زيد بن عليٍّ السجاد وزيد بن الحسنِ السبط

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا العزيز

أود سؤالكم شيخنا عن شخصيتين من أبناء الأئمة (عليهم السلام):

 

الأولى: زيد بن علي بن الحسين، هل ادَّعى الإمامة لنفسه كما ينقل بعض الباحثين؟ وما هي مكانته عند الأئمة (عليهم السلام)؟

 

الثانية: زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب هل يصحُّ ما يذكر في بعض المصادر بأنَّ زيد بن الحسن قد تزوَّج من لبابة بنت عبيد الله بن العباس (زوجة العباس بن علي عليه السلام)؟ على الرغم من مواقفه الظاهرة التي تجعل عليه بعض النقاط الملحوظة في تاريخه مثل عدم نصرة الإمام الحسين (ع) ومعاداته للإمام الباقر(ع) ومبايعته عبدالله بن الزبير وغيرها؟ فهل يصح أن زوجة رجل عظيم مثل العباس بن علي (ع) ومثل ما نقل بعض الباحثين (أنها كانت حاضرة في الطف ورأت الفاجعة) تقبل الزواج بشخصية مثل زيد بن الحسن رغم مواقفه الواضحة؟

 

الجواب:

زيد بن عليٍّ الشهيد:

أمَّا زيد بن عليِّ بن الحسين فهو من أعاظم ذرية الرسول (ص) ولم يدَّع الإمامة لنفسه، وخروجُه على بني أميَّة إنَّما كان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان لطلب الرضا من آل محمد (ص) وكان يهدف من ثورته تقويض سلطان الأمويين، وقد نصَّت على ذلك العديد من الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) واستفاضت الروايات الواردة عنهم في مدحه والثناء عليه، فمن ذلك صحيحة عِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) يَقُولُ: "عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه .. فَانْظُرُوا عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تَخْرُجُونَ ولَا تَقُولُوا خَرَجَ زَيْدٌ، فَإِنَّ زَيْدًا كَانَ عَالِمًا وكَانَ صَدُوقًا، ولَمْ يَدْعُكُمْ إلى نَفْسِه، إِنَّمَا دَعَاكُمْ إلى الرِّضَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (ع) ولَوْ ظَهَرَ لَوَفَى بِمَا دَعَاكُمْ إِلَيْه، إِنَّمَا خَرَجَ إلى سُلْطَانٍ مُجْتَمِعٍ لِيَنْقُضَه .."(1).

 

وأمَّا ما ورد في بعض الروايات من ادِّعائه للإمامة -فهي على قلَّتها- ضعيفة السند وأكثرها ليست ظاهرة فيما توهَّمه البعض من دلالتها على ادِّعائه للإمامة، وأمَّا ما يظهر من بعض الروايات في ذمِّ خروجه فهي مضافًا إلى ضعف أكثرها من حيثُ السند فإنَّها ليست ظاهرةً في أكثر من تخطئته في التقدير، وذلك لا يُنقِصُ من شأنه وجلالة قدره وعلوِّ مقامه وعدِّه من الشهداء بل هو من خيار الشهداء كما نصَّت على ذلك العديد من الروايات، وقد أورد الشيخ الصدوق -بعد روايته لحديث في مدح زيد عن الإمام الرضا(ع)- طرفًا منها في كتابه عيون أخبار الرضا (ع) وقال قبل إيرادها: "لزيدِ بن عليٍّ فضائلُ كثيرة عن غير الرضا أحببتُ ايراد بعضِها على إثْر هذا الحديث ليعلَمَ مَن ينظر في كتابنا هذا اعتقاد الإمامية فيه"(2).

 

زيد بن الحسن المجتبى:

وأمَّا زيد بن الحسن المجتبى فقال عنه الشيخ المفيد في الإرشاد: "فأما زيد بن الحسن (رضي الله عنه) فكان على صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وأسنَّ، وكان جليل القدر كريم الطبع، ظريف النفس، كثير البر، ومدحه الشعراء وقصده الناس من الآفاق لطلب فضله" وقال عنه: "وزيد بن الحسن (رحمة الله عليه) كان مسالمًا لبني أمية ومتقلدا من قبلهم الأعمال، وكان رأيه التقية لأعدائه والتألف لهم والمداراة .."(3).

 

وأمَّا تخلُّفه عن نصرة عمِّه الإمام الحسين (ع) وبيعته لابن الزبير فقاله أحمد بن علي الحسين المعروف بابن عنبة في كتابه عمدة الطالب نقلًا عن الموضح النسابة قال ابن عنبة: "وكان زيد يكنى أبا الحسين، وقال الموضح النسابة: أبا الحسن وكان يتولَّى صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وتخلَّف عن عمِّه الحسين فلم يخرج معه إلى العراق، وبايع بعد قتل عمه الحسين عبدَ الله بن الزبير لأنَّ أخته لأمِّه وأبيه كانت تحت عبد الله بن الزبير. قاله أبو النصر البخاري .."(4).

 

وأمَّا ما قيل من معاداته للإمام الباقر (ع) فلم تثبت، وإنَّما يُستشهد على ذلك برواية مرسلة أوردها الراوندي في الخرائج والجوارح واشتملت على منازعته للإمام الباقر (ع) وسفره إلى عبد الملك بن مروان وإغرائه بقتل الإمام الباقر (ع) وانتهاء المنازعة بدسِّ السم للإمام وقتله(5)، وهو غريب لأنَّ عبد الملك بن مروان توفي قبل استشهاد الإمام السجاد (ع) بما يقرب من العقد من الزمن ولذلك أفاد السيد الخوئي أنَّ الرواية غير قابلة للتصديق وأفاد أنَّها مفتعلة(6)، وقد فصلنا الحديث حولها في مقالٍ مستقل تحت عنوان "تقييم رواية السرج المسموم".

 

وأمَّا زواجه من لبابة بنت عبد الله بن عباس فذكر ذلك أبو نصر البخاري وأفاد أنَّه أولدها نفيسة(7)، والحسن، ومجمل أولاد الحسن المجتبى (ع) على كثرتهم وتشعبهم تناسلوا عن اثنين من أولاده هما زيد بن الحسن، والحسن بن الحسن، وفيهم الصالحون الأتقياء الأبرار وهم كثير، وفيهم دون ذلك.

 

وكيف كان فالصحيح أنَّ زيد بن الحسن المجتبى وإنْ لم تثبت عدالتُه ولكنَّه كان على ظاهر الصلاح، وقد تخلَّف العديد من الهاشميين عن نصرة الإمام الحسين (ع) لمبرِّرات مختلفة قد لا يكون أكثرها موجبًا للعذر عند الله تعالى، وكذلك فإنَّ الهاشميين قد اختلفت مواقفُهم في العديد من الشؤون لكنَّها لم تُفضِ في الغالب إلى التقاطع خصوصًا بين الحسنيين والحسينيين وكذلك بينهم بين أبناء عليِّ بن أبي طالب من غير فاطمة (ع) فكان التزاوج والمصاهرة والتواصل بينهم قائمًا.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

8 / صفر/ 1442هـ

26 / 09 / 2020م


1- الكافي -الكليني- ج8 / ص264.

2- عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج1 / ص225.

3- الإرشاد -المفيد- ج2 / ص20، 23.

4- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب- أحمد بن علي الحسين المعروف بابن عنبة- ص69.

5- الخرائج والجرائح -قطب الدين الراوندي- ج2 / ص600، 604.

6- معجم رجال الحديث -السيد الخوئي- ج8 / ص252.

7- سر السلسلة العلوية -أبو نصر البخاري- ص29.