات -الصفدي- ج12 / ص226.

3- صلة تاريخ الطبري -القرطبي- ص74.

4- الغَيبة -الشيخ الطوسي- ص308.

5- فهرست النجاشي ص380، الفهرست -الشيخ الطوسي- ص217.

6- الغَيبة -الشيخ الطوسي- ص412.

7- تاريخ الإسلام-الذهبي- ج24 / ص191.

8- سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج15 / ص224.